السلطنة تحتفل باليوم العالمي للسلاحف البحرية.. وجهود حثيثة للحفاظ على موائل التعشيش

السجن والغرامة لصيد أو تهريب أي من أنوعها الخمسة

مسقط - الرؤية

تحتفل السلطنة ممثلة في وزارة البيئة والشؤون المناخية مع باقي دول العالم باليوم العالمي للسلاحف البحرية، والذي يوافق 23 مايو من كل عام، وقد جاء الاحتفال باليوم العالمي للسلاحف لإبراز الدور الذي تقوم به وزارة البيئة والشؤون المناخية ممثلة في المديرية العامة لصون الطبيعة للحفاظ على موائل تعشيش السلاحف البحرية والتعريف بالأنواع الخمسة من السلاحف والتي تعيش في السلطنة والمشاريع المشتركة المنفذة من قبل الوزارة وبالتعاون مع مؤسسات المجتمع المحلي والدولي.

والسلاحف البحرية يعود تاريخها إلى قرابة المئتي مليون سنة وقد تمكنت من البقاء عبر هذه السنين الطويلة بالرغم من المخاطر التي تتعرض لها من قبل الإنسان والطبيعة بسبب السلوكيات الخاطئة التي يمارسها الإنسان؛ حيث تلعب طريقة تغيير الأشرطة الساحلية تأثيرًا سلبيًا على طرق هجرة السلاحف ويعد الحفاظ على السلاحف مؤشرًا صحيًا على سلامة الموائل البحرية وأنواعها المختلفة ودورها المهم في أبحاث البيئة البحرية والمحافظة عليها

وتعد السلاحف البحرية التي تعشش في سلطنة عُمان حسب تصنيف الاتحاد الدولي للصون في الفئة المعرضة للانقراض، بل إنّ السلحفاة الشرفاف تتعدى ذلك إلى الفئة المعرضة للخطر بصفة حرجة. وقد أدركت السلطنة هذه المسؤولية الكبيرة باعتبار أن شواطئها تعد الأهم بين دول المنطقة بالنسبة لتعشيش السلاحف البحرية خاصة السلحفاة الريماني والسلحفاة الحمسة (الخضراء) والسلحفاة الشرفاف. فكانت السباقة دون منازع في القيام بمسح لأنواع السلاحف التي تعشش في شواطئها وأعدادها والقيام ببرامج طموحة طويلة الأمد لصون وحماية السلاحف البحرية في السلطنة.

ترقيم السلاحف

ومن أهم هذه البرامج التي تقوم بها الوزارة ترقيم السلاحف البحرية والذي بدأ في عام 1977 بمسح شامل لمعظم السواحل العمانية، لمعرفة أماكن تواجد السلاحف البحرية. وقد تم هذا البحث بالتعاون مع الاتحاد العالمي للصون والصندوق العالمي للحياة الفطرية، وقد أسفرت نتائج هذا المسح عن تأكيد الأهمية الدولية للسلطنة في هذا المجال؛ إذ تم تقدير أعداد السلاحف البحرية التي تعشش في شواطئ السلطنة آنذاك على النحو التالي: السلحفاة الريماني: حوالي 30 ألف سلحفاة في السنة الواحدة، وهذا الرقم يعد الأعلى على الإطلاق بالنسبة لدول العالم قاطبة، فيما شكلت السلحفاة الخضراء (الحمسة): حوالي 7000 سلحفاة في السنة الواحدة، وشكلت السلحفاة التقشار (الزيتونية): حوالي 150 سلحفاة في السنة الواحدة، كما أنّ السلحفاة الشرفاف شكلت حوالي 100 في السنة الواحدة. وكان من نتائج هذا المسح الأولي نشر بيانات عن أعداد السلاحف في المياة العمانية أظهرت للعالم الأهمية الدولية للسلطنة كأحد أهم المواقع العالمية بالنسبة للسلاحف البحرية. وبناءً على تلك النتائج ونظراً لهذه الأهمية والمسؤولية المترتبة عليها بدأت السلطنة بتحديد المناطق المهمة لتعشيش السلاحف لحمايتها، وكان من أهم المناطق جزيرة مصيرة ورأس الحد؛ حيث أعلنت الأخيرة كمحمية للسلاحف بتاريخ 23/4/1996م، بموجب المرسوم السلطاني رقم 25/96.

