صعلكة ضد الوطن

 

حميد بن مسلم السعيدي

أخذت فترة من الزمن وأنا أفكر في كتابة هذا المقال، كنت أفكر في كسر حاجز الصمت لأبحث عن الحقيقة الغامضة، أسبوعان مضت وهناك حالة من الصعلكة يمر بها الوطن، أرادها الصعاليك ليعبثوا بكل شيء ويضربوا هذا الوطن، هوس كبير في شبكات التواصل الاجتماعي، مقالات مُتعددة تنشر دون معرفة مصادرها، رؤى ومعرفة واهمة تدار هناك، مجموعة لا تعرف أين الحقيقة تحاول إظهار روحها الوطنية وحسها الوطني تجاه حُب الوطن، بين هذا وذاك توقفت الأقلام عن الكتابة، وأصبحت الصورة أكثر سوادًا وغابت الألوان بين عُلب الأحبار ولم يعُد للقراءة معنى يمكن فهمه بين كل المقالات التي أحدثت تشوشا فكريا ومعرفيا لدى المواطن العادي.

وقف الوطن بذاته ينتظر لحظة فارقة لضوء خافت ربما يهيج لمعانه ليظهر الحقيقة الغامضة أو يختفي بين ساعات الزمن، مستغلاً حالة النسيان السريعة التي يتعايشها الإنسان، لأن الأحداث المؤلمة والتي تحدث شرخاً وألمًا في الذات تصبح حالة عابرة في حالة تكرارها، ولأن الجرح يلامس جسم الوطن فإنَّ الألم يكون أكثر قسوة وشدة، فعندما يصعد مجموعة من الصعاليك ليعتلوا منصة الكذب والعمالة والنفاق والخيانة والسرقة والفساد والرشوة والإدمان على حب الذات، ماذا يبتغى من الوطن أن يفعل؟.

بين هذه الحالة الوقتية التي تميزت بحمى الصراعات والاختلافات الفكرية التي عايشها الجميع نتيجة عبث مجموعة من الصعاليك، كان هناك الروح الوطنية التي ثار لهيب نارها في حُب الوطن التي نادى بها الجميع وهي لا مساس بأمن واستقرار الوطن، الكل كان يضع يده على قلبه ويدعو الله من أجل عُمان، يدعو أن تصبح عُمان بعيدة عن صراعات البشر، واختلافات الصعاليك، بعيدة عن أشرار الخونة والعملاء، آمنة من شر الفاسدين، محلقة بذاتها في كنف الحب الأبدي الذي يتمسك به الشعب العُماني.

حيث انقسم الكل على كل شيء فهناك من يُصدق حالة المعرفة، وهناك من يُكذب وهَم المعرفة، وبين كل ذلك كان الصمت يزاد تماسكاً وكأنه جدار لا يُريد أن ينكسر أو أن يجتازه أحد، صمت لا يعرف غايته أو رسالته، ترك للكثيرين من الصعاليك أن يستغلوا الوضع في نشر أكاذيبهم أو رؤاهم أو أوهامهم أو حقائقهم، لأن كل شيء كان غامضًا، في لحظات ما أقرأ مقالاً أو منشورا ما فأصدق ما كتب، وما هي إلا لحظات حتى ينشر آخر وتجده مضادًا لكل ما نشر قبله، عشرات وربما مئات المقالات والتحليلات نُشرت وكأن هناك هوساً في سبق اكتشاف المعرفة، بالرغم من أنني لا أرغب إلا في البحث عن المصادر الناشرة، إلا أنّ الشكوك أصبحت تزيد كلما مرت لحظات صمت أكثر، صمود للصمت دفع البعض يعتقد أنه صمت الضعف أو صمت الكاريزما، لم يجدوا لذلك تفسيراً فزاد الأمر وهما.

