"صناعة الوعي"

إيمان الحريبية

إذا ما عرّفنا الوعي بأنّه "الحفظ والتقدير وسلامة الإدراك" ويأتي ذلك بفعل تراكمي ينشأ عبر حياة الإنسان؛ فيُفسر الظواهر والأحداث والتاريخ، فيفهم ويقدر وحتى يُبنى هذا الوعي على أسس صحيحة؛ فإنّه من واجب الأفراد والجماعات أن يعملوا على إمداد الوعي الجماعي بما يملكونه من إمكانات ومواهب؛ إذ أنّ صناعة الوعي لا تتأتى إلا بالاستفادة الكاملة من جميع الطاقات والكفاءات، والبحث عنها واستثمارها في جذب الناس إلى الفكر الأصيل والثقافة الواعية والكتاب الهادف والمعلم الأمين، من هنا يبرز دور الرجوع إلى أصولنا وتاريخنا وشخصياته التاريخية المؤثرة؛ كي نعود معها إلى النبع الصافي، والمنهل الخالد؛ لإمدادنا بكل مقومات النهوض والرفع من مستوى وعينا الأصيل.

إنّ تعزيز الوعي وأخص الوعي الجمعي نحو مفاهيم وقيم مهمة مثل الإيجابية والإنتاجية، وتقدير الموجود والثناء على الجهود أمر مهم في الغاية؛ حتى لا تكون هناك استجابة غير عقلانية للعقل؛ لما يدور من حوله بدون إدراك الواقع خلف ذلك الإدراك الذي اكتسبه لمجرد رأي عام، وتأثر معيّن بشخص أو مجموعة مثل ما عبّر عن ذلك جوستاف لوبون أحد مؤسسي علم النفس الاجتماعي. وهنا يلعب المثقفون الواعون دورا كبيرا في التأثير على هذا الوعي وخاصة على البسطاء وعلى هؤلاء المثقفين أن يعوا مسؤوليّتهم وألا يتركوا المجال لتفعيل ذلك "الجهل المفعّل" من أولئك الذين لا يعون تأثر المجتمع بما يقدمون من آراء غير مسؤولة؛ فتضلل الوعي الجمعي للبسطاء، وتخلق الأوهام لديهم، وتقيد الفعل عندهم؛ فبدلا من أن تصله بشكل إيجابي تأخذ منحنى يترتب عليه شعور سلبي أو ترسيخ فكر خاطئ؛ فالمثقف صوت الأمة ولسان شعبها، والعين التي يرى من خلالها المجتمع ما يحدث في العالم من مجريات وأخطار؛ بكافة أشكالها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وهو أحد الترسانات المنيعة التي يمكن من خلالها التصدي للعولمة التي تريد التهام هوية الشباب وعقولهم، ولهذا يمكن اعتبار المثقف جنديا يقف على ثغرة هامة في بنيان مجتمعه، حين يبصّر ويحلّل ويوضّح الحقائق وينبّه إلى المخاطر، ومتى ما كانت هذه الثغرة محصنة بالوعي والإخلاص، سيبقى المجتمع آمنا من أي متسلل أو طامع، فلا نحتاج أصوات تشتت تفكير المجتمع بل نحتاج في هكذا مرحلة تتطلب الهدوء والتفكير العميق وبث روح الأمل والعمل والطمأنينة، لا غير من يفهم أهمية المرحلة، ويعي الظروف، ويكون في اتجاه واحد مع أهداف التنمية، وأن يسهموا في شحذ الهمم للاستفادة من المعطيات لتحقيق الغايات، فالدقم وما نالها من اهتمام وما هي عليه من تنامٍ اقتصادي يجب أن يعيه المجتمع، ويعرف ما هو مقبل عليه من فرص تتطلب الإعداد التعليمي والمهني، والثقافي والاقتصادي؛ للشراكة الحقيقية مع هكذا مشاريع وأخرى غيرها قائمة، وتلك القادمة بسواعد وجهود المخلصين من أبناء هذا البلد الذي يحب كل أبنائه.

تعليق عبر الفيس بوك