"الصحة" تطلق الحملة الوطنية للتوعية بالميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية.. الإثنين المقبل

مسقط - الرؤية

تستعد وزارة الصحة وعدد من الجهات المعنية لإطلاق الحملة الوطنية التوعوية حول الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية تحت شعار "المضادات الحيوية.. استخدام أمثل لنتائج أفضل"، الإثنين المقبل. حيث تُعد الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية أحد أهم المشكلات التي تُقلق الأطباء والعاملين في مجال صحة الإنسان والحيوان في معظم دول العالم، في ظل انتشار أنواع مُتعددة من الميكروبات المعدية للإنسان تقاوم المضادات الحيوية وقد اعتبرها المنتدى الاقتصادي العالمي أحد الأخطار الهامة التي ستواجه شعوب العالم خلال السنوات المقبلة، حيث من المتوقع أن تؤدي هذه الظاهرة في المستقبل القريب إلى انتشار أوبئة العدوى بعدد من الميكروبات المعدية الخطيرة التي لا يوجد لها مضاد فعَّال.

وقالت الدكتورة أمل بنت سيف المعنية استشاري أول أمراض معدية ومكافحة عدوى ومديرة الدائرة المركزية للوقاية ومكافحة العدوى بوزارة الصحة عن الحملة: إنّ مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية خلال السنوات الأخيرة، باتت أحد أهم أسباب فشل معالجة الالتهابات المسببة لها مثل التهاب الدم والتهابات الجهاز التنفسي والجهاز البولي. وقد أدت هذه الظاهرة الخطيرة إلى زيادة كبيرة في نسبة مضاعفات المرض، وزيادة إقامة المرضى والوفيات في المستشفيات. وضربت مثالاً على ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يموت كل عام ما يقارب من مائة ألف مريض، نتيجة إصابتهم بأحد الميكروبات المعدية، ويقدر أن 70% منهم يموتون فعلياً بسبب مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية. كما أنّ زيادة انتشار سلالات البكتيريا المقاومة للعديد من المضادات داخل المستشفيات وخارجها تحمل الرعاية الصحية تكاليف باهظة حيث إنها تزيد كلفة علاج المرضى إلى الضعف وأكثر. ففي الماضي القريب، وقبل عشرين عاماً فقط، كانت تكلفة علاج المريض المصاب بالتهاب المجاري البولية العادي مثلاً تتراوح ما بين 10-20 دولاراً أمريكياً في معظم البلدان العربية، وحالياً قد تصل تكلفة العلاج على أقل تقدير إلى ألف دولار حين تتسبب فيها البكتيريا المقاومة للعديد من المضادات الحيوية لأن العلاج يستلزم وجود المريض في المستشفى لعدم وجود بديل فموي للمضاد الحيوي وما يتبع ذلك من تكاليف مباشرة وغير مباشرة.

وعن مصدر هذه الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية، قالت الدكتورة أمل إن غالبية سلالات البكتيريا المقاومة تستقر في جسم الإنسان والحيوان وبصورة خاصة في الأمعاء ولمدة طويلة، وتنتشر مع الفضلات إلى مياه المجاري والتربة، ومنها إلى مصادر المياه الجوفية والسطحية وتلوث الخضروات الورقية والتربة التي تسقى بمياه المجاري، ومن ثم تعود مرة ثانية مع الطعام والماء إلى أمعاء الإنسان والحيوان. وعمليًا أصبح هناك عدد من أنواع البكتيريا المعروفة التي كانت تعيش بصورة أليفة في جسم الإنسان واكتسبت المقاومة مع سوء استهلاك المضادات الحيوية، فأصبحت تسبب معظم حالات العدوى في المستشفيات. وهذا النوع انتشر بسبب الإهمال في أساسيات الوقاية ومكافحة العدوى وأبسطها الحرص على نظافة اليدين وأصبح من الصعوبة السيطرة عليها بالعلاجات المعيارية، وقد تؤدي العدوى بها أحياناً إلى موت المريض، لكون المضادات الحيوية المتوفرة لا تستطيع القضاء عليها.

وحول الآثار السلبية لمقاومة مضادات الميكروبات ذكرت الدكتورة أمل أنّ مقاومة مضادات الميكروبات تشكل خطرًا على إنجازات الطب الحديث. فبدون مضادات الميكروبات الفعالة في الوقاية والعلاج من العدوى ستفشل العمليات الجراحية وعلاجات السرطان وزراعات الأنسجة لمجرد إصابة المريض بعدوى ليس لها علاج فعال. لقد كشف تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2014 بشأن الترصد العالمي لمقاومة مضادات الميكروبات عن أنّ مقاومة المضادات الحيوية لم تعد مجرد تنبؤ خاص بالمستقبل، فهي تحدث الآن بالفعل وفي تزايد وعلى نطاق العالم مهددة القدرة على علاج أنواع عدوى شائعة في المجتمع المحلي والمستشفيات. وهناك خوف ينتشر بين الأطباء والعلماء من أن تصبح غالبية المضادات الحيوية المتوفرة لعلاج أمراض الإنسان غير صالحة للاستخدام خلال المستقبل القريب مع ندرة مشهودة في السنوات الأخيرة في تصنيع أنواع جديدة من المضادات كبدائل.

