هل حركة فتح الله كولن وراء الانقلاب؟

 


عبد الله العليان

أثارت الأنباء حول ضلوع الداعية التركي المعروف محمد فتح الله كولن في المحاولة الانقلابية التي جرت بتركيا في الخامس عشر من يوليو الماضي؛ موجة من الاستغراب والتَّعجب، لكون الانقلابات في تركيا عادة تُشير إلى القيادات العسكرية التركية الأقرب إلى الرؤية العلمانية؛ وبان أنَّ الحزب الحاكم له توجهات إسلامية معتدلة، لكن اتهام جماعة الداعية فتح الله، هو الخبر المُثير الغريب.

ولا أُخفي إعجابي بكتابات ومؤلفات الداعية كولن، منذ عقدين أو يزيد، باعتباره عالماً ومفكراً إسلامياً مرموقاً ويُبهرك بأقواله ورؤيته، وردوده على الفلسفات والتيارات الغربية، فقد جمع بين العلوم الدينية والعلوم العصرية الحديثة. والحقيقة أنّ منهج الانقلابات يُخالف منهج هذا الرجل في كتاباته وفكره؛ الذي هو أقرب إلى الفكر الزاهد المُتصوف، باعتبار أنّ الانقلاب وسيلة غير صحيحة ومرفوضة، خاصة وأنّ تركيا جربت الانقلابات، واكتوت بنيرانها لمدة ستة عقود أو يزيد؛ وحتى فتح الله كولن واجه هو نفسه في الثمانينيات بعد انقلاب 1980 الذي قاده الجنرال كنعان أفرين المصاعب، واحتجز لفترة بسبب مواقفه السياسية من الانقلاب في ذلك الوقت، فما صحة هذا الاتهام؟ وهل حاول كولن التغلغل في بعض المؤسسات المدنية والعسكرية؟ وما حقيقة الخلافات بين أردوغان وفتح الله التي أدت إلى الافتراق بينهما؟.

بدأ الخلاف بين الرجلين، بعد حادثة السفينة مرمرة في 2010، التي كانت ذاهبة إلى غزة بعد الحصار الإسرائيلي عليها، إذ يرى فتح الله كولن ـ كما قيل آنذاك ـ أنّه يجب على السلطات التركية أن تستأذن إسرائيل قبل إرسال هذه السفينة إلى غزة، كما أنّ فتح الله كولن يختلف مع النظام ورؤية حزب العدالة والتنمية، في أنّ على الدولة التركية أن تولي اهتمامها بمحيطها في آسيا الوسطى، بدلاً من اقترابها من قضايا العالم العربي، أو ما سمي بـ"بمستنقع الشرق الأوسط". وربما تكون هناك خلافات أخرى لم تكن منشورة أو ظاهرة في العلن.

الواقع أنَّ الاتِّهام فاجأ الكثير من المُتابعين للشأن السياسي، لكن البعض يرى أنّ فتح كولن لديه مشروع كما يقول عنه أنّه "مشروع اجتماعي"، ففي رؤيته في (سلسلة الفصول)، وهو عبارة عن سلسلة محاضرات له جمعت في كتاب، قال كولن ما نصه "إنَّ الإسلام لا يُجيز أيَّ طريق يؤدي إلى الغاية، إذ لا بُدَّ وأن يكون الطريقُ المؤدي إلى الغاية مشروعاً؛ تماماً مثلما ينبغي أن تكون الغايةُ ذاتها مشروعةً، ذلك أنّ الطريق غير المشروع يحيدُ بالإنسان إلى خلاف هدفه، وبالتالي فالمسلمُ لا يستطيع أن يسلك كل طريق بذريعة احتمال الوصول إلى الهدف، إذ المهم هو إنجاز ما يجب إنجازه بالشكل اللازم، وفي إطار مشروع، والأكثر من كون الوسيلة مشروعة هو أن تتسم بسمة تطوير احترام الحق وفكرة الحقيقة".

لكن البعض يرى أنَّ أردوغان وأركان حكومته وجهوا الاتِّهام، قبل أن يتم إجهاض المحاولة الانقلابية الفاشلة، وأن هذا الاتهام يعتبر من الأحكام المُسبقة، وربما الهدف من هذا الاتهام، تصفية الخصوم، أو ما يُسمى بالكيان الموازي، أو المنافس للدولة، على اعتبار أنّ حركته لها أتباع كثيرون، ولها حضور كبير في الداخل والخارج، وبحكم الاختلاف الفكري، وربما السياسي أراد الحزب الحاكم إنهاء نشاط الحركة من خلال هذه الفرصة المواتية.. لكن بعض الخبراء والمُهتمين بالشأن التركي يرون أنّ نشاط الحركة أصبح متغلغلاً بصورة كبيرة، لا يُستهان بها، ومنهم الخبير الألماني في الشؤون التركية غونتر زويفرت، الذي يرى أنّ "الحركة لها حالياً سياستها الخاصة القائمة بذاتها في كلّ من الإدارات والشرطة وكذلك أيضًا في القضاء والجيش ووزارة الداخلية، وتهدف هذه السياسة في المقام الأول إلى إضعاف الحكومة وزعزعة استقرارها، وكذلك إلى إطلاق طلقات تحذيرية، وذلك بسبب شعور حركة كولن بالتهديد من حكومة أردوغان. أمّا في السابق فقد تعاونت الحكومة وحركة كولن بعضهما مع بعض تعاونًا وثيقًا للغاية من أجل إضعاف النخبة العلمانية في البلاد وخاصة من أجل الحد من نفوذ الجيش في الحياة السياسية".

ولا شك أنَّ ارتياب النظام التركي المُتمثل بحزب العدالة والتنمية الحاكم، يرى أنّ لديه ما يُثبت أنّ حركة فتح كولن، هي التي رتبت للانقلاب والوقوف خلفه، وهذا يتطلب إثباتات على صحة هذا الاتهام، بل إنّ هناك أحاديث عن أنّ الولايات المتحدة لها صلة بشكل أو بآخر، بحكم وجود كولن في الولايات المتحدة، وقد اتهمت روسيا قبل سنوات، حركة فتح كولن بعلاقتها بالاستخبارات الأمريكية، لكن الحركة نفت هذا الاتهام.

والحقيقة أنّ حركة كولن، لم تكتف بنشاطها الاجتماعي، بل إنّ لها نشاط إعلامي، ولها العديد من المحطات التلفزيونية، كما أنّها انتقدت حزب العدالة والتنمية حول صياغة دستور جديد، كما تتحرك بصورة كبيرة مع مجموعة من رجال الأعمال والقضاة وحتى العسكريين، كما جاء في بعض الاتهامات، من أنّها تحاول التوغل في المؤسسات المدنية والعسكرية، وهذا ليس من أهدافها ظاهرياً. وقد يكون الارتياب والتوجس في السنوات الماضية، له ما يُبرره بحكم حجم الانتشار للحركة وأتباعها في الداخل والخارج. وعلى أيّ حال وكما تقول القاعدة القانونية (المتهم بريء حتى تثبت إدانته)، ولذلك فإنّ القضاء سيقول كلمته في هذا الاتهام، وهذا هو المحك الحقيقي في تبرئة الحركة أو إثبات تهمة ضلوعها في قضية الانقلاب التركي.