دروس مستفادة من "يورو 2016"

 

 

 

حسين الغافري

 

أخيراً، انتهت بطولة اليورو بعد رزنامة مواضيع مهمة زادتها حرارة هذا الصيف، وحرَّكت كثيرًا من الأعين، وجعلتْ العالم يُراقب بهدوءٍ تام كل تفاصيل الرواية. كثيرون هم من وضعوا أياديهم على قلوبهم كي تمرُّ البطولة برداً وسلاماً؛ في ظل أوضاع حرجة تعيشها البلاد من أعمال إرهابية روعّت الآمنين وأقلقت المسالمين. أضف إلى ذلك، ما تكالبت عليه الفترة المصاحبة للبطولة من فيضانات هائلة عطّلت الانسيابية والحركة التقليدية لوسائل النقل وأضرّت بالخدمات العامة، وإضراب عُمال النظافة عن العمل...وآخرها التعصّبات وفوضى الجماهير التي أساءت لشكل البطولة، وكأن آخر ما كان ينقص هذا اليورو العصيب مع هذه الظروف العصيبة هو أعمال الشغب والتي لم توفَّق فيها الحكومة الفرنسية في كيفية ردعها، ورأيناها تكرر في أكثر من مُناسبة خصوصاً في الدور الأول!

وفي كل هذه المعمعة، خرجت فرنسا من البطولة بخفي حُنين؛ فمع الملفات السلبية التي أضرت كما قُلنا للبطولة، حاول الفرنسيون تلطيف الأجواء ونسيان المرارة وصب الماء البارد على قلوب الفرنسيين بلقب يُنسيهم ولو الشيء القليل هذه الأحداث المُتداخلة ويذكرهم بمتعة أيام أجيال فرنسا التاريخية كجيل بلاتيني ومن ثم زيدان، ولكن هيهات! كل هذه المعُّطيات كُتِب عليها أن تصطدم بمطب البرتغال الذين اتسموا بهدوءٍ تام بعيداً عن الكاميرا وليكونوا حصان البطولة الأسود في ظل غياب الترشيحات عنهم؛ ليخطفوا كأس البطولة من المستضيف في مباراة دراماتيكية بكل فصولها، وعرفوا من أين تُؤّكل الكتف!

كم هي كثيرة تلك الدروس التي يُمكن تلخيصها من بطولة كبيرة كاليورو. ولعل أولها رؤيتنا الدائمة لنصف الكأس المملوء لشكل أوروبا وثقافة أوروبا حتى إننا أصبحنا نضرب بهم الأمثال على نضج ثقافتهم وعلو حضارتهم ونسيان الكأس الفارغ الذي أظهر الوجه القبيح للقارة العجوز. المرء يجب أن يتصف بالفطنة ويمسك العصى من مُنتصفها ليقبل في سائر أموره ما يتوافق مع مبادئه وتعاليم دينه وما يقبله عقله الإنساني ويرفض غير ذلك من تعصب رياضي وثقافي وحتى فكري.. لا يكون كالأعمى يحجب عن رؤيته التفكير والتفكر وينقاد بسهولة، وهو أمر عام لا يجب أن نختزله في انجرارنا مع الثقافة الغربية فقط، وإنما دائما وأبداً هو حال المرء الواعي الذي يعي ما يفيده ووطنه ومجتمعه.

أيضاً ما يلفت الانتباه كدرس مُستفاد، أي بطولة كبيرة تستقطب العالم أجمع تحتاج إلى تسخير إمكانيات هائلة واستعداد جيد من كُل النواحي، ولا يجب أن يُتّرك أمرًا واحدًا دون مخططات مدروسة لإدارته داخل الملاعب وخارجها، خصوصاً ونحن على مواعيد كبيرة ستستضيفها دول الخليج -بإذن الله- ككأس أمم آسيا في الإمارات العربية المتحدة عام 2019م، وبعد ذلك الحدث العالمي الكبير باستضافة قطر لكأس العالم 2022م والتي نأمل أن تنال التوفيق والإشادة من كُل الجوانب وتكون من أنجح البطولات تنظيمًا.

الدروس التي يجب أخذها متشعبة ومترابطة؛ فدرس البرتغال وحسن إدارته للقاءات هو أمر آخر فني يستحق أن يحظى باهتمامٍ واسع، وكيف أنَّ المال ليس كل ما يحرك الكرة؛ فمع أيسلندا وويلز بإمكانيات بسيطة تجاوزت كبار القارة وملايينهم. طريق البرتغال لم يكن سهلاً ووردياً والوصول إلى اللقب، ما علينا سوى الالتفات لكل الأحداث وتمحيصها بنظرة فاحصة لتعلم المفيد ونتجنب ما سواه.