إصلاح الهيكلة الإدارية

حميد السعيدي

يعودُ ظهور الحكومة الإلكترونية إلى العام 1992، وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من أسبق الدول التي طبقت هذا النظام الإلكتروني، وتهدف إلى سرعة انجاز المعاملات بواسطة البرامج الإلكتروني التي تعتمد على شبكة الانترنت العالمية، وتسهم في التقليل التكاليف المالية، وتعالج مشاكل الازدحام والتلوث، كما أنها تعالج مشكلة التضخم في القوى البشرية التي تدير العمل الورقي، وتعالج مشاكل الفساد الإداري والمالي، ويصبح المواطن قادراً على إنهاء معاملاته من خلال التعامل مع البرمجيات الحاسوبية التي أصبحت تدير العمليات الإدارية وتنهي كافة الإجراءات بسهولة، دون التأثر بالعلاقات الاجتماعي والمحسوبية والرشوة، فهي برمجيات تعمل وفقا لمنظومة من المعايير متى ما استوفت الشروط تم إنجاز العمل، واليوم بعد عشرين عام من هذه الإنجاز العالمي، ما زلنا نركض خلف مكاتب المديرين والمسؤولين نبحث عن توقيع هذا وختم ذاك، والبحث عن الوساطات والمعارف في محاولة للإسراع في انجاز المعاملات أو رغبة في الحصول على استثنائيات تختلف عن الآخرين، وتعلل المؤسسات بأن البنية الأساسية غير مكتملة للإنترنت، أو أنها لا تمتلك الخبرة في تصميم هذه البرامج، وأحيانا تتعلل بإن المواطن لا يستطيع التعامل مع مثل هذه البرمجيات، وهي أعذار باليه لا تمر على العقلاء في فهمها واستيعاب رسالتها ومضامينها، فإذا رغبت بالحصول على موافقة على رغبة بالسفر لحضور مؤتمر ما بالمؤسسة التي تعمل بها، أو تلخيص معاملة معينة في مؤسسة خدمية، فتجد أمامك صف كبير من المسؤولين الإداريين والمدراء والمساعدين ورؤساء الأقسام والموظفين في تسلل إداري يرهق العمل ويضيع الوقت ويستنزف الطاقات ويكلف البلد مبالغ كبيرة، فما بالك لو كانت المعاملة أكبر من ذلك، ستظل أيام وربما شهور وسنوات حتى تنجز، لان هناك هيكلة إدارية تقليدية قائمة على البيروقراطية، حتى وصل لبعض المسؤولين أنه يظهر ذاته العميقة، فيحدث لك شعور داخلي أنك متسولاً تبحث عن عطف أحدهم أو رقة قلوبهم تجاهك، وهذا يعطي مؤشرات كبيرة ليس على مستوى الإخفاق الإداري فحسب، بل إشكالية كبيرة على مستوى القيم والاتجاهات والمبادئ الدينية والوطنية والأعراف الاجتماعية التي لا تتوافق مع هذا الفكر والمنطق في التعامل.

وخلال مراجعاتي كمواطن أو موظف في المؤسسات الخدمية شاهدت الكثير من المواقف التي تدل على مدى التقليدية في التعامل؛ فهناك من يرى أن المسؤولية هي محل شرف وليست مكان تكليف مجموعة من المهام التي يجب أن يقوم بها في خدمة الشعب، فترى في وجهه الغرور والتعالي والكبرياء وهو يدير ذلك الكرسي أمام طاولة الخشبية، ونسي أن وظيفته هي خدمة المواطن، كيف للعقل أن يتقبل تلك المشاهدات التي بحاجة للمراجعة والمحاسبة والقانون، فكيف للمواطن أن يترجى من مدير مكتب أو منسق أن يدخله لمقابلة ذلك المسؤول الذي ينظر اليك بنظرات الكرسي الدائري، شاهدت مواطنون يقفون لساعات طويلة بغيت الدخول على أحدهم، شاهدت مواطنون ينتظرون المسؤول عند موقف سيارته في الصباح ليسلموا رسالتهم يبحثون فيها عن الأمل الضائع.

بعد كل ذلك ماذا تتوقع من المواطن وكيف سيتصرف في ظل هذه البيروقراطية في المؤسسات الخدمية، سيبحث عن مصدر ليعينه على انجاز معاملاته، سيبحث عن العلاقات الاجتماعية أولاً، ثم سيدفع الرشوة لدى بائعي الضمير الوطني، من أجل أن ينجزوا معاملته بين هذه المكاتب، ومع أنني لا اتوافق مع هذه التصرفات فهي ليست أعذار لأحد ليقوم بذلك ولكن هذا ما يحدث.

