أكد في حديث لـ"شرفات المجالس" أنّ "البرلمانية العمانية" تعيش تناغمًا حقيقيًا مع النهضة
- ما تبقى من ترسيم الحدود في الطريق إلى الحل
مسقط - العمانية
أكّد معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية أنّ السياسة العمانية تتسم بالحكمة؛ لأن من يهندس حركة نموها وتطورها هو حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - موضحا معاليه أنّ المجتمع الدولي المتمثل في قياداته يذكر بكل صدق صواب مسارات السياسة العمانية، وفعلها الرشيد في التعاطي مع الأحداث الدولية المختلفة إقليميا وعربيا ودوليا .
وقال معاليه في حديث لـ مجلة "شرفات المجلس" الصادرة عن مجلس الدولة إنّه كثيرا ما يشيد هذا المجتمع بموضوعية الموقف العماني، في الوقت نفسه يشيد بمستوى التطور الذي تكسبه المسيرة الشورية في السلطنة وتدرجها المستمر .
وتحدث معاليه عن البعد السياسي للسلطنة وقال: عمان دائمًا كما يعبر عن ذلك جلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه - بلد سلام، وهذا المبدأ الأصيل هو ما يتوافق مع الحياة؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى هو السلام، وما دام الله سبحانه وتعالى خلق الكون، وخلق البشر، وفرض عليهم السلام فيما بينهم فلا يتأتى أنّ من يؤمن بهذا أن يجمد هذا المبدأ، ويعمل عكسه. فمفهوم السلام مفهوم أصيل في الدين وفي السياسة العمانية، ومهمة الدبلوماسية العمانية هي التعبير عن الوجه السياسي للسلطنة، وأن تعمل من أجل زيادة الأصدقاء، وتقليل الأعداء إلى أقل درجة ممكنة، وهذا هو النهج، كل واحد له رأي، وكل واحد له هواجس، وكل واحد له مبررات، قد تكون مبررات عند طرف مبررات حقيقية واستوجبت فعلا ما، ولا تكون بالضرورة هي المبررات لطرف آخر، وهذه هي الحياة أيضًا كما جاء في نص أنّها "تدافع"، فهذا من باب التدافع إنّما المآل في النهاية هو أن يؤدي هذا التدافع إلى حال من اليسر، فقد قالوا في ثقافة المسلمين بعد كل عسر يسران، أولا يسر ثم عسر، ثم يسر، ومفهوم اليسر هو إحلال السلام، وردا على سؤال حول إنجازات السياسة العمانية، وامتلاكها عناصر القوة الناعمة، كما تُسمى حيث رعت السلطنة مؤتمر أسبوع الوئام، وأيضًا حوار الحضارات ومشروع السلام والتسامح وغيرها من المناخات الآمنة في هذا الاتجاه، فقد أوضح معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية أنّ هذا هو المفهوم الفلسفي من منظور النهضة التي أسسها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - في أنّها تحوي هذه المناشط، وكلها تلتقي في بوتقة واحدة فباقة الزهور لا تحلو وتتجمل إلا إذا تنوعت ألوانها وهذه الباقة كل زهرة فيها أجمل ولها رائحة زكية، وهكذا، وعند مقاربة هذه الصورة مع الحياة هنا نجد أنّ كل واحد ينشد الحياة المستقرة، وهذه هي أوعية الحياة المستقرة، وليس فيها خروج عن حقيقة الحياة، وآيات القرآن العظيم شددت على العفو، (.. وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا، فإن الله غفور رحيم) فرب العالمين في علاه يقول هذا الكلام، ويقول أيضا: (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) مع أنه أعطى للإنسان الفرصة لأن يحصل على حقه من الآخر، ولكنه حثّ على الصبر والعفو والصفح؛ وهي كلها من العناصر التي هي من مكارم الأخلاق إذ ليست مكارم الأخلاق أن تختلف مع طرف في الاختلاف، مع أن الاختلاف وارد، ومن الأخلاق أن تتسامح، ثم إنّ الاختلاف يكون من أجل ماذا؟ إذا كان من أجل الأخلاق نفسها لسائر الأخلاق، فمثلا يسيء إلى الأخلاق، وفلان يختلف معه في هذا، فهذه من الأشياء المشروعة، أمّا إن كان الاختلاف منأاجل مصلحة مادية أو دنيوية، فالأولى ألا تختلف، صحيح أنّ الاختلاف يظل آنيا، ويختفي باختفاء الزمن نفسه.
وقال معاليه: حينما ننظر إلى السياسة العمانية وهي فلسفة عميقة في الحقيقة، وفي عالم الأحداث المتسارعة يصعب إدراكها، والإنسان بطبيعته، ولا أقول بفطرته، يستهويه الحدث الذي به الإثارة، - وإن تذكرت الحرائق من حولنا، وهي الحروب من حولنا - أستطيع أن أقول بجزم إنّ الأغلبية المطلقة من الناس ومن الشعوب في هذه المنطقة، تتمنى لو أنّ هذه الحرائق انطفأت منذ الأمس، لأنّ محصلة كل ما نسمع ونرى ونشاهد ونقرأ كلها فيها مآسٍ، كذا قتل هنا، وكذا جرح هنا، وكذا دمار هنا.
وردا على سؤال حول أنّ التجربة الإنسانية الطويلة غير كافية للحد من إشعال هذه الحرائق وإقامة هذه الحروب، أجاب معالي يوسف بن علوي بن عبدالله أنّ هذا السعي موجود والدنيا لا تخلو من أهل الحكمة، وأهل الدراية وأهل العمل الصالح، وهناك جهد يبذل في هذا الجانب، ولكلّ شيء نهاية، ولكل شيء قدر، والحياة هذه في فلكها تدور، وكما تحدثنا لولا تدافع الناس لفسدت الأرض، فهذا يأتي في إطار التدافع، والتدافع في النهاية يجر الناس لأّن تتعب وتمل، وتأسف وتندم على ما فات، وبالتالي يأتي ما هو مطلوب، لكن بعد "خراب البصرة " كما يقال، ودور السلطنة في هذا هو التقريب، بين المتحاورين أو بين المتنازعين، أو بين المتخاصمين، وهذا يأخذ جهدًا وخاصة معنا نحن العرب، فلا زلنا نعيش الحياة القبلية، مع أننا جزء من هذا العالم المتطور، فنحن متطورون فيما يتعلق بامتلاكنا واستخدامنا للتكنولوجيا، ولكن ما زالت ثقافتنا ثقافة القبيلة والحياة البدوية.
وأضاف معاليه في هذا الصدد أنّ ظاهر الأمر تشاهدون أنّ هناك حروبًا ونقاشًا وتخاصما، وكل واحد يرغب أن يستخدم ما لديه من قوة، أولا للدفاع عن نفسه، ثانيا: لهزيمة الآخر، وعمان والحمد لله بفضل نظرة صاحب الجلالة السلطان المعظم واستشرافه البعيد للمستقبل محت وسدت جميع الذرائع، التي يمكن أن تكون وسيلة أو حالة تؤدي إلى صراع مع الناس، مع الجيران، ومع الأصدقاء.
وحول ترسيم الحدود في وقت مبكر قال معاليه إنّ ترسيم الحدود كلها البرية والبحرية، وما بقي فيها وما بقي منها فهي في الطريق إلى الحل لكن على نفس النظرية لأنّها من المرتكزات الأساسية للبناء، وهو أن يكون جوارك مريحا وراضيا ومريحا لك، وأنت مريح له، إذا كان الجوار غير مريح لا تستطيع أن تفعل شيئا، هذه من الحقائق التي استشرفها صاحب الجلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه - في وقت مبكر جدا، واستطيع أن اقول إنّ هذا الاستشراف الذي أدركه جلالته هو الذي هندس هذه السياسة.
