الطاروف

سالم الكثيري

كنتُ قد قرأتُ قبل عاميْن أو أكثر رواية "ساق البامبوا" للكاتب الكويتي الشاب سعود السنعوسي وهي الرواية الفائزة بجائزة البوكر العالمية للعام 2013م. وحاولت أن أدون قراءتي للرواية إلا أنني لم أخرج إلا بتعليق لا يتعدى الملاحظات العامة فأنحته جانبا عن النشر. ومع ظهور الرواية كمسلسل درامي هذه الأيام وددت استعادة هذه المشاركة والتي لا ترقى بأي حال من الأحوال إلى النقد الأدبي للرواية أو للمسلسل المأخوذ عنها والذي ما من شك أنه سينال نصيبه من النقاد والكتاب المختصين، إنما هو مقال عابر.

تتحدث الرواية على لسان بطلها "هوزيه" أو "عيسى" عن الكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية في الكويت ودول الخليج مع التركيز على قضية "خادمات المنازل".

وتدور أحداثها حول شاب كويتي من عائلة ذات مكانة اجتماعية ومالية رفيعة تعترض أمه بعد وفاة والده على زواجه من زميلته في الجامعة بحجة أن عراقة عائلة الطاروف بالزواج من تلك الفتاة، وتقترح الأم على الابن "راشد" الزواج بفتاة من عائلة أخرى ذات شأن. يرفض الشاب هذا الأمر، مُؤجِّلا مسألة الزواج ويعتكف على القراءة والكتابة.

تستجلب العائلة خادمة فلبينية "جوازافين" والتي تصل الليل بالنهار ما بين المطبخ وغرف البيت وممراتها، حيث يعاملها نساء العائلة "الأم، وبناتها الثلاثة" كالآلة، متناسيات إنسانيتها وأنها في نهاية الأمر بشر لديها مشاعر وأحاسيس وتحتاج إلى الراحة، في إشارة من الكاتب إلى ما يكاد ينطبق على معظم الخدم في الوطن العربي والخليج بالذات، يعامل راشد الخادمة بلطف واحترام لتنشأ بينهما مع الأيام علاقة حب فيعقد عليها سرا بشهادة زملييه "غسان" الذي يظهر لنا من خلال الرواية أنه "بدون" "وحمد" الذي راح ضحية المجموعة الإرهابية التي احتجزت الطائرة الكويتية في بانكوك.

تعلم الأم بهذا الزواج، فيسقط الأمر في يدها وتضع ابنها الوحيد الذي يعتبر الأمل الأخير لامتداد ذرية عائلة "الطاروف"، بين خيارين؛ إما مغادرة البيت مع الخادمة أو الانفصال عنها، وفي قرار جريء من راشد وغير متوقع من الأم، يختار الخروج والتمسك بزوجته.

يستأجر راشد شقة صغيرة في حي الجابرية ويرزق من "جوازفين" الخادمه بـ"عيسى" وهو اسم والده، عاقدا آماله بأن تتنازل والدته عن كبريائها وترضى بالأمر الواقع عندما ترى حفيدها، إلا أن محاولاته لم تصمد أمام تعنت الأم، خاصة بعد أن أتت ملامح "عيسى" الصغير فلبينية بامتياز.

وحين ضاقت عليه الكويت، يضطر راشد لأن يُرحِّل زوجته الخادمة وابنه إلى "مانيلا" قاطعا وعدا بإرجاعهما في أقرب فرصة، إلا أن اتصالاته تنقطع بعد عام؛ حيث بدأ الاحتلال العراقي للكويت ليختفي هو وتختفي معه التحويلة الشهرية بالدينار الكويتي، والتي تتعيش منها كل عائلة جوازافين، ولا تقتصر عليها وابنها فحسب. ليبدأ فصل آخر من المعاناة تذوق معه جوازافين الأم الأمرين، فكيف ستعيل ابنها دون مال؟ وهل تخلى عنها راشد مخلفا وعده.

ينشأ "عيسى" الكويتي أو "هوزيه" الفلبيني في إحدى قرى مانيلا بين "سيقان البامبو" أي أشجار الخيزران، إلى أن يصل إلى السادسة عشرة مُتعلقا بالعبارة التي طالما كررتها عليه أمه بأنه سيرجع يوما من الأيام إلى "الجنة" بحسب وصفها، بلد أبيه ويعيش في رفاهية ورخاء وسيصبح مسلما.

وهكذا...بعد كل هذه الأعوام يأتي اتصال من الكويت، ويكون المتصل هو غسان صديق راشد الذي أخذ بوصيته بإرجاع ابنه عيسى إلى وطنه في حال لم يتمكن هو من ذلك.

يعود عيسى إلى الكويت ليسكن مع غسان في شقته لمدة شهرين قبل أن تقرر العائلة إسكانه في غرفة خارجية بجوار الخدم؛ وذلك بعد محاولات غسان وإلحاح من خولة الأخت غير الشقيقة لعيسى من أم كويتية هذه المرة والتي كان قد تزوجها والده قبل اختفائه بأشهر فيما لم تستطع عمته هند الطاروف والتي تعمل في إحدى منظمات حقوق الإنسان وتتبنى قضية البدون خاصة بعد رفض أمها القاطع زواجها من غسان "البدون". لم تستطع أو حتى تسعى لإثبات أحقية عيسى بالعيش في بيت أبيه، بل على العكس كان الأمر يشكل لها بعض الحرج كي لا تهتز سمعتها الانتخابية أثناء ترشحها لمجلس الأمة!

وهكذا مثلما ضاقت على والده، لم يجد عيسى في الكويت أكثر من سجن كبير ونظرات ازدراء ولم يجد بُدًّا من العودة الأخيرة إلى الفلبين والتي سيعتبرها موطنه الأبدي.

من خلال أحداث الرواية نفهم أن "الطاروف" هو شباك صيد تعلق فيه الهوامير والحيتان الكبيرة بينما تنسل وتفلت الأسماك الصغيرة من فتحاته بأريحة تامة ودونما عناء يذكر ولا تقع في المصيدة وهنا يرمز الكاتب إلى التعقيدات التي تحيط بها بعض العوائل نفسها لتشكل مع الأيام عراقيل ومصاعب لا تنتهي يضيق معها البيت الواسع ويفقد المال قيمته كعامل راحة واستقرار ويعيش أفراد الأسرة في تناقضات وضغوطات إجتماعية ونفسية يتمنى معها أبناء عوائل الجاه والمال أن يصبحوا من الأسر المتواضعة التي تعيش حياتها اليومية ببساطة وعفوية تجلب لها السعادة وراحة البال بعيدا عن التكبيل بحبال الشكليات القاتلة للروح وجمال الحياة.

تعليق عبر الفيس بوك