رمضان.. إنتاج لا خمول

علي بن بدر البوسعيدي

ولأنّه شهر الصيام والنفحات الإيمانية فإنّ الله يكرّم عباده وطالبي كرمه ورزقه في رمضان من حيث لا يحتسبون.. هكذا كان لسان حال عدد من الشباب العاطلين عن العمل في قطاع غزة بفلسطين، حيث عمد هؤلاء الشباب إلى امتهان بعض المهن الموسمية المتعلقة بشهر رمضان، من أجل تحقيق عائد مادي لإعالة أنفسهم وذويهم، وإيجاد كسوة العيد لأطفالهم في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ سنوات.. لذلك لم تأنف أنفسهم من إيجاد الرزق الحلال من خلال بيع مستلزمات الشهر الفضيل من حلويات كالقطايف أو خضراوات، وعصائر وملابس وغيرها من المستلزمات الرمضانية.

وتدور هذه الأيام أخبار طريفة في وسائل الإعلام عن إسماعيل المسحراتي، والذي ينتظر شهر رمضان كل عام بفارغ الصبر، ليحقق أكبر عائد مادي يستطيع من خلاله إعالة أسرته؛ حيث يعمل الحافي في نهار رمضان بائعًا للمخللات لا سيّما أنها أطعمة مطلوبة بكثرة خلال شهر رمضان، وعند الفجر يكون هو ومعه ثلاثة من زملائه خريجي الجامعات العاطلين عن العمل المسحراتية الذين يتكفلون بإيقاظ النّاس قبل صلاة الفجر للسحور؛ وفي مقابل ذلك يحصلون على "عيدية" قبل العيد..

ولأن الشيء بالشيء يذكر نلاحظ أنّ وتيرة العمل خلال شهر رمضان الفضيل تخف وتبطئ وتكاد تتوقف عجلة الإنتاج عن المسير في كل القطاعات، وكأن رمضان هو الإجازة السنويّة لكل الناس؛ حيث لا حراك ولا أي نشاط يبعث على الحيويّة والغبطة.. أتمنى أن يغيّر الناس مفهومهم ورؤيتهم لفضيلة العمل خلال رمضان، فليس هناك ما يستدعي كل هذا الخمول والخوف، لاسيّما وأنّه برغم حرارة الأجواء إلا أنّ تقنيات العصر وأجهزة التبريد جعلت الأجواء والمكاتب والبيوت مهيأة للراحة وعدم الشعور بأي منغصات طقس أو ظمأ.. يجب أن نعي تمامًا أن معاناة الصيام ورهقه لها أجر عظيم وهي جزء من حكمة تشريع الصوم وتذكير للمسلم بأخيه الفقير الجائع الذي لا يجد ما يسد به رمقه.

وسأغتنم هذه السانحة الرمضانية أيضًا لأشجع أبناءنا الصغار على صوم بعض الأيام في رمضان أو على الأقل بعض سويعات في اليوم حتى يتدربوا على الصيام والتعود عليه، كما ألفت النظر إلى ضرورة المواظبة على صلاة التراويح بوصفها سنة حسنة وعبادة نافلة تقربنا إلى المولى القدير، وتكون مرة في السنة وفي شهر من أجل شهور الله، وورد في الأثر أن لله خواصا في الأمكنة والأزمنة والأشخاص، ورمضان من خواص الأزمنة ففيه أنزل القرآن وفيه ليلة القدر وهي خير من ألف شهر.

أناشد أيضًا الأسر أن تتقي الله ولا تسرف ولا تبذر في شهر الخيرات فإنّ المبذرين كانوا إخوان الشياطين، وأقول إنّ الطعام نعمة توجب مقابلتها بالحمد والشكر والحفاظ عليها والاقتصاد فيها، وأن يكون الطبخ على قدر الحاجة وأن نحرص على ألا يكون مصير هذه النعمة في آخر الليل القمامة..

اللهم أقبل منّا صيامنا وقيامنا ووسع ببركة هذا الشهر الفضيل أرزاقنا.