سوريا.. اقتتال ونزاع ومآلات مجهولة!

راشد حمد الجنيبي

في ٢٧ فبراير ٢٠١١ قام صبية في حوران في درعا جنوب سوريا برسم عبارات رافضة للحكومة وقادتها، رافعين مطالبات الرحيل تأثّراً من الكبت الأمني والثورات التي اندلعت في تونس ومصر، تم حجز الصبية وقمع نشاطهم، وكردة فعل في ١٥ آذار/ مارس٢٠١١ انطلقت الانتفاضة الشعبية بدايةً ضد هذا الاعتقال ومآلاته، وبدأت من حينها قضية سوريا، ثورة أم انتفاضة أم شغب أو بحث عن خلاص أو هـي حرب، تعددت المُسميّات والتحليلات والتكّهنات والواقع واحد، لكن حادثة ١٥ آذار خلقت الكثير والعديد من التغيُّرات في المنطقة، داخل سوريا وخارجها، تصارعت كثير من الدول والقوى العظمى على ساحة سوريا وكلٌّ يرجو مصالحه، لكن لماذا على سوريا فقط كل هذا الصراع بين كل تلك القُوى؟

دعنا نُقسِّم العالَم لقسمين، ينقسم العالم السياسي لقسمين سياسيين وأساسيين، اليمين و اليسار، وترجع أصل التسمية وبدايتها في 1789 إلى الثورة الفرنسية وترتيبات الجلوس التي اتبعها الإرستقراطيون والراديكاليون من أول اجتماع لمجلس الطبقات، وبات هذا المصطلح شائعاً إلى اليوم كوسيلة لوصف المعتقدات السياسيّة والأحزاب المختلفة، اليمين السياسي يؤيد آليات السوق والمذهب الفردي، واليسار السياسي يفضّل تدّخل الدولة أو المذهب الجماعي، وإذا رجعنا للماضي القريب فأكبر خصام بين هذا المحورين والذي شمل عدة دول فحتماً نذكر الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا -الاتحاد السوفييتي- آنذاك، وكلتا الدولتان لهما مؤيدون و داعمون من الدول الأخرى، فمع فالدب الروسي إلى يومنا هذا دولٌ كالصين وكوريا الجنوبية وإيران في الشرق الأوسط وغيرها، وفي الجانب الآخر فمع الصقر الأمريكي كثير من الدول الأوروبية ومن الشرق الأوسط دول عربية ومعظم دول الخليج العربي، فما علاقة كل ذلك بسوريا؟

سوريا منذ بداية عهدها الحديث تتبع سياسة النظام البعثي كانت من مؤيدي اللوبي الروسي اليساري مع إيران ومثيلاتها، فكما أسلفنا نظام اليسار مؤمن بالمذهب الجماعي، إذن فاليسار السوري أو تأييد سوريا لليسار الروسي يعتبر مصلحة روسيّة بحت، ليس لتأييد النظام البعثي لروسيا فقط، بل أيضاً لموقع سوريا الجغرافي، فمشكلة الإمبراطورية الرّوسيّة منذ الأزل هي موقعها الجغرافي لقلّة منافذها البحرية، لكن عن طريق سوريا سيكون لها منفذ في البحر المتوسّط، عِلاوةً على أن قضية امتلاك روسيا لشبه جزيرة القَرم يؤكّد مسألة تعطّش روسيا للمنافذ البحرية، والقَرم مطلّة من الجانب الآخر في البحر الأسود، فالبتالي روسيا والصين وإيران وغيرها من تابعي هذا التأييد وهي معارضة لأي تغيير جذري في سوريا يضر بمصالحها، و في الجهة الأخرى، لم تكن هناك مصلحة مباشرة للولايات المتحدة في القضية السورية ولذلك أمريكا تتلعثم في سياساتها تجاه هذه القضية، في المقابل تأثر الحراك الشعبي السوري بجيرانه العرب عقب التغييرات الجوهرية التي حصلت في العالم العربي عقب ثورات ٢٠١١ التي سميّت بعد ذلك الربيع العربي.

