التميّز في التنوع

عبدالله خميس

أعلنت دار الأوبرا السلطانية مسقط مؤخرا برنامج عروضها للموسم الجديد 2016/2017، والذي جاء تحت شعار "التميز في التنوع"، وهو موسم سيبتدئ متأخرا بعض الشيء؛ بتاريخ 29 سبتمبر القادم، ويبدو أنّ تأخره مرتبط بإجازة عيد الأضحى التي ستحل في منتصف شهر سبتمبر. البداية ستكون مع أوبرا (روميو وجولييت) للمؤلف الموسيقي تشارلز جونو، أما نهاية الموسم فستكون مع عرض لفرقة كركللا يحمل عنوان (الإبحار عبر الزمن)، وذلك بتاريخ 19 مايو 2017. بين البداية والنهاية ستشهد خشبة مسرح الدار وكذلك باحة الميدان الواقعة عند المدخل الغربي لمبنى الدار حوالي 40 عرضا متنوعا بين المجاني ومدفوع الأجر، وهو عدد أقل من المعتاد في السنوات الماضية. فهل تتجه الدار نحو سياسة الكيف في مقابل الكم؟ وهل يلبي برنامج عروضها الشعارَ الذي يحمله؛ "التميز في التنوع"؟

خلال السنوات الأربع الماضية، اتصفت عروض دار الأوبرا السلطانية بانفتاحها على ألوان فنية متعددة، وباتباع نهج التوازن في العروض. التوازن على عدة أصعدة: بين العربي والأجنبي، بين العائلي وغير العائلي، التوازن بين الألوان الفنية المختلفة وعدم طغيان لون فني على الألوان الأخرى. إنّ الصفة التي استخدمها المسؤولون في الدار لتوصيف برنامج العروض الذي تبنته الدار كانت هي التوازن، ولم يكونوا مخطئين في ذلك. كان التوازن ملموسًا ليس فقط في شمولية برنامج العروض ليغطي الأوبرا وحفلات الموسيقى الكلاسيكية والجاز والمسرحيات الغنائية والباليه وفلكلور الشعوب وغيرها من فنون الأداء الموسيقي، ولكن هذا التوازن كان موجودًا حتى داخل اللون الفني الواحد. فمثلا، إذا تحدثنا عن الباليه، وهو فن أوروبي بامتياز، فإنّ دار الأوبرا السلطانية لم تكتفِ بعروض باليه قادمة من أوروبا فقط، ولكن كان هناك باليه من شرق آسيا يتمثل في الباليه الكوري، وقريب منه كانت هناك استعراضات الفلامنكو من أمريكا اللاتينية. وفي المسرحية الغنائية، وهو لون يشيع في أمريكا أكثر من أي بلد في العالم، كان هناك عرض عربي رأى النور منذ بواكير المواسم الأولى لدار الأوبرا -سابقا حتى على العروض الأمريكية-، هو المسرحية الغنائية المصرية ذات الأداء الأوبرالي (براكسا أو مشكلة الحكم)، المبنية على مسرحية لتوفيق الحكيم. لقد كان هناك دوما تنوع في عروض الدار لتلبي أذواقا مختلفة، ولتثقف الجمهور وتمتعه، وتتواصل مع الآخر. وبالقدر الذي تم فيه تقديم روائع الموسيقى الكلاسيكية الغربية تم كذلك تقديم روائع الطرب العربي. بل ذهبت الدار أبعد بتقديم الموسيقى الصوفية لفنانين من بلدان مختلفة. ولقد شهدت خشبة مسرح الدار تقديم فلكلور شعوب مختلفة للجمهور المحلي، كما قدمت ألوانا من الموسيقى التقليدية العمانية والأداء الحركي جسدته الفرقة السلطانية الأولى للموسيقى والفنون الشعبية وفرق شعبية محلية أخرى. كانت العروض كثيرة في كل موسم من المواسم الماضية، وكان هذا طبيعيًا لمؤسسة حديثة مازالت تتعرف على ذوق جمهورها من ناحية، وتسعى إلى تعريفهم بفنون راقية جديدة عليهم من ناحية أخرى. إجمالا كان التنوع دوما موجودا في عروض الدار، وذلك هو معنى التوازن في الانتقاء الذي تحدث عنه مسؤولو الدار في أكثر من مناسبة. لكن الموسم القادم يحمل شيئا مختلفا، إنّه موسم تحتفل فيه الدار بإكمال خمس سنوات منذ انطلاقتها (في 12 أكتوبر 2011)، ولذا لابد أن يكون موسما "متميزًا" حقا. لقد أخذت الدار مفهوم التميز هذا العام إلى أفق أبعد. لقد أدرك القائمون على الدار أنّ سياسة التنوع كانت ناجحة، والآن في السنة الخامسة فإنهم يؤكدون أهميّة التنوع بجعله شعارًا لبرنامج الدار، حيث "التميز في التنوع" هو الخلاصة التي وصلت إليها الدار من تجارب السنوات الماضية، وهو ما ترغب أن تؤكد عليه هذا العام بوصفه النهج الذي ترغب أن تسير عليه بوعي وقصديّة.

