نريد أن نضحك !

أمل عامر السعيدية

طيلة الفترة الماضية كنت أفكر فيما ينقصنا، وعندما استخدم هذا الضمير الذي يخصنا نحن جميعاً إنما أعني به نحن المجتمعات الريعية التي لم تخض بعد مخاضها الحقيقي على الرغم من أنّها ومع انخفاض أسعار النفط باتت مُهددة أكثر من ذي قبل بكل المصائب، وإن كانت هذه المجتمعات تنتظر تغييرات على المستوى السياسي والاقتصادي فهي بلا شك ستشهد تحولاً اجتماعياً وثقافياً، كما تقول نبوءة كارل ماركس، وما أحاول الخوض فيه استشراف المُستقبل وما أريده من تغييرات كشابة تعيش على هذه الأرض. إنني أتمنى بشدة أن نحظى بشخصية كجورج كارلين، ولمن لا يعرف من هو جورج كارلين، عليه سريعاً أن يبحث عنه في اليوتيوب باستخدام هاتفه الذكي. في الحقيقة وبعد هذا كله لا استطيع أن أكون طموحة أكثر، على اعتبار أن جورج كارلين ليس إلا كوميدي تعود على إثارة النكات عن المآسي التي يمر بها الإنسان في أمريكا، بل إنّه لا يوفر فرصة واحدة ليقول رأيه في أمريكا نفسها، فهو يقول إنّها الدولة التي لا يمكن لشعبها أن يطالب بالنزاهة لأنّ نظامها كله سينهار. وكل مرةٍ أشاهد فيها أعمال جورج كارلين أفكر بهذا الذي يمكنه أن يتحصل على دوره في مجتمعنا، وما أول الأشياء التي سيبدأ بالحديث عنها. ربما سيقول في افتتاحية أمسيته الأولى واسمحوا لي أن اتقمص هذا الدور: كيف يكون الإنسان فخوراً بانتمائه إلى قبيلة أو عرق أو وطن، إذا كان هذا الإنسان قد تحصل على هذا كله بفعل المصادفة المحضة، أو كما يقول كارلين، بسبب "حادثة". على الإنسان أن يعتدّ بما هو عليه فعلاً، بما تمكَّن من الوصول إليه باجتهاده الشخصي، بعمله الدؤوب الذي صنعه بكلتا يديه، بل كل ما فيه، لكنني ساستدرك قائلة: لكن حتى ما يدعو للاعتداد بالنفس هو أيضاً محصلة ظروف أخرى، كالتنشئة الاجتماعية، ومستوى الأمان الاقتصادي، بل حتى إن علم الجينات يصر على أن أسباباً جينية تجعل بعض الناس أذكى من غيرهم. ولهذا بالضبط لا يُمكن أن أكون جورج كارلين النسخة العُمانية لأنني سأستمر في الاستدراك إلى الأبد، وما هو مطلوب بشدة أن يطلق أحدهم العنان لحس الدعابة، وأن يصنع النكات التي تُضحك الناس. وكم يدعو للأسف أنّ كل الشباب على الأقل ممن أعرفهم والذين اشتهروا كـ "ستاند اب كوميديان" ليسوا أكثر من مرددين للنكات المبتذلة التي نتبادلها على "الواتس اب" عن مظهر الفتيات في الأسواق والجامعات، أو عن "فهلوة" الشباب وهلم جرا. بينما جورج كارلين مختلف تماماً، لقد استطاع أن يحول موضوع الاستهلاك في أمريكا والإعلانات التي لا تكف عن تقديم نفسها للناس بصفتهم مستهلكين إلى موضوع مضحك ومؤثر في الوقت نفسه. كما تحدّث عن الأديان وعن العنصرية وعن المشردين، وعن البرجوازيين، ببساطة شديدة، استطاع أن يتحمل ثقل هذه القضايا في خفته التي لا يمكن إلا أن تجعلك تضحك حتى تدمع عيناك.

ميلان كونديرا الكاتب التشيكي الرائع يقول في كتابه الضحك والنسيان: "أن تضحك معناه أن تعيش بعُمق"، ولتسمحوا لنا، أنا وغيري من الشباب في هذا المجتمع ممن يتبنون هذه الفكرة، لم تعُد تكفينا وعود التغيير ولا تلك المشاريع التي تحمل صفتنا وتسعى من أجل الوصول بنا إلى مكانة أخرى لأنها لم تكن تفعل ولن تفعل، لقد حلّ بنا السأم ولم يعد باستطاعتنا إلا أن نأمل أن يكون هناك جورج كارلين، بل إنّ هذا يمكن أن يدفع إلى تماسك من نوع أكثر انسجاماً بيننا كشباب نعيش في هذا المجتمع، عبر إرادتنا العيش فيه وصناعة اللُحمة الوطنية التي كنّا سنرثها لولا أننا تداركنا الأمر سريعاً لنقرر أننا من نخلقها عبر أن نحقق مواطنة، نحصل بها على حقوقنا ونؤدي بها واجباتنا.

يقول هنري برغسون صاحب واحد من أهم الكتب حول الضحك: "الضحك نوع من السلوك الاجتماعي. بواسطته ينبه المجتمع مشيراً إلى الحس السليم، كل أولئك الذين ينحرفون عن النشاط الاجتماعي المُستقيم والحقيقي... كل أولئك المنحرفين أو الذين يريدون أن يظهروا غريبي الأطوار، أي كل تلك العناصر التي تسعى، بوعي أو من دون وعي، إلى تفتيت التماسك الاجتماعي ونسيجه".

تعليق عبر الفيس بوك