وأشار معاليه إلى أنه إذا كان جوارك مريحًا، فأنت في مأمن وتستطيع أن تتطور. وما نعمله نحن أن يكون جوارنا مريحا، وطبعا الجوار أنت لست المالك الوحيد لهذا الجوار، كما يقال، ولا تستطيع أن تنقل جوارك إلى مكان آخر، وهذا جوار بشري إنساني، وجغرافي، لا يمكن أن تغيره، لكن إذا لم تستطع أن تقنع جارك فإنه من الأولى والأصلح أن يعمل في إطار تفاهمات، فعلى الأقل تمسك بمبدأ التفاهم وبالنتيجة المعولة على عامة الناس، فالحكومات مختلفة فيما بينها، والاختلاف من سنة الحياة، لكن العلاقة بين الإنسان والآخر علاقة البشر مع بعضهم البعض، حتى إن كانت في حدود، إذا تساوت وأصبح بينها كثير من الثقة كان ذلك وسيلة من الوسائل لإقناع من هم في يدهم القرار، في أن يكون هذا الجوار جوارًا مريحا.
وتحدّث معاليه عن "البرلمانية العمانية" التي تعيش تناغما حقيقيا مع النهضة؛ ومع امتداد التجربة الإنسانية الحياة لم تعش على نوع من التكافؤ أو التوازن، وكان لا بد من وجود حاكم أو ضابط لهذه المسألة؛ وقال معاليه هذا صحيح، الآن الحاكم الضابط في هذا الزمن له حدود، وهذه الحدود نتيجة لوجود تدافع وهو أمر وارد، لا يمكن أن تكون الحياة خالية من التدافع، ولذلك حتى في فلسفة الغرب لا يرون أن العالم يمكن أن يعيش بدون حروب، لا بد أن يكون فيه شيء من هذا، الحاكم هنا طبعا أن المجتمع الدولي أنشأ قوانين واتفاقيات دولية ومنظمات دولية، وهذه هي المفترض أن يكون عليها إجماع، وهو ما يعرف بـ "الحوكمة"، وهي الضابط لكل هذه الأشياء، فالأمم المتحدة ليست لديها جيوش، ولكن لديها قانون يربط كل الحكومات التي عندها جيوش بهذا القانون، فعلى سبيل المثال؛ لا تستطيع دولة أن تغزو دولة ويكون لغزوها مبررات إلا إذا حصلت على قرار من الأمم المتحدة، وإذا لم تحصل على قرار فهي معتدية.
وحول تقييم معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية فيما يخص التجربة البرلمانية في عمان ودورها الكبير في تأسيس التنمية السياسية لدى المواطن العماني خاصة وأنّها تقطع الآن 25 سنة من مسيرتها المتدرجة قال معاليه اعتقد تقييمنا أنه في كل زمن نجد أنها تترسخ أكثر وهي تتناغم مع مبادئ النهضة، تناغما حقيقيا وليس تناغما اصطناعيا لأّن التجربة العمانية عبر نظام الشورى في عمان نابعة من بيئة عمان وحتى النظام القبلي في عمان في مراحل كثيرة من مراحل التاريخ العماني العميق كان يستند على الشورى، ولا يولي الشيخ وما يسمى بشيخ التميمة إلا بتشاور بقية أطراف القبيلة، ولا يعطى هذا المنصب وهذا المكان إلا من يتمتع بمواصفات، وخير دليل على هذا في عمان هو التحالف القبلي في عمان بين تحالف "الهناوي" و"الغافري"، وهذا التحالف ينظر إليه البعض من الناس بمنظور غير طيب؛ حيث لم ينظروا إليه بعمق، وعندما تخضع هذه الصورة للدراسة البحثية لدى المتخصصين، سوف يجدون أنّ هذه الصورة من وسائل بسط الاستقرار، لأنّها تحكمها قواعد، ويحكمها توازن أيضًا، وهذا يحافظ على الاستقرار في مراحل مختلفة، صحيح أنّ هناك تدافعًا هنا أو هناك، ولكن هذا التحالف أوجد قاعدة استقرار بين الناس وأوجد أيضا قاعدة الاحترام، كذلك كانت في عمان مدارس فقهية متعددة، أيضًا كانت نتيجة لهذا التحالف.