المعتصم البوسعيدي
ينسلُّ من ظُلمةِ المجهول مصير غيبي لكل رياضي يرى في كرة القدم نجمته المتلألئة في سماء اللعبة الشعبية الأولى في العالم؛ فيرتمي على أحضانها ويفترش أرضها، وقد تبادله الشعور وتنثرُ في دروبه الزهور، وإن كان في الورد شوك فذلك خلق الله للإنسان؛ فلا فرح دائم ولا حزن أبدي.
"هبطت لأرض الموت".. عبارة وصلتني بمناسبة مولودة أشرقت على هذه الدنيا قبل يومين، استوقفتني كثيرًا حتى إنني تأمَّلتها مرارًا وتكرارا، فكان قلمي يخط عنوان المقال بذات العبارة حين رأيت مشاهد نجوم هبطوا للعشب الأخضر الذي قرر -برضاهم أو مُكرهًا أخاكَ لا بطل- على كتابة نقطة النهاية عند نهاية السطر الأخير.
بطولتان اشعلتا صيف هذا العام، بطولة كوبا أمريكا المئوية وبطولة أمم أوروبا المستمرة حاليًا بفرنسا، الأولى كان "موتها" صائبًا بسهام ضربت السامبا بعد كارثة الهبوط الحاد للذهب البرازيلي منذ مونديال 2014م، تلاه "كابوس" دونجا، قبل أن يزحف "موتها" نحو بطل غير متوج أسقطته "الضربة الرابعة" مع منتخب بلاده نتيجة صدمة النهاية المأساوية؛ فكان أن صدم ميسي العالم بقرار اعتزاله الدولي؛ الأمر الذي تحول أشبه ما يكون بمرض معدٍ لبقية لاعبي التانجو كاجويرو وهيغواين ومسكيرانو الذين لوحوا بالاعتزال أيضًا، خبر غطى على التتويج المستحق لتشيلي التي كرست تفوقها على الأمريكتين هذه المرة، أما أوروبا فحدث ولا حرج عن هبوط أذاق بأصحابه الهوان وأشرع رياح الرحيل لسفن عديدة تاهت وسط عواصف بلاد النور.
"أمم أوروبا" حظيتْ بمفاجآت غير متوقعة، وأسقطت حتى الآن حامل اللقب ومنتخب الأسود الثلاثة وبعثرت أوراق النجوم ووضعت حدًّا لمسيرتهم الحافلة بعدما لبثو أمدا، والبداية كانت مع "السلطان" إبراهيموفيتش الذي أعلن اعتزاله الدولي وخرج خالي الوفاض من الدور الأول حتى دون تسجيله هدف شرفي واحد، أضف لمجموعة النجوم الآخرين سواءً من أظهرَ جديًا رغبته بالاعتزال كالفتى الذهبي روني، والقديس كاسياس، أو من هو في قائمة الانتظار ومن المتوقع اعتزالهم من مثل الظهير الأيسر للمنتخب الفرنسي إيفرا والعملاق الإيطالي بوفون هذا الذي عَمرَ طويلاً في أرض الكرة العالمية بقوة الإرادة والجهد الجهيد، لكنما ذاك الهبوط المقترن بأرض الموت كما ذكرنا!
تلك أرض كرة القدم تشهد كل يوم ميلاد نجم وأفول آخر، حياة تتعاقب في دورانها كأي حياة لها بداية ونهاية، فقط علينا مزاحمة الصدارة ووضع بصمة لها أثر، كما علينا تكريم المبدعين الذين يقدموا خدماتهم الجليلة لكل شعار يحملوا هم رفعته وسؤدده، ولا شك أنَّنا نرى كيف نحن مقصرين في هذا الجانب، فقد مات أسطورة كرة القدم العمانية غلام خميس وهو يحلم بمباراة أعتزاله، وكذا أبناؤه مستمرون في الحلم المنسي، قاسية أرض الموت التي نهبطها ثم نرحل وحُلمنا "كدقيق فوق شوك نثروه، ثم قالوا لحفاة يوم ريح: أجمعوه"!