وحتى نبحث عن الخلل في المنظومة الإدارية نجد أن الهيكلة التنظيمية بحاجة إلى إعادة تطوير وإصلاح خاصة على مستوى الوظائف الرئاسية بالمؤسسات الخدمية، فنجد أن التسلسل الإداري هو السبب الرئيسي في الترهل الإداري في المؤسسات الحكومية ويسبب البطالة المقنعة ولكنه بصورة تمثيلية، كمثال على المؤسسة التربوية والتي تضم وظائف إدارية رئاسية ضخمة تتجاوز الحد أو المستوى الذي يتناسب مع حجم العمل التربوي، مما يشكل ذلك عائق كبيرا في عملية التطوير، فهناك كم هائل من مسميات إدارية ليس على مستوى المؤسسة الأم فحسب، وإنما على مستوى المديريات التابعة لها، مما يسبب تضخما في هذه الوظائف، فتجد على مستوى المحافظات تسلسل رئاسي يفوق المنطق بدأ من المدير العام والذي يتبعه مجموعة من المديرين العام المساعدين كل حسب تخصصه الإداري، يأتي بعدهم مدراء الدوائر والذي يتبعهم سلسله من المدراء المساعدين، وهؤلاء يتبعهم رؤساء الأقسام ثم يأتي الموظفين الذين يقومون بالعمل، ولكل من هؤلاء أكثر من منسق أو كاتب شؤون إدارية، هذا على مستوى المديرية الواحدة، ومما زاد الثقل الإداري انتشار ظاهرة افتتاح المكاتب الإشرافية في الولايات تتبع تسلسل إداري أقل منها، فهل من ينظر لهذه المكاتب بعين الفاحص لها، ويقيس حجم العمل الذي ينجز فيها، والسؤال الذي يطرح نفسه هل نحتاج لكل ذلك ونحن نعاني من إشكاليات متعددة في المنظومة التعليمية؟

... إنَّ مثل هذه التشكيلة العنكبوتية الإدارية بحاجة إلى إعادة تقييم، فالعالم يتغير ويبحث عن قياس المنجز لكل موظف، وما يقوم به من أعمال خلال فترة الدوام التي تحسب بعدد الساعات، وليس بعدد الحفلات التي يرعاها المسؤول، لان المنطق يقوم على عملية حسابية فما تدفعه من تكاليف مالية سواء على شكل رواتب أو خدمات من الكهرباء والمياه والاتصالات وغيرها خلال تواجده في مقر العمل لابد أن يقابله في الجهة الأخرى حجم العمل الذي ينجزه في ذلك اليوم، ومن يفكر بالمنطق يجد أن الاعتماد على التقنية الحديثة يقلل من حجم الاعتماد على القوى البشرية في المكاتب ويوجهها للعمل الميداني الذي دائما ما يعتبر المجال الذي يحدث فيه الإنتاج، فقد تطور العالم اليوم بصورة سريعة وأصبح أكثر مقدرة من الماضي على معالجة العديد من القضايا ومنها الترهل الإداري والفساد وغياب الموضوعية، والتأخر في انجاز المعاملات، من خلال الاعتماد على التقنية الحديثة، وفتح المجال للحكومة الإلكترونية والتي تسهم في صنع مجتمع متقدم، واعي لحقوقه ومدرك لقيمة الوقت وأهمية العمل فقد نشر موقع ويكيبيديا مقال عن أهمية الحكومة الإلكترونية ذكر فيها "أنها تعمل على تخفيف نسبة العلاقات المشبوهة وغير الشرعية المحتملة عند المسؤولين والعاملين لأنها تعني أولا وقبل كل شيء تدفق المعلومات، وعلانية تداولها عبر مختلف وسائل الاتصال، وتوفر تواصل المواطنين بصانعي القرارات والقائمين على الأمور لتحفيزها ومحاصرة الفساد، فبمعنى آخر الحكومة الالكترونية تعني الانفتاح على الجمهور فيما يتعلق بهيكل وظائف الجهاز الحكومي والسياسات المالية للقطاع العام الذي من شأنه تعزيز المسائلة والمصداقية وتأييد السياسات الاقتصادية السليمة".

Hm.alsaidi2@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك