الطاقة البديلة.. الواقع والمأمول

عمَّار الغزالي

لا يختلف اثنان على أنَّ الثروة البشرية هي أعظم ما تمتلكه الأوطانُ، وأنَّ الحكومات التي لا تُعلي كَعب كوادرها الوطنية لا تسعى إلى معدلات نمو حقيقية؛ إذ إنَّ الإنسان هو محور التنمية وأساسُ التطوُّر.. وفي عُمان -ولله الحمد- تولي حكومتنا الرشيدة جلَّ اهتمامها للإنسان العُماني باعتباره هدفَ نهضتنا المباركة؛ وفي سبيل ذلك انطوتْ خططنا الخمسية جميعها على آليات وإستراتيجيات جادة للارتقاء به على مستتويين؛ أولهما: ضمان توفير سُبل الحياة الهانئة وتحقيق الرفاه للمواطن، والثاني يستهدف اللعب على وتر الارتقاء بالعقول وتفجير مكامن الإبداع ومقاربة ضفاف المستحيل.

ومن هذا المنطلق، يُمكن استيعاب الشغف العُماني في التوجه لاقتصاد المعرفة، والتخلي عن الأنماط التقليدية في رسم الخطط المستقبلية؛ تعاطيًا مع مستجدات العصر، ولتخطي مرحلة الاقتصاد أحادي المصدر المعتمد على النفط، إلى حيث رحاب الاستثمار في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار، واستدامة الموارد في قطاعات بديلة؛ وفق إستراتيجيات مُحكَمة ترنو لخلق مجتمع معرفي، يؤهِّل ويشجِّع البحث العلمي ويدعم الابتكارات الفردية وينمِّيها لتصل إلى كيانات عملاقة تخلق مُعدَّلات نمو مرتفعة، وفق رؤى نيِّرة تحدِّد ملامح التنمية في بلادنا.

وفي القلب من اقتصاد المعرفة، يطل قطاع الطاقة البديلة برأسه كأحد الموضوعات التي تتطلب مناقشة شاملة وجادة على مُختلف المستويات، لا سيما مع تنامي حالة القلق العالمي من نضوب "الذهب الأسود"، في ظل دراسات تروِّج لهذه الأفكار منذ سنوات. وحتى لو افترضنا عدم صحة هذه الافتراضات، تبقى الطاقات المتجدِّدة أوفر بكثير على المدى من استخدام النفط والغاز.

وبلاشك، تُعتبر الطاقة الشمسية من أهم مَصَادر الطاقة البديلة التي يجب أن تلعب دورا مهمًّا في المرحلة المقبلة، خصوصا وأنَّ مُعدَّلات الزيادة السكان في السلطنة تتسبب في ارتفاع الطلب العُماني على الطاقة. وقد حدَّدت "رؤية 2020" هدفًا لإنتاج 10% من مُتطلبات السلطنة من الكهرباء من موارد الطاقة المتجددة بحلول العام 2020، إلا أنَّ العقبة الكأداء تتمثل في تأخُّر ربط نظام الطاقة في السلطنة بصورة كاملة حتى الآن؛ حيث -وبحسب المعلومات التي وقفتُ عليها- "يغطي الجزء الأكبر من النظام المعروف باسم "نظام الربط الرئيسي" الجزء الشمالي من السلطنة، فيما هناك نظام مُصغَّر مملوك لشركة ظفار للطاقة ويخدم منطقة صلالة في الجنوب، بينما تتغذَّى بقية الولايات والمناطق بواسطة شركة كهرباء المناطق الريفية"، وهو في رأيي السبب وراء الترتيب المتدني للسلطنة في مؤشرات التنافسية العالمية في هذا المجال، في وقت تتوافر فيه عُمان على العديد من المقومات الكفيلة بوضعها في مرتبة مُتقدمة على سُلم المنافسة عالميًّا في مجال الطاقة البديلة؛ حيث تتمتع بأعلى معدل لنقاء السماء، وتستقبل يوميًّا الإشعاع الشمسي الذي يتراوح من 5500-6000 وات/ساعة للمتر المربع في اليوم (في شهر يوليو)، إلى 2500-3000 وات/ ساعة للمتر المربع في اليوم (في شهر يناير)؛ مما يجعلها واحدة من أعلى كثافات الطاقة الشمسية في العالم.