محمية رأس الحد

وتتميز محمية السلاحف برأس الحد بخاصية مميزة قل أن تجد لها نظيراً على مستوى العالم، فعلى الرغم من أن السلاحف البحرية تعشش في مواسم محددة إلا أنّ الأمر ليس كذلك بالنسبة لرأس الحد؛ حيث إنّ السلاحف البحرية تأتي إليها طوال أيام السنة بنسب متفاوتة بين الفصول، الأمر الذي جعلها قبلة للزوار من مختلف أرجاء العالم، حيث كانت النتائج مشجعة، وفتحت باب الدراسات والبحوث للمهتمين بالعلوم المتعلقة بالسلاحف. وقد وفرت البيانات التي تم الحصول عليها منطلقاً للعديد من الباحثين العمانيين وغير العمانيين. وتم اكتشاف تعشيش السلاحف الشرفاف بكثافة عالية في جزر الديمانيات التي تقع في بحر عُمان قبالة سواحل ولاية بركاء، وهي محمية طبيعية للطيور تم إعلانها بتاريخ 3/4/1996 بموجب المرسوم السلطاني رقم (23/96)، وأصبحت الآن من أهم مواقع تعشيش السلاحف الشرفاف في المنطقة العربية، كما أنّ كثافة التعشيش لسلاحف الشرفاف في هذه الجزر الصغيرة تعد الأعلى على مستوى العالم.

وقامت وزارة البيئة الشؤون المناخية بجهود جبارة في حماية وصون السلاحف البحرية، وذلك من خلال استمرارية مشروع ترقيم السلاحف البحرية الذي بدأ سنة 1977 بجزيرة مصيرة ورأس الحد وجزر الديمانيات وجزر الحلانيات ويستمر إلى الآن. ويهدف برنامج ترقيم السلاحف البحرية بشكل عام الى معرفة انتشار وتوزيع السلاحف البحرية ومعرفة خطوط هجرتها وأماكن تغذيتها وتعشيشها بالإضافة إلى بيانات أخرى عديدة تتعلق بعدد مرات البيض في الموسم الواحد، والنمو والعمر. وترقيم السلاحف البحرية يتم من خلال تثبيت حلقات من معدن البلاتنيوم مكتوب عليها رقم السلحفاة محدد وعنوان الوزارة للتواصل في حالة مشاهدة أو العثور على السلحفاة ميتة.

وتتولى الوزارة مسؤولية المحافظة على مناطق التعشيش وحماية وصون السلاحف البحرية في السلطنة من خلال وضع خطط وبرامج عمل لإدارة موائل تعشيش السلاحف البحرية، ومن أهم المواقع التي تعكف الوزارة على إدارتها محمية السلاحف برأس الحد بمحافظة جنوب الشرقية؛ حيث إنّ وجود أعداد كبيرة من السلاحف في هذا الموقع الهام يخلق نوعاً من التحدي بين ضرورة الحفاظ على السلاحف البحرية، ومتعة الزائرين من جهة أخرى، لذلك تم وضع الإجراءات اللازمة لضمان ايجاد توافق بيئي بين المطلبين، فقد تمّ تعيين مجموعة من المراقبين البيئيين مدربين ومزودين بالمعدات اللازمة لإدارة المنطقة وضمان استمرارية المحافظة على السلاحف البحرية، مع السماح للزوار بالاستمتاع بمشاهدة السلاحف البحرية بدون إزعاجها، بالإضافة إلى إحصاء وترقيم السلاحف البحرية.

