وداعا حبيبتي.. خديجة

 

زينب الغريبية

 

ليس كل ما يجري في الحياة يمضي برغبتنا؛ فالحياة تأتي بالخبر السعيد، والخبر المؤلم، لم أتفاجأ بخبر وفاة ابنة خالتي خديجة، خديجة زهرة الثلاثينيات، لم ينبض قلبها إلا بالحب والخير، لا يعرف لسانها طيلة معاناتها مع المرض سوى "الحمد لله"، فقد كانت ترقد في المستشفى لأكثر من شهرين متتاليين، ليس هذا الغريب المؤلم إذا ما عرفنا أنّ حالتها لم تكن لتستدعي الوفاة بسبب خطورة المرض، فمرضها كان زيادة سوائل في الجسم، هل هذه مهمة جسيمة تواجه الطب في ظل ما وصل إليه في عصرنا الحالي؟!

عانت خديجة بالتنقل بين جميع المستشفيات الكبرى الموجودة في العاصمة، ولم يسمع ذووها بعيادة خاصة صغيرة أو مستشفى خاص في أي محافظة إلا واتجهوا إليه بحثا لها عن العلاج، إلا أنّ جميع المحاولات باءت بالفشل، يا لها من مهمة عصيبة، تجمع سوائل بالجسم!! صنع لها سمنة كبيرة، جلبت لها العديد من الأمراض المزمنة كالسكري وارتفاع ضغط الدم والكولسترول، وما ترافق تلك الأمراض من أعراض وأمراض في بقية أجزاء الجسم، ألم يكن من حق خديجة بعثة علاجية تخلصها مما هي فيه كمواطنة يحصل فيها العديد من المواطنين على هذا الحق، إذا تعذّر علاجهم بالداخل، أم أنّها لم تكن من تلك الفئة من المواطنين؟!

الموتُ أجلٌ مكتوب، له وقت محدد ليس بأيدي البشر إيقافه، هذا أمر مُسلَّم به، ولكن الإنسان يفعل كل ما يستطيع للعمل على مساعدة نفسه للتخلص من المرض أو التعايش معه في أسوأ الأحوال، ولم يُوجد الله داءً إلا وأوجد له الدواء، وعلى البشر البحث عن هذا الدواء وهذه الميزة التي ميّز الله بها بني البشر، الأبحاث مستمرة ومتنامية، وهناك أمراض كثيرة قد فكت شفراتها من لدن الباحثين والأطباء، واكتشفت لها علاجاتها إمّا بالتداوي أو بالتدخل الجراحي، إلا أننا لم نصل لهذا المستوى في بلادنا، وما زلنا عاجزين عن إنتاج ذلك بأنفسنا، إلا أننا نستعين بما توصل إليه في العالم المتقدم علميا، نأخذ الدواء، والأجهزة ونعجز عن توظيفها التوظيف الصحيح، لا ضير فقلة الخبرة تؤدي إلى ذلك، ولكننا نتمادى عندما نعتمد على قليلي الخبرة في توظيفها لنا، ونعمل على نشرهم في مستشفياتنا والاعتماد عليهم، إن كنا عاجزين عن الانتقال من المرحلة الأولى في العلاج للأمراض البسيطة ورعاية الحوامل والأطفال الرضع في حالاتهم الطبيعية في المراكز الصحية والمجمعات الصحية والعيادات الخارجية في المستشفيات،  إذن علينا الاعتراف بذلك وعدم التمادي في إيهام الناس بأننا نوفر لهم الخدمات الطبية التي يحتاجونها.

كل ما يستطيعه غالبية المواطنين السفر لطلب العلاج في الهند وتايلند، وربما غالبية من يذهبون لا يقدرن على المستشفيات الأكبر في تلك البلدان والتي قد تقدم خدمات أفضل، فيعودون كما ذهبوا بلا فائدة وهذا ما حدث مع خديجة، لما لا تفتح مستشفيات كبيرة هنا تعتمد على استشاريين زائرين ثقاة وخبرات حقيقية في فترات متفاوتة من السنة إن كنا لا نستطيع الإيفاء بتكاليف توظيفهم كاملة، أو يمكن التعاقد مع آخرين لتقديم استشارات عبر برامج الإنترنت بعد إرسال صور الأشعة ونتائج التحاليل وغيرها من الفحوصات المطلوبة لكل حالة، قد نوفر بذلك كثيرا من التكاليف على الدولة والمواطن في نفس الوقت.

لم يكن موت خديجة بسبب خطأ طبي، ولا بسبب ندرة المرض وصعوبته، وليس لكبر سنها وصعوبة التعامل مع المرض، وليس لعدم وجود العلاج لمرض بسيط كمرضها، ولكن بسبب عدم الاهتمام بحالتها، وعدم أخذ الموضوع بجدية، فروح واحدة لامرأة تعاني ماذا تعني؟! فكم ردتها مستشفيات وهي في حالة حرجة بسبب عدم وجود سرير شاغر، وكم توقف الأطباء عن النظر في حالتها بسبب أنّها تتكرر على المستشفى ولم يجدوا تفسيرًا لحالتها ولا يوجد لديهم ما يقدمونه لها، رحلت خديجة مخلفة وراءها آلاف الحالات التي قد تختلف في علتها، ولكنّها تشترك في معاناتها ومصيرها، ونظل نحصد من الوضع الصحي الكثير كل يوم، ويزداد الأمر تأزما بالوضع الاقتصادي الصعب الذي وُضعنا فيه.

لا تغيب ابتسامتك حبيبتي عن عيني، التي بكت بحرقة على فراقك، ولا يستطيع عقلي التوقف عن التفكير في الحالة التي وضعتي فيها مُكرهةً، كم ترددتُ عليك بين المستشفيات زائرةً، أخرج بزخات من الألم على مآلك الذي كنت أراه يقينا بين عيني، يعتصر قلبي وليس بيدي حيلة لأقدمها لك، وبكثير من الألم القاتل أقول لك ودعتك الله أختي، احملي معك آلامك لتسكن تحت الأرض، ربما هو الحل الوحيد الذي قد وصف لك من الأطباء، ولتصعد روحك الطاهرة لتعانق السماء شاكية عناءً مرّ بها حد الاختناق، لتضيق به الدنيا وتَسَعهُ السماء، سلواي حبيبتي أنّه مع كل آهة تعب قد تساقطت الذنوب، وأنك ترقدين مطمئنة مع المصطفين الأخيار..