وأد الكفاءات .. إلى متى؟

 

سيف بن سالم المعمري

لا يوجد في أيَّ بلدٍ في العالم ثروة أغلى وأثمن من مواردها البشرية، ولا يُمكن لأيَّ أُمة من الأمم أن تتقدم إلا بجهد كفاءاتها الوطنية، وبالعمل والإخلاص والإحساس بالمسؤولية واستثمار الطاقات وتهيئة الفرص اللازمة التي تعينها على الإبداع والابتكار في جميع مؤسسات الدولة.

ورغم وجود الكفاءات البشرية في مؤسساتنا إلا أنّها – وللأسف الشديد – لا تجد من يعتني بها ويأخذ بناصيتها إلى جادة العمل المؤسسي والتي يُمكن أن يكون لها قيمة نوعية في رقي المؤسسة، وتقديم وسائل وأساليب ابتكارية لتحسين جودة العمل وزيادة الإنتاج.

ولو أنّ الأمر يقتصر على عدم الاعتناء بتلك الكفاءات البشرية فحسب لكان الأمر هيناً؛ لكنه يتعدى ذلك لمحاولات مُستميتة لوأدها وتهميشها بل وإزاحتها عن سلم الإبداع، بحيث تصبح أمام خيارات مقلقة فإما الاستسلام لواقع التهميش المؤسسي والرضوخ لإرادة المؤسسة ومسؤوليها – الذين يكونون في الغالب لا يُغلبون مصالح المؤسسة بل مصالحهم الشخصية - وإما البحث عن بيئات عمل أكثر جاذبية ورحابة لاحتضان مواهبها وإبداعاتها وتحقيق تطلعاتها في توظيف طاقاتها لخدمة الوطن.

وقد يقول قائل: لا يُمكن تعميم هذا الواقع على مؤسساتنا، وإن وجدت فيها حالات فردية. لكنني أؤكد ومن خلال تلمسي لهذه القضية من شرائح واسعة من الموظفين وخاصة في المؤسسات الحكومية أننا بحاجة ملحة أكثر من أيّ وقت مضى لتداركها وتشخيص مُسبباتها وردع المخالفين والمسؤولين عن تجذرها في مؤسساتنا.

ولعل من أهم أسباب تفاقم قضية وأد الكفاءات في مؤسساتنا غياب القيادات عن مؤسساتنا وقيام المسؤولين بإدارتها، وكما هو معلوم فإنّ القيادة شيء، والمسؤولية شيء آخر، والسبب الثاني هو عدم إلمام المسؤولين في معظم مؤسساتنا بالجوانب المهارية في الإدارة وعدم الإلمام برؤية وأهداف ورسالة المؤسسة بل وفي كثير من الأحيان تجد أن المؤسسة التي يُديرها مسؤول معين لا يوجد لديها رؤية ولا أهداف واضحة ورسالتها غامضة، وهو الذي يفسر وجود السبب الثالث لوأد الكفاءات من خلال تهميشه لأصحاب الفكر والمعرفة والمهارات الابتكارية والإبداعية والإخلاص في العمل، وتقريبه للأشخاص اللامباليين والذين لا يوجد لديهم سوى تخدير المسؤولين بالكلمات الرنانة والولائم الفارهة، وإشغال المسؤولين بالقيل والقال، وتخليص معاملات المسؤولين الخاصة في عدة جهات حكومية وخاصة.

وأما عن الحلول للتصدي لهذه القضية فإننا بحاجة ملحة لمؤسسة تعنى بصناعة القيادات الواعية والتي توقف هدر الأموال العامة في غير محلها، وتحتضن الكفاءات المنتجة للرقي بمجتمعها، وتسمو بمؤسساتنا إلى المعالي، وأن يتم انتقاء القيادات في مختلف المؤسسات الحكومية بعناية فائقة وتخضع للتقييم والتقويم بشكل مستمر، وأن تُحمَّل مسؤولية الإخفاقات في مؤسساتها، ويكافئ المبدعين منهم من قبل الجهة المختصة بالتقييم والتقويم، وألا يترك للقيادات الحبل على الغارب لمد جذور مصالحهم الشخصية في تلك المؤسسات على حساب المصالح العامة خاصة وإن استمر في موقعه الوظيفي لأكثر من  3 سنوات وخاصة في المديريات والإدارات الحكومية في المحافظات.

وأما عن مظاهر وأد الكفاءات في مؤسساتنا فتأخذ أشكالاً مختلفة فمنها تحريكها في مواقع عمل في نفس المؤسسة لا تتناسب مع خبراتها ومهارات المهنية في العمل الذي يوكل لها، ومنها تعيين أشخاص في وظائف إشرافية لا تتناسب مع معارفهم ومهاراتهم وبالتالي يتسبب في عدم الانسجام والتوافق في تحقيق مصلحة المؤسسة، وشعور الكفاءات بالظلم، وشعور اللامبالي بالتقدير على لامبالاته وعدم إحساسه بأهمية الإنتاج والإبداع في المؤسسة، بل الحصول على مسمى وظيفي بلا جهد يذكر، بالإضافة إلى تجاهل الأفكار والمشاريع الابتكارية التي  تقدمها الكفاءات لمسؤوليها والتي مع تكرارها تتسبب في وأد الأفكار ومصدرها.

ولعل ما تزدحم بها أروقة المحاكم من قضايا القرارات التعسفية والتعيينات غير المنطقية وتجاهل القدرات والمهارات الوظيفية العليا، لبعض الموظفين خير برهان على وجود قضية بحاجة إلى أن نضعها في دائرة الضوء، وأن نحكم السيطرة على العابثين فيها، وأن تتعاضد جميع المؤسسات والجهات المسؤولة في الدولة لتحفيز الطاقات المنتجة وتنمية قدرات أصحاب القدرات البسيطة، وأن يكون استثمارنا لثرواتنا الطبيعية والبشرية خير معين لنا لنسابق الزمن ونواكب الأمم في التقدم العلمي والتكنولوجي من أجل وطن يحيا وينهض بأبنائه ويسعد بإبداعاتهم وإمكانياتهم.

ودمتم ودامت عُمان بخير ،،،

 

Saif5900@gmail.com