ملايين صناعة الاحتراف

 

 

حسين الغافري

ما يحدُث في سوق كرة القدم العالمية أمر بات يُشبِه الجنون. نعيش اليوم في عصر صِناعة الاحتراف؛ حيث تغيَّرت كُرة القدم كثيراً، وتغيَّر معها كل شيء. سابقاً وقبل أكثر من خمسة عشر عاماً، كانت الثلاثون مليون يورو -الجنونية في ذلك الوقت- كسرت عقد البرازيلي رونالدو من برشلونة وحولته إلى قميص إنتر الإيطالي، وبعد فترة، خمسة وخمسين مليون يورو أحدثت ضجة واسعة في كسر عقد البرتغالي فيجو من برشلونة إلى الغريم التقليدي ريال مدريد وهو يحصد تبعاتها إلى اليوم على ما يوصف من شعارات تدل على خيانته لبرشلونة -إن هي كذلك- أتذكر جيداً كيف كان يُنظر قبل عشرة أعوام إلى ريال مدريد بصفقاته الضخمة -إن صح التعبير- رغماً عن أنها لم تتجاوز الثمانين مليون يورو، في تشكيلة النجوم المكونة من البرازيلي روبرتو كارلوس وزميله رونالدو والفرنسي زيدان وفيجو وبيكهام...وغيرهم، لكن كانت حدثاً فارقاً يتم وصفه "بالجنون". أما اليوم فالسوق الكروية أصبحت مختلفة جدًّا جدًّا والأرقام القياسية أصبحت لربما "موضة تنافس" أو "شد انتباه" أو حتى "إثبات مكانة وحضور".. وبالأخير هي "طبيعة الاحتراف وتطوره!

ومنذ أن تجاوز سعر انتقال الويلزي جاريث بيل من توتنهام الإنجليزي إلى ريال مدريد الإسباني بالمائة مليون يورو -لو لم تُعلن قيمة الصفقة إلا أن كل المؤشرات تدل على ذلك- فقد أصبحنا نقرأ غزوات أرقام فلكية في سوق اللاعبين. نيمار وسواريز وقبلهما رونالدو البرتغالي وحتى الكولومبي جيمس رودريغز أسماء كبيرة نتفق ونختلف بالمبالغ التي جُلبت.. ومع ذلك نعتقد بأنه ممكن استساغة أرقامها ولو قليلاً. لكن، بكل تأكيد فانتقال الفرنسي مارسيال الذي لم يتجاوز التاسعة عشر من عمره بمبلغ فاق السبعين مليون يورو من موناكو الفرنسي إلى مانشستر يونايتد، والإنجليزي ستورديج من ليفربول إلى مانشستر سيتي مغامرة يؤكد أن سوق اللاعبين أصبحت مفتوحة والأرقام مجنونة فعلاً والرهانات على لاعبين في مقتبل أعمارهم يتسبب في ضخ ضغوطات هائلة دواخلهم نتيجتها سلبية بقادم الوقت، رغم إغراءات المال الذي يحصدونه، وبالتالي قتل الموهبة وهي في بداية نضجها.

عوامل كثيرة أدت لتضاعف سوق لاعبي الكرة كتزايد قيمة الإعلانات التليفزيونية، وحقوق النقل، وقيمة الجوائز، ودعاية نجوم الكرة الخاصة، ومبيعات الأندية، إلا أن من وجهة نظري الخاصة أرى أنَّ ملايين أصحاب النفوذ والمال في العالم بشكل أو بآخر عززت رفع أسعار السوق الكروية المجنونة للاعبين. قبل ما يزيد على خمسة أعوام كانت موضة الأغنياء الروس وشراء الأندية والميزانيات المفتوحة مثل روبن كازان وأنجي الروسي والتي تبخرت ولم نعد نسمع لها أي صدى، وأين هي هذه الأندية ومشاريعها بعد تلك الضجة الإعلامية وتسابق جلب النجوم بأرقام فلكية! أما اليوم، تحضر الصين في تكملة المشوار بتعاقدات كبيرة آخرها البرازيلي هالك بسعر فاق الخمسة والأربعين مليون يورو وقبله مواطنه راميريز...وكثيرون! ولعلها تندرج تحت تفاسير كثيرة أبرزها ما تًصنف بغسيل أموال! ولعل حضور الأثرياء الصينيين مرشح أن يستمر بشكل واسع في الأعوام المقبلة بتوجهات لم تكفيهم جلب النجوم إلى الدوري الصيني، وإنما الاستثمار في قلب أوروبا وفي الأندية العريقة، وهو ما بات قريباً بعد شرائهم الحصة الأبرز من إنتر الإيطالي وقربهم من الظفر بالجار ميلان. ولربما توسع الحضور مستقبلاً بإيطاليا وبلدان أُخرى!

ما أود أن أقوله أنَّ سوق اللاعبين لم تعد مثلما كانت سابقاً. القيمة السوقية مفتوحة وتزيد عاماً بعد عام. المتغيرات كثيرة والأسباب متشعبة. الاستثمارات الكبرى، وشراء أصحاب المال للأندية والميزانيات المفتوحة، وتضاعف قيمة الأرباح جراء النقل التليفزيوني والإعلانات التجارية تعزز فكرة رؤية أرقام فوق المائة مليون مستقبلاً. ولعلنا نشهد بقادم الوقت أصداء أولية بانتقال الفرنسي بوجبا من يوفنتوس إلى ريال مدريد أو مانشستر يونايتد، أو كسر عقد الأرجنتيني هيغواين من نابولي الإيطالي إلى يوفنتوس. هي مجرد بداية والقادم أكثر شراسة، فهذه نواتج الاحتراف الحقيقي وتداعياته، وستتضاعف حركة الملايين بشكل موازٍ!

HussainGhafri@gmail.com