الإرهاب الدولي والواقع العربي

 

حميد بن مسلم السعيدي

الإرهاب ليس له دين ولا وطن ولا قومية ولا فئة دون أخرى، إنه فكر متطرف يبتغي قتل الإنسانية ونشر الذعر والخوف بين الآمنين، وما يشهده العالم اليوم من تطرف في الإرهاب والقتل هو نتيجة لعدة عوامل أسهمت في ظهوره وترسخه لدى فئة كبيرة من الناس، والعالم أمام مواجهة جديدة في ارهاب متغير ومتنوع في أشكاله وأنماطه وسلوكه لا يحدد فئة دون أخرى؛ فتارة تجده في الشرق يجدد العهد والولاء للفئة المارقة والخارجة عن القانون والحركات والجماعات الإرهابية التي وجدت بيئة مناسبة لها في بلاد العرب، وتارة تجده يتسلح بأنظمة التفجير المتنوعة ليواجه الغرب بانفجارات انتحارية بين الحينة والأخرى، إذن هناك مواجهة في الشرق أكثر ضراوة وقوة، ومواجهة بالغرب تتميز بالمباغتة والاختيار المواقع للتجمعات البشرية، ولكن ما يجمع هذا الإرهاب أنّ نسبة كبيرة ممن يشارك به من العرب أو من ينتمي إلى أوصلهم حيث يحتلون النسبة العالية في المشاركة إلى جانب الانتماء الديني وتحديدا للإسلام؛ والإسلام بريء منهم، لذا نجد أن التصريحات الغربية دائمًا ما تتحدث عن إرهاب الإسلام.

حيث يشكّل الإرهاب تحديًا أمام المجتمع الدولي نتيجة لما له من تأثيرات متعددة على الأنظمة الأمنية وعلى السياسة الدولية ويؤثر بدرجة كبيرة على الاقتصاد العالمي، ويسهم في زهق الأرواح البريئة وينشر الرعب والخوف في العالم برمته، واليوم الجميع يتملّص من المسؤولية ويلقي اللائمة على الآخرين ويخلي نفسه من الجرم أو علاقته بما يحدث من إرهاب دولي، الذي أصبح ينتشر بكل قارات العالم ويظهر ويختفي وفقا لرؤيته الخاصة به، حيث إنّ له أجندته يحركها كيفما يبغي.

وتختلف الرؤى والتفسيرات النظرية حول أسباب ظهوره وتجدده بصورة متسارعة خاصة في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، حسب الأيديولوجيات الثقافية التي ينتمي إليها المحللون، إلا أنّ ما يمكن قوله أن البيئة العربية والخطاب الديني المتطرف والمنظومة التعليمية والإعلام السياسي والتدخلات السياسية في الأنظمة الداخلية للدولة، وأسقاط الأنظمة الحاكمة بالمنطقة العربية، ودعم الحركات المتطرفة بالأموال والأسلحة والإعلام الموجه، وكبت الحريات، وفتوى الدم والقتل، والتكفير بكافة أشكاله وأنواعه، والصراعات الدينية، والتعصبات المذهبية، والمنشورات المتطرفة والتي تدعوا للقتل، والفتوى الدينية التي تبيح الدماء، والاختلافات في المنهجية الدينية، كلها عوامل يجب أن يعترف الجميع بها، إذا كنا نبتغي الرغبة في الخروج من هذه الفوضى، وكان لها دور في خلق البيئة المنتجة للإرهاب.