قبل عام من هذا اليوم كان لي مقال يتحدَّث عن ضرورة بناء إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، فالحالة الوطنية التي كان يتعايشها الجميع تُشعر بأننا بحاجة إلى ضرورة القضاء على كل شيء متعلق بالفساد، لأن الفساد يؤثر على الاقتصاد الوطني، ويضعف من الانتماءات الوطنية، ويشعر الكثيرون بالظلم، ويُسهم في غياب العدالة، وحينها يضعف الإنتاج الفكري والإبداعي ويصبح الوطن مزرعة للفاسدين يعبثون فيه كيفما يشاؤون، وحتى نقيس معنى الفساد وكيف يمكن وصفه في ظل التفسيرات المُتعددة التي ما زالت غامضة على الكثير من القراء هو أن الفساد يطلق على الضالعين فيه من الكبار، والواقع أنّ الفساد كمفهوم عام يشمل كل ما يخرج عن القانون، ويشمل كل التصرفات والسلوكيات والأفعال التي تخالف فيها الأنظمة والقوانين لتحقيق مصالح شخصية، ويصبح الفساد بمفهومه العام هو التغير من الحالة المثالية إلى حالة دون الحالة المثالية، والكمال -لله عزّ وجلّ- بمعنى التغير للأسوأ، ويكون هنا ضد الإحسان.

 ويقول الله تعالى في كتابه العزيز "وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا" وتتجلى في هذه الآية الكريمة الرسالة السماوية بتوجيه رباني إلى النهي عن الفساد بكل أشكاله من أجل المحافظة على الخير والأمن والسلام على وجه المعمورة، حيث جاء بأداة النهي –لا-  نظراً لخطورة الفساد وأثره الكبير على مختلف مجالات الحياة؛ فهو يُضيع الحقوق ويُدمر كل الإنجازات الوطنية، ويضعف من جودة العمل، ويحبط الإنسان ويشعره بالألم في ظل غياب العدالة، ويتوافق ذلك مع التوجيه السامي لجلالة السلطان قابوس بن سعيد في بداية تأسيس هذه النهضة المباركة، والذي حثّ فيه في أكثر من خطاب على ضرورة الإخلاص من أجل عُمان "هناك أمر هام يجب على جميع المسؤولين في حكومتنا أن يجعلوه نصب أعينهم، ألا وهو أنّهم جميعًا خدم لشعب هذا الوطن العزيز، وعليهم أن يؤدوا هذه الخدمة بكل إخلاص وأن يتجردوا من جميع الأنانيات وأن تكون مصلحة الأمة قبل أيّ مصلحة شخصية، إذ إننا لن نقبل العذر ممن يتهاون في أداء واجبه المطلوب منه في خدمة هذا الوطن" وهذا الفكر السامي يتضح جلياً في مدى استقراء المستقبل من تأثيرات الفساد على مصلحة الوطن، وتتدرج ممارسات الفساد لتبدأ من الأحداث الصغيرة التي يعتبرها البعض خطأ بسيطاً مثل رمي المُخلفات في الحدائق والأماكن العامة وانتقل إلى الأعمال ذات الطابع الاجتماعي كالمحاباة والمحسوبية والتأثير في حقوق الآخرين وتمرير المعاملات التي يحدث فيها تجاوز للأنظمة والقوانين إلى المشكلات المُتعلقة بعدم القيام بالواجبات الوظيفية، والإهمال وعدم الإخلاص والإتقان في العمل، والتأخير في إنجاز المعاملات والتلاعب بالسلع التجارية والغش التجاري، إلى القضايا الكبرى المتعلقة بالرشوة والمال والخيانة والعمل ضد مصلحة الوطن لمصالح جهات أو مؤسسات خارجية سواء أكانت شركات أو أفراداً، كلها تندرج ضمن مصطلح الفساد".

بين كل ما يحدث تبقى هناك قلوب وطنية تدعو بالخير لهذا الوطن وتعمل بإخلاص وأمانة من أجل رفعته، هي اليوم ذاته التي تلهج بالدعاء له بالأمن والاستقرار، رغم كل الأحداث والصورة السلبية التي تنشر في شبكات التواصل الاجتماعي، والقنوات الإعلامية المتنوعة، إلا أنّ الانتماء الوطني هو متصدر القائمة في مرحلة عابرة يمر بها الوطن، فعلينا قراءتها جيداً لنصبح أكثر تماسكاً وقوة في وجه كل التحديات الداخلية والخارجية التي تعمل ضد الوطن، هكذا هم العُمانيون عبر التاريخ كانوا يقفون صفًا واحداً وقت الشدائد والأزمات مما أعجز الآخرين عن فك شفرة هذه الوحدة الوطنية، ويقول جان جاك روسو "حين أرى هذا الظلم في هذا العالم، أُسلي نفسي بالتفكير في أنَّ هناك جنهم تنتظر الظالمين".

 

Hm.alsaidi2@gmail.com