إلا أنَّ الأمر كما هي العادة، يُواجه مجموعة مُتنوعة من التحديات، شأنه شأن أسواق الطاقة في كافة أنحاء العالم، ويستطيع كل سوق أن يعزز النمو الاقتصادي من خلال وضع إستراتيجيات لتأمين إمدادات الطاقة بأسعار معقولة ومستدامة وتوريدات آمنة؛ مما يفرض "الحل العلمي" كطريقة عقلانية لمواجهة تلك التحديات؛ وعلى الرأس منها: ضرورة إعداد كوادر بشرية قادرة على مواكبة التغيرات التنموية المتلاحقة من حولنا؛ إذ باتت الحاجة ماسة لمضاعفة التركيز على مواد العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في سائر المراحل التعليمية، وإنشاء مراكز أبحاث في الجامعات، ووضع الابتكار كمعيار أساسي في تقييم المدارس والجامعات الحكومية والخاصة، ومحاولة تطبيق فكرة الاقتصاد الأخضر عن طريق التخطيط السليم فيما يخص هذا المجال، وسن القوانين والتشريعات المتعلقة بالطاقة المتجددة والتأكيد عليها.

فضلاً عن إنشاء مراكز لحلول تخزين الطاقة، والتوسُّع في برامج أبحاث الطاقة الشمسية، وبرامج للدراسات العليا والأبحاث الأساسية والتطبيقية، وتسهيل دخول ونقل معدات البحث والتطوير المتقدمة بما يُشجع على تدفق العلماء والباحثين، وتحفيز التعاون بين الجامعات والقطاع الخاص في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار، والدخول في شراكات إستراتيجية مع الشركات التي تمتلك تقنيات تصنيع مستلزمات الطاقة المتجددة. إضافة إلى أهمية نشر الدراسات وتفاصيل الاتفاقات التي تعقدها حكومتنا مع الشركات العالمية المتخصِّصة في هذا المجال؛ أو حتى مُلخَّصها بما يفتح الباب أمام استفادة باحثينا وأكاديميينا والمهتمين لرفع كفاءتهم ومساهماتهم في النمو الوطني؛ إذ إنني أؤمن تمامًا بأن رحلة البناء تكون دائما على أكتاف الأبناء، "فأهل مكة أدرى بشعابها".

ولأنَّ "مشروع الألف ميل يبدأ بخطوة"؛ فقد أُنشئت محطة "مرآة" على مساحة 750 فدانا من الصحراء، وخصصت لاستخدام الطاقة الشمسية لإنتاج البخار، ومن المقرر أن تصل الطاقة القصوى للمشروع إلى أكثر من ألف ميجاوات، وهو رقم يعتبر كبيرا جدًّا مقارنة بالمشاريـع القائمة حاليا؛ حيث إنَّ أكبر مشروع مماثل في ولاية كاليفورنيا بطاقة مقدارها 550 ميجاوات فقط.

كما تتبنى هيئة تنظيم الكهرباء عدة تدابير في هذا الجانب، واضعة خطة لإقامة 6 مشاريع تجريبية لإنتاج الكهرباء في مختلف ولايات السلطنة عن طريق الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بقدرة إنتاجية تصل إلى 8 ميجاوات -منها: محطة تعمل بالطاقة الشمسية في محوت لإنتاج 100 كيلووات، ومحطة لإنتاج 300 كيلووات في المزيونة، ومحطة لإنتاج 1500 كيلووات في هيماء وأخرى لإنتاج 28 كيلوات في ثمريت- ورغم الجهد الكبير المبذول إلا أنَّه لا يزال دون مستوى الطموح، إذ نفتقد إلى الآن -مع الأسف الشديد- خطة مكتوبة في هذا المجال، نحو تعزيز استخدام الطاقة المتجددة. وكما هو معلوم، فإنه إذا فشلت في التخطيط فقد خططت للفشل.

وحتى لا يطول المقام، وتتشعَّب الأفكار يُمنة ويسرة، أقول: إن تحولاً في دفة السفينة نحو مرافئ الطاقة البديلة بات مطلبا مُلحًّا؛ يحتاج التعامل معه وفق خطط مدروسة ومنطقية، تَضْمَن الدفع بعجلة التنمية في بلادنا نحو "الاستدامة" وبما يُعزِّز مُكتسباتنا الوطنية؛ حيث يُمثل هذا القطاع أحد الرِّهانات المستقبلية للتخفيف من غازات الاحتباس الحراري وتلبية الاحتياجات المستقبلية المتنامية وخفض الكلفة الإجمالية للطاقة.