لقد أصبحت المنطقة العربية تعاني من الاضطرابات والفوضى في أجزاء كبيرة منها، وتشكل قلب الوطن العربي، وكانت تعتبر منطقة الطوق أو منطقة القوى العربية، فهناك بلاد الشام وبلاد الرافدين والتي تقع بهما أكبر منطقة لبناء الإرهاب الدولي ففيهما تتوفر كل العوامل المناسبة لبناء الفكري والتوغل الذاتي لدى المجموعات المنتمية إليها، مما يسهم في خلق فئة من الإرهابيين الذي لا يوعزون للبشرية أي منطق ولا يهمهم أي شيء إلا تحقيق ما يملئ عليهم الآخرين من أفكار متطرفة، هذا إلى جانب منطقة شمال إفريقيا حيث يظهر الضعف لدى الأنظمة الحاكمة وخاصة في ليبيا التي تعاني من الصراعات الداخلية والمجموعات المتصارعة على الحكم، وهناك في جنوب شبة الجزيرة العربية حيث تعاني اليمن من الحرب التي لم تتوقف بعد، فمن ينظر لهذه الفوضى ليس بحاجة للتفكير في المؤامرة الغربية أو ما يحيكه الغرب من مؤامرات ضد الوطن العربي، فاليوم العرب يتصارعون بأنفسهم في أسقاط أنظمتهم الحاكمة التي كانت سببا في تحقيق الاستقرار في المنطقة العربية، فالربيع العربي لم ينجب إلا الفوضى وهذا ما يمكن قوله بعد مضي خمس سنوات منذ عام 2011م، إلى جانب الصراع الديني نتيجة للاختلافات المذهبية التي مرت عليها قرون عديدة وما زالت أفكارها تؤرق المنطقة بهموم واختلافات لن ترى نور الاتفاق في الأفق القريب، بل على العكس من ذلك أصبحت هذه المشكلة جزءا كبيرا تشغل الإعلام السياسي والديني الذي وجدت ضالته في إشراك الدين بالسياسة.

 وفي هذا المقام لا أود التطرق إلى نجاح التجربة العُمانية في تحقيق التسامح والوئام بين الجميع، ورغبتها في بناء السلام العالمي في المنطقة ونشر منظومة الأمن والاستقرار، ولكن أود الإشارة إلى أن الجميع بحاجة إلى التخلص من الإرهاب الدولي وتبرئة الدين الإسلامي من التهم الدنية التي ألصقت به من الغرب، فالحاجة إلى مراجعة الذات والتفكير في العديد من الأنظمة التعليمية التي بحاجة إلى تغيير أكثر من أي وقت مضى، وبناء مجتمعات مفكرة لا تنظر للاختلافات وإنّما في بناء قدراتها الاقتصادية وتنميتها، إلى جانب الاعتدال والتسامح الديني بين جميع المذاهب الدينية، وبناء منظومة إسلامية لا تعترف إلا بدين واحد هو دين الإسلام، والابتعاد عن كل الخطابات الدينية بل تحريم وتجريم منابرها التي تدعوا للقتل أو الفرقة أو التطرف الديني خاصة التي تنادي بتكفير المخالفين لأفكارها وتفسيراتها.

إنّ بناء المواطنة العالمية كفكر حديث يجب أن يغرس في نفوس النشء، حيث يشعر الفرد بانتمائه للإنسانية يتقاسم معها المسؤولية، ويتعاملون بالقيم الفاضلة التي لا تعترف إلا بالتعامل الإنساني السامي، والذي يشكل فكرا تضامنيا مع الآخرين باختلاف أجناسهم ولغاتهم ودينيهم وأصولهم وألوانهم، فهو لا يعرف إلا وطنا واحدا يتعايش مع الجميع بصورة متساوية حيث لا يرى إلا وجه العالم البريء من كل الظلم والاستعباد فهو انتماء عالمي، متى ما تمكن الأنظمة الوطنية من بنائه في فكر النشء كانت أكثر مقدرة على بناء عقول متفردة برؤية السلام، وترى منظمة اليونسكو للتربية والعلم والثقافة أنّ "التعليم من أجل المواطنة العالمية جذوره من رؤيتها الفريدة للسلام التي تستند بدورها إلى اعتقادها ورغبتها بتحقيق السلام الدائم، وذلك على النحو المذكور في الميثاق التأسيسي لليونسكو الذي جاء فيه: "لما كانت الحروب تولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام"

 

Hm.alsaidi2@gmail.com