عقوبات رادعة

وتتبع وزارة البيئة والشؤون المناخية إجراءات صارمة في تطبيق قانون المحميات وصون الحياة الفطرية (6/2003)، باعتبار أن السلاحف البحرية يشملها هذا القانون كإحدى مفردات الحياة الفطرية، وتلزم كل من يتعدى على السلاحف البحرية سواء كان ذلك بالصيد العشوائي أو المقصود أو اتلاف مناطق التعشيش بتطبيق العقوبات الواردة في القانون، والتي تنص على يعاقب كل من قام بقتل أو صيد أو تهريب أي نوع من أنواع السلاحف البحرية بالسجن لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وغرامة لا تزيد عن 100 ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين. كما أنّ المختصين بالوزارة يعملون جاهدين على تنظيم برامج توعوية للمجتمعات المحلية وتوعيتهم بأهمية السلاحف البحرية وأهمية المحافظه عليها، بوضع اللوائح الإرشادية قريبة من مناطق التعشيش ومناطق التغذية، وكذلك تنظيم حملات تنظيف لمناطق تعشيش السلاحف البحرية، كما أن هذه الوزارة لا تسمح بإقامة أية مشاريع تنموية قريبة من مناطق التعشيش، ووضع الحلول لبعض المشاكل التي تسببها الأضواء المبهرة التي تؤدي إلى تشتيت السلاحف البحرية أثناء خروجها من البيض إلى البحر، وذلك من خلال التنسيق واختيار أنواع معينة من الإضاءة ذات المواصفات الخاصة والتي لا تؤثر على حركة السلاحف البحرية، كما أنه يمنع منعا باتا التخييم أو القيادة في مناطق تعشيش السلاحف البحرية.

مراقبة السلاحف البحرية

وأطلقت الوزارة مشروع مراقبة السلاحف البحرية عن بعد عبر الأقمار الصناعية في عام 2006، والذي يهدف الى دراسة وصون الأنواع الموجود في السلطنة التي تتخذ من شواطئها أعشاشا لها ومن مياهها غذاء في مختلف أوقات السنة، كما يهدف المشروع بشكل أساسي إلى اقتراح خطه إدارية عامة تعتمد على التنمية المستدامة التي يمكن من خلالها المحافظة على المنظومة البحرية والساحلية الأصيلة للسلطنة. ويعد جهاز التعقب عن بعد بواسطة الأقمار الصناعية جزاء مهما من المشروع، حيث يتم تثبيت أجهزة إرسال تعمل بواسطة الأقمار الصناعية على دروع السلاحف البحرية الإناث، وبعدها بمساعدة برنامج "أرغوس" سيتمكن خبراء المشروع من مراقبة هذه السلاحف البحرية خلال جميع فترات هجرتها، وذلك لتجميع كم كبير من المعلومات حول موائل التعشيش وأماكن تواجدها، كما يتم معالجة وتحليل هذه البيانات يومياً والكشف عن أماكن تواجدها.

وتكمن أهمية هذا المشروع في عمليات صون السلاحف وحفظ توازن البيئة البحرية حيث إنّه يمكن من خلال هذا المشروع معرفة الأماكن التي تقضي فيها السلاحف معظم أوقاتها ومقارنتها بالمواقع البحرية التي يمكن للإنسان استخدامها مثل نقاط صيد الأسماك، وكذلك تقديم التوصيات المهمة للتقليل من عدد السلاحف البحرية التي تتعرض للإصابة والقتل، إلى جانب توضيح الأهمية الدولية لتجمعات السلاحف البحرية لأنها تقطع آلاف الكيلومترات من المياه البعيدة لتصل إلى دول أخرى وذلك لضرورة حمايتها والعمل على المحافظة عليها من كل الأخطار.

وعملت وزارة البيئة والشؤون المناخية مع جمعية الإمارات للحياة الفطرية بالتعاون مع الصندوق العالمي لصون الطبيعة (EWS-WWF) خلال الفترة الممتدة من عام 2010 إلى عام 2013 في مشروع الحفاظ على السلاحف البحرية والذي يركز على معرفة أنماط غذاء السلاحف ومسارات هجرتها ومتطلبات الحفاظ عليها في الخليج العربي وبحر عمُان وبحر العرب من خلال وضع أجهزه تعقب عن طريق الأقمار الصناعية. وقامت السلطنة ممثلة في الوزارة بالتوقيع على مذكرة التفاهم حول حماية وإدارة السلاحف البحرية وموائلها في المحيط الهندي وجنوب شرق آسيا "IOSEA"، والتي دخلت حيز التنفيذ في الأول من يونيو 2004، وتهدف إلى حماية والمحافظة على السلاحف البحرية وموائلها بناء على أفضل الأدلة العلمية مع الأخذ في الاعتبار الخصائص البيئية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للدول الموقعة للمذكرة.

تعليق عبر الفيس بوك