في داخل سوريا اشتد القتال والنزاع وخلق نَزَعاتٍ طائفية وعرقية، وأصبحت سوريا اليوم لعدم سعيها في حل القضيّة وديًّا مند بداية المسألة التي تحولت لمأساة؛ بيئةً خصبة للحروب والاقتتال الأهلي، فانشق جزء من الجيش وحمّل نفسه راية الجيش الحر ليواجه حزب البعث بالسلاح، في المقابل لاقى البعثُ دعماً بالعدة والسلاح والرجال من إيران وحزب الله اللبناني وميليشيات أخرى، وهذا لتطابق المصالح السياسية لديهم جميعاً، ولكون أنّ البيئة هناك صارت حاضنة للحروب تقلّص دور الجيش الحر وتقدّمت للساحة تنظيمات إسلاميّة أخرى أبرزها أحرار الشام وجيش الإسلام، و ما زاد الشرر هو بروز القاعدة في الحرب مُمثّلة بجبهة النصرة، فأكملها تنظيم الدولة المتمدّد من العراق الذي بدأ هناك منذ ٢٠٠٦ مع جيش الصحوات، حضر التنظيم في سوريا وبقوّة ومعظم مقاتليه ليسوا من سوريا، كما عادت الدولة كل الأطراف بتكفيرها جميعاً ومحاربة المعارضةِ أيضاً، في خضم هذه النيران كان للأكراد في الشمال الشرقي رأي، فقاتلوا تحت راية حماية الشعب الكردي مع قوات سوريا الديموقراطية ولم يُذكر للأكراد أي مواجهة ضد البعث، أمّا في سماء سوريا فتطايرت القذائف من كُلِّ صوب لحماية المصالح أو لردع تمدد بعض الأطراف، فالبعث حلّقَ قاصفاً منذ ٢٠١١ زعماً محاربة الإرهاب، وتحت مظلة محاربة الدولة الإسلامية انطلق التحالف الجوي الدولي بقيادة أمريكا ومشاركة بعض من الدول العربية في سبتمبر/ آيلول ٢٠١٤، فبذلك الولايات المتحدة سنحت لها الفرصة لقصف عدوها اللدود وهي القاعدة - جبهة النصرة- تركيا من الجهة الأخرى لم تشارك في التحالف لكنها قصفت الدولة والقوات الكردية المعادية لها، وزُعِم أنّ بين هذه الطائرات المقاتلة من هنا وهناك أنّ مقاتلاتٍ صهيونية باتت مألوفة في الجو لقصف خصومها كالمواقع الاستراتيجية للبعث وقوافل سلاح لحزب الله، أمّا روسيا فدخولها كان الحرب المُقدّسة كما سمتها وباركتها الكنيسة الأرثودوكسية الرّوسيّة، قصف الروس تنظيم الدولة وفصائل من المعارضة أيضًا.

ضريبة الحرب، بين القذائف والقتلى والدماء والجشع ومرارة الواقع وتخاذل دور الأمم المتحدة، أصبحت سوريا جنازة عصرنا، فمئات آلاف القتلى، بل أكثر من مليوني قتيل وجريح منذ ١٥ آذار/ مارس ٢٠١١، آلاف المدنيين القتلى وتناثر جثث الأطفال واختطاف النساء بل كثير من المفقودين، في السماء بين الطائرات القاصفة بعين الغيبِ ترى أرواحاً بريئةً طائرة، في البحر بين المحار واللؤلؤ العتيق ترى قبرَا سوريٍّا غريقا.. في كل تلك الصراعات ولعدم وجود نظام مستقر في سوريا وغياب الحياة المدنية، هُجِّر السوريون من دارهم وفي الخارج أغلقت كثير من الأبواب أمامهم، وهم فقط من لا مصلحة لهم بين كل تلك الأحزاب والقوى في الحرب إِلَّا انتهاءها بسلامٍ وحريّة.

Rashidhj1139@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك