التجارة في عُمان بين المعقول واللا معقول

حَمَد العلوي

لقد ظل المواطن العُماني يشكو طوال العقود الماضية من تجارة اللا معقول، وسيظل يبحث عن الحلول في الجوار القريب، والسبب أن الجبل الصخري الصلد لا يستجيب، ترى متى يعي من بيدهم قرار حل عقدة العقد في التجارة، والبيع بالمفرد؟ هل عندما يصبح التسوق في بلاد الجوار فرضا واجبا، والتسوق في الوطن نافلة؛ وذلك نتيجة لظروف السواد الأعظم من السكان ؟ وإلى متى سنظل ندفع بالناس للذهاب إلى الأسواق المجاورة حتى في أبسط الأشياء، لأنها لا توجد في أسواقنا العُمانية؟

هذا، وإذا نظرنا إليها من حيث الكم والتنوع والسعر، فإننا سنسمع الكثير من القصص والعجائب التي عايشها البعض عيناً أو جربها قسراً، فتلك القصص تقف شواهد على وجود خلل في التنظيم والرقابة، على جشع بعض التجار المحليين، وصمت المسؤولين عن التجارة، وكل هذا الصمت يُدرج تحت مسمى "حرية التجارة، أو سياسة السوق الحر"؛ لذلك نرى طرقنا المتجهة إلى دول الجوار، وقد ضاقت بالسيارات أسبوعياً، أو اهترت من كثرة الاستعمال، وكل ما في الأمر، أنَّ الناس تبحث على مواد وأدوات ليست نادرة بالطبع، ولكنها الأرخص في السعر، والأوفر في الكم، وتشابه في الجودة.

إذن؛ نحن لا نطالب الحكومة بأن تعمل لنا ناطحات للنجوم مثل دول الجوار، فنحن لدينا مساحات شاسعة من الأرض، لن تضيق بنا إلى مئات السنين القادمة بإذن لله، ولكن إذا نظرنا من الشاطئ سنرى السفن التي تمخر البحار العُمانية، وهي تعبر من أمامنا ولفترة قد تصل إلى مدى أسبوع أو أكثر، وهي ذاهبة باتجاه دول الخليج لتفرغ شحناتها هناك، ثم تعود تلك الحمولة إلينا بالبر وبأسعار مضاعفة، وقد كان الأولى بنا وبها أي (السفن) أن نستقبلها في موانئنا، ونفرش لها أرضنا مخازن للتوزيع إلى دول الجوار، لكن حذارٍ أن تبيعوها عليهم بتسعيرتنا المحلية الحالية، وإلا ستظل البضاعة في مخازننا إلى أن تضطر حماية المستهلك أو البلدية إلى إتلافها، وسيظل المواطن يأتي بحاجياته من دول الجوار، وعليه أن يصطحب معه وصية سيدنا (أيوب) في صبره، وإلا سيعود من المعابر البرية بخفيه وحده، وسيعود ليسلِّم عنق محفظته الخفيفة، إلى من ليس له نظر إلا في الريال وحده، وسيظل هذا المواطن محبوساً بين ضفتي اليأس، إمَّا الصبر وإمَّا الدين، هذا إذا لم يبلغ الستين من العمر بعد، وإلا لن يجد حتى من يقرضه ريالا واحداً.

تُرى: هل عَقِم الفكرُ حتى لا نجد الحلول المناسبة لهذه المشكلة المستفحلة، والمنفرة للأسواق المحلية؟ أم أنَّ البعض يرى فيها مضيعة لوقته، طالما كان خيرها سيعود إليه أينما أمطرت؟! فهل نظل نضحِّي بجهد المواطن ووقته، وما تقع عليه من مخاطر الطريق، وحتى مخاطر وجهات النظر؟! وإلى متى سيظل الوضع هكذا؟ فبعضهم يجد المخرج بالقول إنها سياحة وتسوق، فوالله إنها ليست كلها كذلك، بدليل أنه إذا أردت أن تشتري جهاز هاتف نقال، فإنك ستكسب فارقا قد يصل إلى مائة ريال، أم تظنون أن هذا المبلغ لا قيمة له؟! وإذا أردت أن تشتري قطع غيار لسيارتك، فإنك ستربح فارقاً بضعفي سعره المحلي، أو ثلاثة أضعافه في بعض الأحيان، والأدهى والأمَرُّ من ذلك كله، عندما يقال لك سنطلب لك ذلك من عُمان؟! فعلاً إنه أمر عجيب وغريب أن تسمع هكذا كلام، فربما تظن أن هناك مؤامرة تحاك ضد الوطن، ولكن حينما تعرف الوضع تستبعد فكرة المؤامرة، فأنت تعلم أن مثل هذا التفكير أكبر من تفكير هذا البعض، ولكنهم يفعلون ذلك على طريقة (لقاط الرايحة) والبعض يسميه "الرقاط" وهذا المثال ينطبق على استغلال الفرص، طالما لا أحد يُسأل أو يُردع.

... إنَّ سياسة المماطلة التي تنتهجها بعض الجهات الحكومية لن تجدي نفعاً مطلقاً، والثابت من التجارب أن الأوطان لا تُبنى إلا بالجرأة والإقدام والمبادرة، وتهيئة البيئة المناسبة للرواد المبدعين من أبناء الوطن، وإن الحفاظ على مستوى معيشة كريمة، تكون في متناول السواد الأعظم من السكان، ذلك هو الأهم والمهم والضروري للناس، وهذا لا يتم إلا بمواءمة الأسعار وجعلها في متناول الفقير قبل الغني، أو متوسطي الدخل، ولكل إنسان أن يختار المستوى الذي يتوافق ووضعه المالي.

إذن؛ على المجلس الأعلى للتخطيط أن يرصد هذا الوضع المخل بالتجارة البينية، فالمسألة لا تحل بالترحيل، فالأسعار مرتفعة في كل شيء، وفي كل اتجاه.. وللمرء أن يتساءل كذلك: أين دور وزارة التجارة والصناعة، وغرفة تجارة وصناعة عُمان؟! وكذلك من حقنا، أن نتساءل أين دور مجلس عُمان في الرقابة على الجميع، فنحن نتحدث عن كيان دولة راسخة في التاريخ، وليست حالة عابرت وتنتهي بانتهاء الرحلة.. والله من وراء القصد.

تعليق عبر الفيس بوك