وعن الحلول المقترحة لمواجهة الظاهرة، قالت إنّ الوسائل العملية المتاحة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد حياة البشر أصبحت محصورة حالياً بالتوعية بخطورة سوء استخدام المضادات الحيوية في كافة العلاجات البشرية وفي تربية الحيوانات والطيور الداجنة والأسماك. ومن الضروري تثقيف المواطن العادي، بألا يستعمل المضادات الحيوية دون استشارة الطبيب، وأن يتقيد بتعليمات استعمالها حسب نصائح الطبيب. ومن المفروض أن يعرف كل شخص بأنّ أدوية المضادات الحيوية، هي الأدوية الوحيدة التي تتميز بأن صفة استعمالاتها تتعدى خصوصية المريض الذي يتناولها، لأن استعمالها عمليًا يؤثر بصورة غير مباشرة على جميع أفراد المجتمع نتيجة تطور سلالات بكتيرية جديدة مقاومة للمضادات الحيوية، وهذه بدورها تستطيع أن تنتقل بسهولة من شخص إلى آخر.

وحول دور المجتمع والعاملين الصحيين وراسمي السياسات للمساعدة في التصدي للمقاومة قالت الدكتورة: يجب أن يحرص الأفراد على غسل اليدين وتجنب مخالطة المرضى عن قرب، وذلك للوقاية من انتقال العدوى بأنواعها، وعدم استعمال مضادات الميكروبات إلا بوصفة طبية من أحد المهنيين الصحيين المعتمدين، وإكمال المُقرر العلاجي الكامل حتى إذا شعروا بتحسن، وعدم القيام على الإطلاق بتبادل مضادات الميكروبات مع الآخرين أو استعمال ما تبقى من الأدوية الموصوفة. وبإمكان العاملين الصحيين والصيادلة تحسين تدابير الوقاية من العدوى ومكافحتها في المستشفيات والعيادات الطبية وعدم وصف وصرف المضادات الحيوية إلا عندما تكون هناك حاجة فعلية إلى ذلك؛ وصف وصرف مضادات الميكروبات الصحيحة لعلاج الاعتلال. ويعد تحسين الرصد فيما يتعلق بمدى المقاومة وأسبابها في المستشفيات في غاية الأهمية وذلك لتعزيز تدابير مكافحة العدوى والوقاية منها وتنظيم وتعزيز الاستعمال السليم للأدوية. كمل يمكن للقياديين وراسمي السياسات تبني هذه الظاهرة والعمل على تشجيع المهنيين الصحيين على القيام بدورهم في هذا الصدد؛ وتعزيز الابتكار والبحث والتطوير في مجال استحداث لقاحات وخيارات ووسائل تشخيص جديدة وخيارات جديدة لعلاج العدوى وتشجيع التعاون وتبادل المعلومات فيما بين جميع أصحاب المصلحة.

وحول جهود وزارة الصحة ذكرت الدكتورة أمل المعنية أن المديرية العامة لمراقبة ومكافحة الأمراض وضعت مسودة استراتيجية وطنية لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات، ليتم اعتمادها من اللجنة الوطنية ومتابعة توصياتها وتهدف هذه الاستراتيجية إلى الجمع بين المعنيين بالأمر للاتفاق والعمل على تنفيذ استجابة منسقة على المستوى الوطني بالتعاون مع المنظمات العالمية. وتشتمل هذه الاستراتيجية على إرشادات خاصة بالسياسة العامة وتقديم الدعم التقني اللازم للتشخيص والوقاية من العدوى وأيضا التشجيع النشط للابتكار والبحث والتطوير. كما تهدف إلى تعزيز القوامة والخطط الوطنية للتصدي لمقاومة مضادات الميكروبات مثل برامج الوقاية ومكافحة العدوى في المستشفيات والمجتمع وبرامج الترصد للعدوى المرتبطة بالمنشآت الصحية عامة والميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية خاصة. وأضافت أن مقاومة مضادات الميكروبات تُعد مشكلة معقدة تتحكم فيها عوامل عديدة مترابطة، لذا فإنّ التدخلات المُنفذة بمعزل عن غيرها لا تحقق إلا أثراً قليلاً. ومن الضروري اتخاذ إجراءات منسقة للتقليل إلى أدنى حد ممكن من ظهور مقاومة مضادات الميكروبات وانتشارها. وما لم تُتخذ إجراءات منسقة في هذا الصدد سيسير العالم نحو عصر ما بعد المضادات الحيوية الذي يمكن فيه لأنواع عدوى وإصابات بسيطة شائعة، كانت قابلة للعلاج طيلة عقود من الزمان، أن تفتك بالأرواح من جديد.

وتعمل السلطنة ممثلة بوزارة الصحة ووزارة الزراعة والثروة السمكية مع منظمة الصحة العالمية والمنظمة الدولية لصحة الحيوان ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة على تشجيع أفضل الممارسات لتلافي ظهور وانتشار مقاومة مضادات الجراثيم، بما في ذلك الاستعمال الأمثل للمضادات الحيوية مع البشر والحيوانات على السواء.

تعليق عبر الفيس بوك