العلاقات أخلاق

مدرين المكتوميّة

يحرص كثير منا على أن تكون لوحة علاقاتنا مع الآخرين جميلة.. علاقة قائمة على الصدق والوفاء المتبادل والحب، لأن العلاقات هي كائن يكبر وينمو كلما اعتنيت به وسقيته بماء الإخلاص والمودة.. وربما تتعمق هذه العلاقة قليلا وتمتد فتتحول إلى صداقة بين الأسر وربما تتطور أكثر فتصبح ممهورة بدم التصاهر والنسب..

وقد ينتهي بها المطاف وتعصف بها الخلافات أو تبطئ من إيقاعها..

وأول نعش في مسمار الصداقة وحسن العلاقة مع الآخرين هو أن تنأى بنفسك بعيدًا عنهم أو أن تتعمد عدم التواصل معهم والوقوف على أحوالهم مما يجعل الطرف الآخر ينحو ذات المنحى فتضعف العلاقة ويصيبها الفتور.. هذه الفجوة هي بداية وهن حبل التواصل والمهدد الأول بسلاح النسيان، فالعلاقة الصحيحة هي تلك التي يبدأ الطرفان فيها باكتشاف الآخر، ومعرفة نقاط الضعف والقوة وتقبل الاختلافات، ولا يكون ذلك إلا بنشوء خلافات وزعل، ولكن سرعان ما تنتهي إذا ما سجّل كل طرف معرفة شافية بالآخر.

عندما يرتقي الفهم بالعلاقات عندها يمكن أن يعرف البعض أنّ الاختلاف لا يعني بأي حال من الأحوال عدم التفاهم، بل ربما يكون أحيانا رحمة، كما أنّه لا يعني بالضرورة فشل العلاقة، وطالما أن أنّ كلا الطرفين وصلا لمرحلة من العمق كبيرة جعلت كل منهما يتخذ الآخر صديقا فالمنطق يحتم علينا أن ننعض على هذه العلاقة الحسنة بالنواجز، وأن نمد أرضية التحاور والتفهم بيننا حتى تتكشف الحقائق وتزول المؤثرات السلبية التي عصفت بتلك العلاقة، حيث يعد الحوار أنجع وسيلة لنبذ الخلافات ومن ثم السير بالعلاقة قدما باعتبار أنّ لكل طرف مقدرة مسبقا على تقبل الآخر ومعرفة سالفة بطبائعه فالحوار بين الأصدقاء ليس كالحوار بين الأعداء الذين ربما تنعدم بينهم الأرضية المشتركة؛ وفي ظل هذه المعطيات يمكن للعلاقة أن تتوثق وتخرج من جديد بصورة أمتن وأقوى.

تهذيب النفس وإنصاف الناس من نفسك هو أول ركائز الصداقة الحقيقة، بجانب أنّ حسن التعامل وإيجاد المعاذير لهفوة صديقك هو ما يضمن استمرار العلاقات الجميلة؛ وكلما ارتقى الشخص بمستوى تعامله وحبه للآخرين أصبح محل اهتمامهم.. وقبل كل هذا يجب أن نكون على يقين من أنّ معرفة النفس وتعويدها على حسن الظن وتوخي الخير هي أيسر الطرق لاستدامة حسن العلاقات مع من حولك سواء في العمل أو في المنزل أو في محيط الصداقة.. فمن يحب بصدق وأخلاص فإنّ دواخله لا تعرف النكران أو الحقد.. فما أجمل أن نجعل قلوبنا نقية بيضاء وأن نفتح بداخلها مساحة للحب تتسع للجميع، وتأكد أنك لو فشلت في ذلك فستفقد القدرة على معرفة الآخرين لأنّ معرفة النفس محفوفة بمهالك كثيرة منها عجب النفس والهوى والتحيّز مع النفس (الأنا) وتضخيم الذات أكثر من اللازم لدرجة نصل فيها إلى الدوران حولها عشقا وهياما.

فلنحرص على أن تكون علاقاتنا جيدة مع بعضنا بعضا، ومع المجتمع من حولنا؛ لأن العلاقات الجيّدة تولد الأمن والاستقرار والمحبة والعيش في سلام بعيداً عمّا يُعكر صفونا ويجعلنا نعيش في توتر وعدم استقرار نفسي وتقلبات مزاجية تأخذ من الشخص وقته وراحته، ومن الأشياء التي أصبحت نادرة في زماننا هذا أن تكسب ثقة وحب الآخرين لك؛ لأننا نعيش في زمن تختلط فيه الأشياء مع بعضها، وتتغلب فيه الماديات والمصالح على النوايا الحسنة.

يجب أن نسعى لكسب الآخرين بمعيار قيمهم وأخلاقهم وطبائعهم لا من أجل المظاهر أو لتحقيق منفعة معينة ولا من أجل الوصول لهدف. وأن تكون علاقات الصداقة والمودة مبنية على الاحترام المتبادل والفهم المشترك وأن تشعر بالصديق في أوقات حزنه وفي غمرة فرحه أيضاً، فالعلاقات "أخلاق" قبل أن تكون مشاعر.

madreen@alroya.info



تعليق عبر الفيس بوك