إذا كان "التميز في التنوع" هو خلاصة تجربة الدار في السنوات الأربع الماضية، فإن الاحتفاء بإكمال الدار لخمس سنوات من عمرها يتطلب عروضا يتعزز فيها مفهوم التنوع بشكل جلي. ربما الحاجة باتت أقل للكثرة في العروض. كانت الكثرة ضرورية للتعرف على طبيعة جمهور الدار الذي يعتبر جمهورا جديدا على الألوان الفنية التي تقدمها الدار، أما الآن فالحاجة أكبر إلى تجويد الألوان الفنية التي استقرت الدار على تبنيها. ببساطة، الحاجة الآن أكبر إلى عروض (قوية) جاذبة جدا. عروض تنافسية بمعنى الكلمة. أصبحت الحاجة لعروض ربما تكون أقل عددا بعض الشيء، لكنها عروض حابسة للأنفاس لا يستطيع الجمهور المستهدف مقاومتها. هذا ما يبدو بجلاء في برنامج عروض الدار للموسم القادم. إنها عروض قوية مغرية، فيها كبار الفنانين والأعمال والأوبرات. التنوع لا يزال موجودا، والتوازن أيضا موجود، ولكن الذي ترسّخ هو مبدأ قوة العروض. إنه موسم ضخم يشبه الموسم الافتتاحي للدار. موسم النجوم العمالقة وكبريات العروض. ومثلما حمل الموسم الأول عرضا من إنتاج الدار وتملك حقوق ملكيته الفكرية كاملة، هو عرض (توراندوت)، فإنّ موسم السنة الخامسة للدار يتضمن عرضا مملوكا بالكامل للدار (يحمل اسم "الرحلة العظيمة")، وعرضا آخر ملكيته مشتركة بين الدار و فرقة (بالو دي آرت فالنسيا) الإيطالية (يحمل اسم "الأوبرا"). إنه موسم الفخامة والتنافسية، حيث التميز في التنوع.

يشتمل موسم 2016/2017 بدار الأوبرا السلطانية مسقط على عدة أوبرات تعد من أمهات الأوبرات في العالم تقدمها فرق مرموقة، منها أوبرا (لوهنجرين) لفاجنر، وأوبرا (جون جيوفاني) لموزارت، وأوبرا (يوجين أونيجين) لتشايكوفسكي، وأوبرا (فتاة من الجزائر) لروسيني. كذلك يقدم النجم العالمي بلاسيدو دومينجو حفلين، يظهر في أحدهما كمغنٍ أوبرالي، وفي الآخر يكون قائدا للأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية. ومن نجوم الموسم المنفردين المغنية آنا مورا نجمة موسيقى الفادو، ومادلين بييرو مغنية الجاز الأمريكية المعروفة، والسوبرانو آنا نيتريبكو التي ستحيي حفلة مع زوجها التينور الأذربيجاني يوسف إيفازوف.

من الأصوات العربية يتواجد فنان العرب محمد عبده في ليلتين، وكذلك الشاب الفلسطيني الصاعد محمد عساف، والفنانة المصرية مي فاروق والتي ستحيي حفل (كلثوميات). وهناك أيضا عازف الكمان الفلسطيني جهاد عقل، وعازف العود التونسي ظافر يوسف، والموسيقيّان العراقيان أمير الصفّار وعمر بشير.

في الموسيقى الكلاسيكية سيتم عزف (الفصول الأربعة) كاملة لفيفالدي، وهي إحدى درر الموسيقى الكلاسيكية الخالدة والعذبة عبر التاريخ. وستُعزف أيضا السيمفونية التاسعة لبيتهوفن، كاملة أيضا. وفي الباليه هناك باليه (جيزيل) لفرقة المسرح الأمريكي للباليه، وباليه (آنا كارنينا) لفرقة مسرح إيفان للباليه بسان بطرسبرج. وإلى جوار ذلك توجد ثوابت دار الأوبرا السلطانية مسقط مثل الاحتفال بيوم المرأة العمانية، والعرض العسكري الذي تشارك فيه فرق أجنبية زائرة، وليلة آلة الأرغن، وعروض تثقيفية وعائلية متنوعة، وغيرها من العروض.

يبدو حقًا موسمًا ثريًا لا يمكن تفويت عروضه، وهو موسم تنافسي جدير بتتويج جهود الدار وهي تضيء شمعتها الخامسة، وكفيل بتحقيق التنافسية مع دور الأوبرا وصالات الموسيقى حول العالم، لاسيما أنّ أوبرا دبي ستفتح هي الأخرى أبوابَها وتدشن موسمها الأول قبل نهاية العام الجاري. لذا فالتنافس هو في العروض القوية، ويبقى مبدأ "التميز في التنوع" هو أحد أحصنة السبق التي يُراهَن عليها بقوة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة