الأثرياء مواطنون أيضا

 

زينب الغريبية

 

عندما يمر المجتمع بمنعطف، وجب على الجميع التكاتف من أجل عبوره، فاللحمة الوطنيّة غير مقتصرة على فئة معينة دون أخرى، فكل يعمل حسب قدراته وإمكاناته إمّا بالمال أو بالعمل أو بالكلمة، والدعوة للحمة الوطنية جمالها حين تنبع من داخل كل مواطن على اختلاف وضعه، ببث ما يمكنه أن يبثه، لا سيما وأنّه يعيش في هذا الوطن واستفاد من إمكانات الوطن بأي شكل من الأشكال حسب وضعه وحركته، فلا ننتظر الوطن أن يمد يديه ليطلبنا المساعدة ونحن أكلنا وشربنا منه حد الشبع.

تبرع أبو بكر الصديق بجل ماله عندنا احتاج مجتمع المسلمين ذلك، وتبرع عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما- بنصف ماله، لم يُطلَب ذلك منهما، وكانا يتنافسان من منهما يكون الداعم الأكبر في سبيل إنقاذ حال المسلمين ودعم الإسلام وقائده في فترة كانت الدولة الإسلامية في فترة حاجة ونمو وتكوّن، وكان كل فرد يدلي بما يستطيع؛ فمن عنده القوة البدنية كان يتقدم في ساحات الجهاد مقدمًا روحه غير مبالٍ بها، ومن عنده الحكمة يدلي بمشورته، القادر ينتشل المحتاج، والناصر يحتضن المهاجر، ويقدمه على بيته وأهله وأولاده.

هكذا ولدت المواطنة، التطبيق يسبق الحديث، والكل يد واحدة في سبيل الوحدة والتقدم والنمو، ونحن أجيال أتينا من ذلك السلف، إلا أننا مع الوقت بدأنا نفقد هذه القيم شيئًا فشيئًا، يعتقد الغني أنّ المال الذي بيده ملكه وليس ملك الله، هو تعب وشقى عليه فلماذا يهبه للآخرين؟ وهم لم يشعروا بتعبه! هذه هي أدوار الحياة، وهب الله كل إنسان قدرات في مجال معين يميزه عن غيره ليسير في ذلك المجال حسب ما يملك من مهارات وقدرات، ثم عليه دفع حق الله من مهاراته وقدراته حسب ما كسب منها على شكل زكاة وصدقات، ومن حكمة الله أن هذا الحق يُطهِّر المال والبدن، بل ويربي المال، ويحقق الصحة ويطوِّل العمر، إذن الأمر ليس كما يعتقد بعض الأثرياء.

نحن نمرّ بأزمة - جعلها الله عابرة سريعة - حينما يتم الحديث فيها عن الوطنية، والمسؤولية المجتمعية لمواجهة هذه الأزمة يوجه الكلام نحو المواطن البسيط الذي لا يملك من المال سوى الراتب الشهري الذي يتقاضاه مقابل عمله في عمل مؤسسة حكومية أو خاصة، فعليه أن يكون وطنيا بتقبله زيادة الضرائب عليه وارتفاع القيمة المدفوعة للخدمات والمعاملات الدورية، وارتفاع مستوى الحياة والسلع، وفي المقابل الرضا بتخفيض ما يتقاضاه من راتب!! فأين يذهب المسكين؟! وماذا يصنع؟!

في حين عندما مرّ الوطن بأزمات طبيعيّة وقف هؤلاء المواطنون لحمة واحدة، وقدم كل منهم ما يستطيع تقديمه، حسب قدراته المالية والجسدية، حتى تنظيف الشواطئ والشوارع قاموا به، كانوا يدا بيد مع الحكومة التي لم تدخر جهدا إلا وقدمته في تلك الأزمات، ولكن تبقى العديد من علامات الاستفهام بعد عبارة أين دور الشركات الكبيرة وأصحاب الأموال؟؟ ألم يكن لهم النصيب الأكبر من دعم الحكومة زمن الرخاء؟ ألم يستخدموا جميع الخدمات العامة مثلهم مثل المواطنين البسطاء في الدولة؟ أم أن أضعف الإيمان أن يعزفوا على أوتار (المسؤولية الاجتماعية) و (التعمين) التي ألزمتهم الحكومة بها وتقدم بشكل دعائي لهم بأقل ما يمكن ذكره.

كيف لو تكاتف أصحاب الأموال وكبار الشركات، مع المواطن البسيط، كل حسب مقدرته، فالمواطن يدفع السهم الأبسط والقسم الأقل من الضريبة مقابل عطائه بشكل آخر يستطيع تقديمه من خطة التقشف والمساهمة فيها، والأكثر مالا يدفع القسم الأكبر، كل حسب مقدرته وكأنها نسبة، لا أقصد أن دفع فاتورة الأزمة مسؤولية جماعة معينة، ولكن هي تكاتف كل حسب مقدرته دون أن يحدث ضرر لأحد، كما أنّ الحفاظ على الوضع الاقتصادي المتوازن يدفع بعجلة سير الشركات ومنتجاتها نحو الأمام، فركود الوضع الاقتصادي وصعوبة الحياة المادية في المجتمع تضر الشركات وأصحاب المشاريع الكبيرة بالدرجة الأولى. فانخفاض الحركة الشرائية ونقص تداول الأوراق المالية يضر بها قبل المواطن البسيط نفسه.

عندما تعلن الوحدة، ويتم تصنيف المواطنين من منهم الوطني ومن منهم غير الوطني، علينا الأخذ في الاعتبار جميع المواطنين على اختلاف مستوياتهم المعيشية، وقبل أن يُحمَّل الكاتب الذي ينقد واقعا بعدم الوطنية مسؤولية إحداث ربكة وهو يقصد تسليط الضوء على مكامن بيت القصيد، التي قد نبدأ منها نحو بناء قصيدة اللحمة الوطنية الصحيحة والمتوازنة، على الجميع الأخذ بالأسباب من المنبع، وتتبع الروافد التي ستصب في البحر ومنها ما سينفد إلى باطن الأرض ليخزن كمياه جوفية قبل بلوغه البحر، هنا علينا تقصي ما تخزن منه في الأرض وما تبخر منه أثناء جريانه، وما وصل منه، ومن استفاد من البحر الذي صب فيه.

هنا تحدد حجم المسؤولية لكل فرد حسب حجم استفادته من الماء في كل مراحل دورته الطبيعية، وإن حجم عطائه سوف يحدث التوازن في الطبيعة، فالأشجار في عملية النتح بقدر ما تأخذ ثاني أكسيد الكربون تنفث الأكسجين، وفي المقابل الإنسان يلتقط هذا الأكسجين بنفس القدر يخرجه ثاني أكسيد الكربون، عملية تبادلية لإحداث التوازن في الحياة، وهذا هو ما يمنح الحياة الديمومة والنمو، ولو سار الإنسان على نهج الطبيعة فإنّ الحياة ستستمر وتمضي في أفضل حال.