للأسف.. هذا هو الواقع!

 

 

سَيْف المعمري

بعبارة "للأسف.. هذا هو الواقع"! جاءتْ مُعظم ردود القراء في معرض تفاعلهم مع مقالي الأسبوع الماضي والذي كان بعنوان: "وأد الكفاءات.. إلى متى؟"، ولم يقتصر تدفق ردود الأفعال على موظفين المؤسسات الحكومية فحسب، بل جاءت من مسؤولين في تلك المؤسسات، وذهب البعض الآخر إلى استئذاني لمحاولة إيصال رابط المقال إلى مجموعة من المسؤولين في مؤسسة حكومية معينة وفي مواقع وظيفية مختلفة تجمعهم مجموعة على "الواتساب"، وكأنَّ المقال جاء ليُلقي باللوم ويُحمِّلهم المسؤولية في ممارساتهم الإدارية المتناقضة، والتي أصبحتْ نتائجها غير خافية على أحد في تدنِّي الإنتاجية، وحدوث جرح غائر في المؤسسة.

وإنْ كانَ هذا الواقع المؤسِف في مُؤسساتنا، فهو ناشئ عن مُسبِّبات ظاهرة للعيان ولا يُمكن أن نتجاهلها، وإن كُنت قد سُقت بعضًا منها فيما يتعلَّق بالمسؤولين خلال مقال الأسبوع الماضي. وفي هذا المقال، سأتحدث عن الأسباب التي تتعلَّق بالموظفين أنفسهم في المؤسسات؛ فكثير من الممارسات الإدارية التعسفية في مؤسساتنا لا تلقى ردَّات فعل من قبل الموظفين أنفسهم، خاصة إنْ كانت تتعلق بحقوقهم وتأثيراتها المباشرة على مجريات العمل بالمؤسسة، والتي تدفع بالمسؤول في المؤسسة إلى التمادي في الإجراءات والقرارات التعسفية وغير القانونية ولا يقبلها منطق العمل المؤسسي، وأعني هنا بردات الفعل: استنكار تلك الإجراءات من خلال القنوات الإدارية والقانونية التي كفلها قانون الخدمة المدنية.

وفي أغلب الأحيان، يكون عدم إلمام الموظفين بحقوقهم وواجباتهم هو الدافع وراء الصمت تجاه تلك القرارات والإجراءات، وكذلك تصوُّر بعض الموظفين للأثر المباشر عليهم من قبل المسؤول والذي يُمكن أن يتخذهم كضحية مستقبلا وحرمانهم من التكريم والتحفيز ونحو ذلك، وإحداث أثر عكسي من قبل المسؤولين تجاههم ويمارسون حملات كيدية ضد من يتظلَّم من قراراتهم وإجراءاتهم، لكنها ليست سبيلا للموظف المخلص والمثابر إلى الانبطاح وراء مثل هذه التعسفات، بل عليه طرق أبواب العدالة وكشف علل تقصير المسؤول والأسس والمعايير التي ينتهجها في إجراءاته وقراراته والتي في أغلب الأحيان لا تستند إلى معايير ثابتة وأسس موضوعية.

كذلك يُعلِّل بعض المسؤولين عدم تظلم بعض الموظفين من القرارات والإجراءات التي يتخذها في مؤسسته، وعدم تصعيد القضية إلى محكمة القضاء الإداري، بأنه بمثابة حالة من الرضا والقبول بالأمر الواقع؛ مما ولَّد قناعة عمياء لدى بعض المسؤولين بأن يتخذوا قراراتهم حسب قناعاتهم الشخصية، ومع مرور الوقت سيتكيف معها كل من وقع عليه ظلم، وستصبح أمرا طبيعيا. علاوة على ذلك، فإنَّ الموظف الذي وقع عليه الظلم وفي أسوأ الأحوال إذا رفع قضيته -وهم قلة- في المحكمة فإن كسبها أو خسرها لن تُؤثر نتائجه في الوضع الوظيفي للمسؤول. وفي حال حكم القاضي بتعويضات مادية للمدعي فسوف تدفع له المؤسسة من ميزانيتها، ولن يؤثر ذلك في ميزانية المسؤول أو راتبه أو علاواته. وعليه فإنَّ على الجهات المختصة أن تقف على هذه القناعات البائسة التي تعشعش في ضعاف النفوس، والذين لا يبالون بمقدرات الوطن وثرواته وحرمة أمواله العامة، ولو تمَّ تحميل المسؤول 50% من كلفة أخطائه وقراراته لأتت بثمارها ولانتظم العمل المؤسسي وقل تغليب دواعي الوساطة والمحسوبية.

إلى جانب ذلك، فإنَّ هناك ازدواجية في آليات اختيار الوظائف الإشرافية بين مؤسسة وأخرى، وكلتا المؤسستين تخضع لقانون الخدمة المدنية، فبين مؤسسة تأخذ بخطوات اللجنة اللامركزية المستقلة بذاتها ومن ثم خطوات اللجنة اللامركزية المستقلة، وانتهاء بإصدار قرار التعيينات، وبين مؤسسة أخرى تأخذ بخطوات اللجنة المركزية ويتم التنافس على الوظائف بالمقابلات الفنية ومن ثم إصدار قرار التعيينات.

كذلك فإنَّ من يُوكل إليهم مسؤولية المقابلات غير مُلمِّين بالمهارات والمعارف الوظيفية للوظائف الإدارية والتخصصات الفنية للوظائف المطروحة للتنافس إلى جانب عدم حيادية اللجنة المشكَّلة للمقابلات، صحيح أنَّها تُشكَّل من قبل وكيل الوزارة وبحضور رئيس الوحدة، إلا أنَّ نتائج المقابلات تأتي -في أغلب الأحيان- مُتوافقة وبنسبة 100% مع قرارات الانتدابات التي سبقت طرح الوظائف الإشرافية للتنافس، علما بأنَّ عدم الأخذ بفكرة الاختبار التحريري تُعطِي مساحة واسعة للمسؤول باختيار من يريده وفقا لدوافعه الشخصية وبعيدا عن مصلحة العمل.

وعلى الجهات المختصة أن تدرس أسبابَ ارتفاع أعداد الدعاوى والأحكام الصادرة من قبل محكمة القضاء الإداري ضد مؤسسات معينة، وأن يتم تحليلها ومطالبة الجهات الحكومية التي تتصدر قضاياها قاعات محكمة القضاء الاداري تفسيرات موضوعية بعيدا عن القول: "إن المحاكم وجدت للتقاضي"، وعن القول: "ارتفاع القضايا دليل على وعي الموظفين بالقانون"؛ فالأولى أن يكون من على رأس هرم الوحدة الحكومية على دراية بالقانون وبالمصلحة العليا للوطن... ودمتم ودامت عُمان بخير!

Saif5900@gmail.com