علي بن مسعود المعشني
يسعى الغرب بكل جهده اليوم إلى تنويم إيران وكوبا في العسل وأختراقهما عبر دبلوماسية كيدية وعلاقات مُبهمة تسهل اختراق الدولتين من العمق عبر النشاط الدبلوماسي وجحافل المستثمرين والشركات المُتعددة الجنسيات وإغراءاتها .
كما يسعى الغرب إلى ترويض النُظم الجامحة في البرازيل وفنزويلا وبوليفيا والأرجنتين قبل أن تتشكل دول عميقة في القارة الأمريكية تستلهم الكرامة والسيادة والتنمية من تلك النُظم فيُغادر السيد الغربي تلك البقاع إلى غير رجعة، بعد أن بقيت تلك البلاد حديقة خلفية له لعقود خلت، وبعد أن كان "السيد" الغربي يُشعل فتيل حرب أهلية طاحنة في بلد ما في سبيل الحفاظ على مصلحة مستثمر لمزرعة موز على سبيل المثال لا الحصر. لابد أن يتساءل أيّ عاقل عن سبب تمادي هؤلاء في تمزيق الأوطان وإهراق دماء الشعوب والعبث بمقدراتها؟ وإلى متى يتم الصمت العالمي عنهم!؟ أتذكر هنا إجابة صديق على سؤال لسائحة ألمانية طرحت ذات السؤال عن الصراع العربي الصهيوني حيث تعجبت من كثرة العرب ومقدراتهم وقدراتهم مقابل الصهاينة!!؟ قال لها الصديق: المشكلة لا تكمن في العدة والعتاد بل في وسائل الحرب التي اتخذها الصهاينة ضد العرب بل والعالم لترسيخ أقدامهم وسطوتهم ونفوذهم، والتي لا يستطيع مجاراتهم فيها شريف واحد على وجه الأرض، حيث اختاورا أحطَّ وأقذر الأسلحة من دعارة وربا وعُهر وقمار ومخدرات ومراقص لإغواء الشعوب وإغرائها ثم السيطرة عليها وعلى مقدراتها.
فمشكلة العالم الحر اليوم لا تكمن في القوة والغلبة والكثرة بل في وسائل وأساليب من يسمون بالمحافظين الجدد والذين بُنيت عقيدتهم على القتل والدمار والخراب والفساد لتحقيق مبتغاهم والوصول إليه بل وحمايته، وفوق هذا امتلاكهم لدول وقوى عظمى وسيطرتهم على منظمات ومؤسسات دولية تُقرر مصير العالم. من هنا لا زال شرفاء العالم وأحراره في حيرة وعفة عن كيفية مواجهة هذه المخططات الإجرامية والحد من آثارها دون الانغماس في وسائلها وثقافاتها.
الحقيقة أنّ العالم اليوم يتشكل أخلاقيًا وفي غير صالح المحافظين الجدد وإن كان هذا التشكل ببطء إلى حدٍ ما، وهذا ديدن الصراع بين الخير والشر عبر مراحل التاريخ البشري. وبالتالي فما نراه من صحوات ضمير عالمي تجاه قضايا إنسانية خلال العقدين الأخيرين بالتحديد لا يمكن أن تكون عبثيًا أو بمعزل عن حراك إنساني عالمي لإعادة تصويب الأمور والاحتكام للعقل والقيم والقوانين والأعراف الدولية التي ارتضتها الأسرة الدولية والشرعية الدولية كمظلة وسقف ومرجعية تحتكم لها والرفض القاطع لقانون الغاب وقانون القوة والكيل بمكيالين والذي يمارسه الغرب ويدفع به ليجعله بديلًا قسريًا مسلط على رقاب البشر وما الكاتبة والكتاب أعلاه إلا ثمرة من ثمار ذلك التشكل الأخلاقي والضمير العالمي الحر. لهذا يمكننا رؤية بذور ما زرعه هؤلاء المحافظون الجدد تنبت في بيئاتهم وتعود بأضرارها عليهم تدريجيًا بل وحتى الكيان الصهيوني الغاصب أصبح مهددًا في وجوده ومن عمقه بفعل المحاكاة والتقليد البشرية والتي انتقلت إلى مكوناته وتناقضاتها وأصبحت تنذر بتفجره من العمق وفي أية لحظة. فالكيان الصهيوني الغاصب كما هو معروف هو بوصلة ومحور من يُسمون بالمحافظين الجدد لتفتيت الأمة العربية ومؤشر حراكهم نحو العالم من خلال هذا الحاضن المسخ، وبالتالي فأيّ مساس حقيقي به أو اعتلاله يعني نسف حلقة محورية مُهمة للغاية في مخططهم الإستراتيجي للعالم ومبرر لوجودهم ودوام مؤامراتهم. وماخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سوى بداية تشظٍ خطير لأطماع الغرب وسعي المحافظون الجدد وعودة الداء إليهم.
لقد كان العقيد الفقيد معمر القذافي قاب قوسين أو أدنى من توظيف الدينار الذهبي الليبي وتداوله في قارة أفريقيا عام 2015م، كبديل عن الدولار واليورو في كل تعاملات دول القارة، وقام بنك التنمية الآسيوي وبنك تنموي لمجموعة بريكس وهناك مساع لمجموعات لاتينية لإقامة تكتل اقتصادي سياسي يقيها من أعراض الأمم المتحدة ومجلس الأمن والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. هذه المساعي الحثيثة من أحرار العالم لم تكن لتتأتى لولا شعورهم بخطورة تفرجهم على مخططات المحافظين الجدد فيؤكلون تباعًا كما أكل الثور الأبيض، من هنا أتت الجهود الأممية والقارية والإقليمية للخروج من دائرة هيمنة الغرب الاستعماري وأدواته.
يستشعر الغرب الاستعماري دنو أجله اليوم وشيخوخته أكثر من أيّ وقت مضى بفعل صعود التكتلات من حوله لهذا يبذل كل ما في وسعه اليوم لإطالة عمر هيمنته عبر ما يسميه بالثورات المخملية والقوى الناعمة ونشر الفوضى الخلاقة.
قبل اللقاء: يقول الحق تبارك وتعالى "وتلك الأيام نداولها بين النَّاس".
Ali95312606@gmail.com