إشكاليتنا السياحية.. جدلية التطوُّر أم التحوُّل!

د. عبدالله باحجاج

تابعنا بيان معالي وزير السياحة ومعظم نقاشاته مع أعضاء مجلس الشورى لمدة يومين متتاليين، وقد تركزت النقاشات على إستراتيجية السياحة 2040 التي كان يُفترض أن ترى النور منذ بداية العام 2016، لولا الأزمة النفطية، ورب ضارة نافعة -كما يقولون- نفعها هنا يكمن في ضرورة إشراك شركاء أساسيين تم تغيبهم عن صياغة هذه الإستراتيجية مثل مجلس الشورى والمجتمعات المحلية، ونفعها يتجلى كذلك في ضرورة استدراك قصور عدم استيعابها لمبدأ التكامل والتزامن بين استكمال وتطوير البنية السياحية الأساسية وصناعة المقومات السياحية؛ من أجل تحقيق هدفين أساسيين متزامنين؛ أولهما: جعل قطاع السياحة مصدرا معتبرا للدخل القومي في الأجل المتوسط، ومستقبلا من ضمن خمسة قطاعات بديلة للنفط. وثانيهما، أن يتم ذلك وفق رؤية السياحة المسؤولة التي تأخذ بعين الاعتبار المكون الثقافي من أجل قبولها الاجتماعي ودواعي استدامتها.

إذن، هل الإستراتيجية السياحية الجديدة 2040 سوف تحقيق هاذين الهدفين الإساسين؟ هذا التساؤل هو الحاكم على نجاح أو فشل هذه الإستراتيجية، وكذلك هو الحاكم على كل الرؤى والجهود السياحية، وحتى على الواقع المؤسساتي المعني بقطاع السياحية، فهل هو بدوره يساهم أم يعرقل توجهات الدول الجديدة؟ ودون أن ننظر للقضية من هاتين الزاويتين، فإننا قد نتوه في الجزئيات كما حدث للعديد من أعضاء مجلس الشورى عندما انصب جل همه على دورات المياه في المواقع السياحية، أو نغرق في الكليات على حساب الهدفين المستهدفين، كما حدث كذلك عندما انشغل الأعضاء بجهوياتهم السياحية، وشغلوا الرأي العام داخل المجلس وخارجه بقضية التطورات السياحية المبعثرة هنا وهناك دون أن يدركوا أنهم بذلك يقلبون معادلة الاهتمام الوطني بقطاع السياحة في بلادنا؛ لأنها لا تنحصر في إنجاز مجموعة تطورات سياحية مناطقية أو جهوية إنما في إحداث تحول سياحي على مستوى الرؤي والأفكار والتخطيط والتنفيذ، وربما الفاعلين، فالتوجه السياسي يظهر لنا بجلاء مع التحول السياسي الذي يعيد تشكيل الواقع بكل بناه الفوقية والتحتية لكي نجعل قطاع السياحة مصدرا أساسيا للدخل القومي ومن ثم مصدرا بديلا للنفط، وإلا، فهل منطق التطورات (دورات مياه جديدة، وإقامة فنادق..) في ظل بقاء الواقع السياحي كما هو، بمؤسساته المتعددة والمتباعدة والمتشتتة، وبأفكاره النمطية والتقليدية، سوف يصنع لنا سياحة تنافسية ذات عائد اقتصادي يؤمن مسيرتنا الوطنية بدلا من الاعتماد على مصدر النفط؟ إذن، التحول السياحي ليست معنية به بالدرجة الاولى وزارة كالسياحة مثلا، وإنما معني به المجلس الأعلى للتخطيط والحكومة معا؛ لأن هناك قرارات سياسية ينبغي أن تُتخذ، ولأن هناك أفكارا مبتكرة ينبغي اتخاذها فورا، ولأن هناك معوقات اجتماعية إقليمية يجب إزالتها، وهذا كان يتطلب من المجلس الأعلى للتخطيط فتح فروع إقليمية له في كل المحافظات تتمتع بالاستقلالية في تقديم خططها السياحية من واقع بيئتها وإمكانياتها السياحية، ففي كل محافظة هناك قطاع خاص محلي يجب أن يشارك في التخطيط مع القطاع العام، وهناك مجتمع محلي حاضن للتحول السياحي المستهدف ينبغي إشراكه للزوم دمجه في التحولات حتى لا يقف في موقف المعارض، وهناك شركاء آخرين ليس من المصلحة إقصاؤهم...وهذا لم يحدث، وأنيط بوضع الإستراتيجية وزارة السياحة التي استعانت بدورها بخبرات ومؤسسات محلية وعالمية، فهل جاءت الفكرة الإستراتيجية نحو التحول أم التطور؟ اطلعنا على بعض ملامحها من خلال المناقشات ورغم الكثير من إيجابياتها إلا أنها لم تكن في مستوى حمولة المرحلة الوطنية بعد انكشاف جديد لتداعيات اعتماد بلادنا على النفط، كان ينبغي الرهان على التخطيط الإقليمي لكي تحدد كل ولاية منظورها في التحول وفق رؤيتها السياحية الحاكمة، وهى السياحة المسؤولة، والتي يطلق عليها كذلك بسياحة العائلات، وقد توفقت بلادنا فيها تماما، لعدة اعتبارات جوهرية، أبرزها أن هذا النوع من السياحة يتناغم وينسجم مع المكون الثقافي العماني وحامله الديموغرافي، وبالتالي لن تظهر لنا مستقبلا اية اشكاليات مع بعدنا الثيولوجي من جهة، وكون هذه السياحة قد أصبحت ذات عائد اقتصادي مجزي أكثر من غيرها، والدليل، العائد الاقتصادي لخريف صلالة الذي بلغ 180 مليون ريال عماني في 40 يوما أو أكثر بقليل، وهذا يفتح لنا حجم الرهان على السياحة العائلية؛ لأن السياح المستهدفين للخريف هم العائلات العمانية والخليجية في المقام الأول، فكيف لو عرفنا حجم النمو العالمي للسياحة العائلية! فهو يمثل 12.5 بالمئة من سوق السياحة العالمي، ووصل حجم الإنفاق عليها إلى 137 مليار دولار في العام 2012، و140 مليار دولار في 2013"؟ وكيف لو عرفنا كذلك، أن سياح دول مجلس التعاون الخليجي يسهمون بأكثر من 31 في المئة من حجم السياحة العالمية. من هنا، علينا التأكيد على صحة هذه الرؤية وعلى انسجامها الداخلي وعلى تناغمها الكوني، من هنا لابد أن تكون بلادنا لاعبا أساسيا في قطاع السياحة العائلية ليس على المستوى الخليجي وإنما العالمي، ولديها أكثر من غيرها كل المقومات والإمكانيات التي تجعلها منطقة الجذب الأولى عالميا مع مراعاة التدرج في الاستهدافات.

الخليج أولا.. وبعد أن أوضحنا نسبته المئوية المرتفعة في السياحية العائلية العالمية، فهل تنفتح إستراتيجيتنا السياحية الجديدة على هذا النوع من السياحة؟ وانفتاحها ينبغي أن يكون في الرؤى والمفاهيم المبتكرة، مع التأكيد على صحة ما أقدمت عليه الإستراتيجية في تقسيم البلاد إلى 14 منطقة سياحية، ستأخذ الأولوية الأهم منها والمهم، لكن هذا ينبغي أن يكون في اطار التحول السياحي الجذري الذي يوحد المؤسسات السياحية بدلا من تعددها، وكأنها جزر منعزلة عن بعضها البعض، ويخلق التكامل بين مفردات السياحية المختلفة داخل المحافظة السياحية الواحدة، بدلا من التشوهات السياحية الحالية، ويربط حركة السياحة داخل بلادنا بمنظومة مغرية للأسر العمانية والخليجية في أسعار الفنادق وتذاكر الطيران الاقتصادي الجديد..إلخ.

ما ذكرناه، يفتح لأعضاء مجلس الشورى عندما تعرض عليهم الإستراتيجية كما وعدهم وزير السياحة، الفكر في الحكم على الإستراتيجية من ثلاثة ضوابط أساسية حاكمة لها، وهى، مستقبل عائدها المادي في الأجلين الزمنين: المتوسط والطويل، ومدى تحقيقها لرؤية السياحة المسؤولة/ السياحة العائلية، وهل من خلالها ستكون بلادنا الوجهة الأولى للسياحة العائلية؟ هذا جوهر المهمة المنوطة بأعضاء مجلس الشورى الآن، وهذا يدخل في صلب صلاحيتهم الرقابية، فغياب الرقابة والمساءلة قد أديا بسياسة التنويع الاقتصادي إلى الإخفاق في رؤية 2020، والآن تتوافر لمجلس الشورى أدوات رقابية، فلن يعذر أحد من ممارستها أبدا أو يستعاض عنها ببدائل غير برلمانية مهما كانت نتائجها؛ فحالات الإغراق التي دخل فيها الكثير من الأعضاء قد حولت الاهتمام الوطني بالسياحة من جوهره الإستراتيجي إلى المطالبة بتطورات معينة، ومن مجموع المصالح الوطنية الكبرى إلى المطالبة بقضايا جهوية، سوف تتحقَّق في إطار التحولات وليس التطورات. ومن هنا، يستوجب عودة بوصلة الاهتمام البرلماني بقطاع السياحة مما سبق ذكره وشرحه وتحليله.

هناك تتمة...!

تعليق عبر الفيس بوك