إنشاء مدن في الصحراء

د. محمد بن سعيد الشعشعي

لا أعني بالحديث المدينة الفاضلة التي يقصدها أفلاطون، ولكنني أقصد إقامة مدن مُعمرة وحيّة في البادية أو الصحراء العُمانية الشاسعة والمترامية الأطراف والمُمتدة من رملة خلية في الشمال الغربي إلى رمال الربع الخالي والسحمة والمغنمة وصولاً إلى آخر معالمنا على الحدود الغربية المحاذية لحدودنا مع الجار الشقيق جمهورية اليمن الصديقة.

هذه الصحراء وما بها من معالم ومعادن وثروات وآهات وآفات أحيانًا، تتطلب منِّا أن نُعطيها شيئاً من الاهتمام المستقبلي بأن توضع ضمن خارطة الطريق في التنمية القادمة لإنشاء مدن ومناطق على ذلك الشريط لأهميتها الجغرافية ولاعتبارات جيوسياسية وإستراتيجية.

سكان هذه الصحاري نزحو إلى المناطق والمدن القريبة منهم وما ترتب على ذلك من هجرة موجعة لهذه الصحاري وجعلها خالية من السكان يباكيها الرياح لا ترى فيها بشرًا ولا تسمع فيها إلا عوي الذئاب والوحوش البرية، وهذا الوضع يشكل في نظري هاجسًا أمنيًا مقلقًا، ينبغي دراسته على المدى القريب وإعطاء هذا الجانب جل العناية التخطيطية السليمة.

فالمدن وفي ظل النهضة المباركة تشبَّعت ولله الحمد من التنمية والعمران بل أصبحت تُعاني من ضريبة التطور كالازدحام والغلاء المعيشي والجرائم .. إلخ، الأمر الذي يجعلنا نتطلع إلى إنشاء مُدن متكاملة في الصحراء على نهج المدن التي تنشأ على السواحل العُمانية بل إنّ هذه المدن التي نتطلع إلى أن تكون متكاملة المرافق وذات مخططات شاملة صناعية وزراعية وسكنية وتجارية، مع إتاحة فرص الاستثمار الداخلي والأجنبي، فالسياحة الرملية الشتوية مثلاً تُعد استجمامًا رائعًا أثبت جدواه في الكثير من البلدان ذات الطبيعة المشابهة.

والأهم من هذا وذاك أن أصحاب المكان الذين كانوا سكان هذه الأراضي سوف يعودون لها مرة أخرى خاصة إذا ما توفرت لهم كل أساسيات الحياة والبقاء وأنشئت لهم مدناً متكاملة الخدمات وطعمت بجانب استثماري أجنبي ومحلي، وأتيحت بها فرص في التجارة والتوظيف والاستثمار للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بل وحتى كبرى الشركات فالتجارة وتوفير الخدمات من صحة وتعليم وأمن وتنظيم ورفاهية بمثابة صمامات أمان تبعث الحياة إلى الجسم كما يروي الماء الغصن اليابس ويجعله مخضرًا يانعاً.

والمناطق الجديدة لابد أن تعطى الأولوية طبعًا في كل شيء لأصحاب المكان، من ثم فتح المجال للعمانيين لكي تستوعب هذه المناطق الجديدة أكبر عدد من السكان من كل مناطق السلطنة خاصة إذا ما توفرت فيها فرص التوظيف، والمساكن والتجارة، ومثال ذلك مناطق النفط الضخمة في الصحراء وكأنها مدن كبرى بها كل مستلزمات الحياة، نحن نطمح إلى إقامة مُدن متكاملة على نفس النهج ولكن بأسلوب سكني وحضاري أي تجمعات سكنية متكاملة موزعة على نقاط معينة في الصحراء وفقاً لأسس وخطط مدروسة.

نقاط جوهرية حول إقامة هذه المدن الصحراوية:

- وفق مقولة المال السائب يعلم السرقة، فإنّ هذه الصحاري الشاسعة الخالية من الحياة قد تُستخدم من قبل المارة أو العابرين بين الدول والمهربين في التهريب والترويج لبضائع ممنوعة من مخدرات وقات وأسلحة غير مرخصة وما شابه ذلك، عليه فإنّ إنشاء مناطق أو مدن لاشك أنه يُحد من هذه المخاطر فالمواطن هو العين الساهرة على حماية وطنه جنبًا إلى جنب مع الجهات العسكرية والأمنية .

- البادية بها أراضٍ خصبة وذات مخزون مائي تصلح للزراعة والاستثمار، فإقامة المدن بجانب مخططات زراعية توزع للمستثمرين قد تعطي مردودا وعائدا وطنيا مجديًا للوطن والدولة خصوصا على المدى البعيد وفي الظروف التي نبحث فيها عن بدائل أخرى غير النفط.

- تخفف هذه المناطق الحديثة على المدن الازدحام السكاني والتلوث والضجيج بل إنها قد توفر على الدولة الكثير من النفقات التي تصرفها للعلاج هذه الظواهر مثل الجسور المعلقة والصرف الصحي والتلوث. مثل هذه المبالغ قد تستغل لإنشاء المدن الصحراوية الطموحة لأن وجودها قد يخفف العبء على المدن الكبرى، إلى جانب المنظور الأمني الذي هو بيت القصيد، وقد يكون مغلقا إذا ما هجرنا الصحاري الشاسعة الممتدة من جبل حفيت شمالا وإلى رملة شعيت غربًا.

تعليق عبر الفيس بوك