الجمعيات الأهلية وفاعلية الدور

سالم العريمي

تعدُّ الجمعيات الأهلية أحد روافد الخدمة المجتمعية بكل تفرُّعاتها الثقافية والخدمية؛ كونها تنطلق من رسالة تضع أمامها النهوض الفكري والثقافي، وتتبنَّى طاقات أفراد المجتمع وتدعمها وتبرزها في المحافل المحلية والإقليمية والدولية، كما أنَّها تعمل جنبا إلى جنب مع مؤسسات المجتمع الأخرى في رفع الوعي الفكري لمختلف أفراد المجتمع حول قضاياه المختلفة بغية حمايته من أي تفكك؛ لهذا لزم على جمعياتنا أن تنفتح على سائر فئات المجتمع لتكون بيئات حاضنة للكل، وأن لا تقتصر على فئة دون الأخرى وفق توجهات فئوية أو شللية وينحصر دورها لشريحة محددة فتتقوقع في دائرة مغلقة لينحصر دورها، ويتلاشى وتتحول إلى مبانٍ تحمل شعارات براقة خاوية المضمون مشلولة الفاعلية؛ فالعمل الأهلي مهما تعددت مشاربه وأهدافه يسعى لغاية يخدم من خلالها مجتمعه ووطنه، متجاوزا كلَّ الاعتبارات والمصالح الفئوية الضيقة، مستوعبًا كل الأفكار مهما اختلفت في توجهاتها؛ كون أنَّ مقصدها خدمة مجتمع ووطن لا جماعة أو فئة؛ لذلك من الطبيعي أن تكون الغاية ناصعة الوضوح والشفافية؛ لأنَّ غايتها وطن يجمع ويحتوي الكل متجاوزا الولاءات الضيقة نحو الولاء الواسع، إلا أن المتابع لانتخابات الجمعية العمانية للكتاب والأدباء التي تصدر الترشح لعضويتها شخصيات مشهود لها في مجال الأدب والكتابة ولها إرث زاخر في الثقافة العمانية، إلا أن آلية الممارسة الانتخابية كانت تحمل شكلا من أشكال التحزب الفكري إنْ صح التعبير فدخول الانتخابات بفريقين يمثل كل منهم توجها فكريا ويحشد له يعكس صورة ليست في الشكل الانتخابي وإنما في المضمون لم نكن نتمناها أن تخرج من شريحة يعول عليها المجتمع في تحريك المشهد الثقافي العماني من كل الزوايا لا من زوايا محدودة، فالعمل الأهلي في أغلب مؤسساته عانى من الشللية وانفرادها بإدارته والتحكم بمستوى أدائه المنحصر في فئة تعتبر نفسها هي المثقفة وفق معاييرها الخاصة بها فها هو المشهد وعسى أن أكون مخطئا يتكرر، من خلال الزج ببعض العناصر التي صنفت على أنها مثقفة ومن ضمن الكتاب لهدف وغاية محددة ليعود المشهد الثقافي للمربع الأول فقد تقوقعت الجمعية لفترات زمنية على نفسها وانحصر دورها على فئة من المجتمع، رغم أن هناك عناصر من أعضائها كان لهم دور في نقل المشهد الثقافي إلى المحافظات فقد كان لمجموعة من المثقفين دورا محوريا في دفع الجمعية نحو إيجاد فرع في محافظة البريمي الذي لعب دورا في إيجاد حراك ثقافي وعمل على احتضان مجموعة من الكتاب والأدباء في المحافظة، وإبراز دورهم مجتمعيا، إلا أن ولادة هذا الفرع المتعسرة واجهتها تحديات كثر شكلت عقبات، إلا أنَّ إصرار وعزيمة الفريق المسير للفرع استمرت واستطاع من خلالها تأسيس قاعدة للمشهد الثقافي في المحافظة أكدت عليه مجموعة من البرامج والفعاليات المتنوعة والتي شارك فيها نخبة من الأدباء والكتاب من داخل السلطنة وخارجها، إلا أنَّ التجاذبات والصراعات الإدارية في المقر الرئيسي حول تصدر المشهد الثقافي انعكست على الفرع من خلال المماطلة في دعم الفرع إداريا وماديا وبعد انتخاب الإدارة الجديدة كان من المأمل أن تلتقي الإدارة الجديدة بالفريق التسييري بالفرع لا أن تفرض أجندتها بالبحث عن آلية تتجاهل فيها أعضاء الفريق وجهودهم كون الفعل الديمقراطي يتطلب ذلك، خاصة ونحن في حاضنة تجمع أدباء وكُتَّابا ومثقفين يعول عليهم الوطن ويعتبرهم صفوته؛ فهذه المؤسسات سواء كانت أهلية أو حكومية وُجدت لخدمة المجتمع بدعم من القيادة الحكيمة، ولنا قدوة في النطق السامي فقد جاء في خطاب مولانا صاحب الجلالة في مجلس عمان بتاريخ 31 أكتوبر 2011؛ حيث قال: "وكما إن الفكر متى ما كان متعددا ومنفتحا لا يشوبه التعصب كان أقدر على أن يكون الأرضية الصحيحة والسلمية لبناء الأجيال ورقي الأوطان وتقدم المجتمعات"، وهذا ما تؤكده معطيات العصر؛ فالثقافة الإلكترونية المتسارعة وثقافة مواقع التواصل الاجتماعي تتطلب إدارة قادرة على استيعاب عناصرها والتفاعل معهم لا إقصاؤهم والترفع عنهم؛ كون الأدب والثقافة قالبا متحركا ومتجددا يقبل التعدد الفكري ويتقبل الآخر واختلاف الآراء يُسهم في تجديد الفكر الذي ينعكس على خدمة المجتمع وتطوير الوطن.

salim.alarimi@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك