مجلس الشورى.. والتفاعل مع حادث فهود عبري

د.عبدالله باحجاج

لم يَسْبِق في تاريخ فترات مجلس الشورى أنْ حظيتْ أية طلبات لمساءلة ومحاسبة وزير بأغلبية كبيرة من قبل اعضاء مجلس الشورى مثلما حَظِي طلب استجواب معالي وزير النقل والاتصالات على خلفية كارثة فهود/عبري، حاولنا معرفة العدد الحقيقي، إلا أننا وجدنا عليه تكتُّما شديدا، غير أن تغريدات أحدى الأعضاء البارزين تشير إلى 45 عضوا، علما بأن الطلب لا يحتاج سوى موافقة خمسة أعضاء فقط حتى يُمكن قبوله داخل مجلس الشورى للدفع به للحكومة، وهذا إجراء داخلي يُنظِّم عملية استخدام الوسائل والأدوات (الثمانية) التي أعطاها المشرِّع للأعضاء في مجال الرقابة على أعمال الحكومة.

وطلب استجواب الوزير من حيث إجرائه وحجم الموافقات عليه، يجعل القضية في سياقاتها الوطنية، دون أن يُصادر نتائج اللقاء المكتبي الذي ضمَّ معاليه مع مجموعة من بعض الأعضاء في محافظة ظفار ومحافظتين أخريين لهما علاقة بطريق أدم-ثمريت والطريق المتفرع عنه فهود-عبري، والذي تناولناه في آخر مقالاتنا بعنوان "القضية أكبر من لقاء مكتبي مع الوزير"، ولأنها أكبر تحظى الآن بأولوية مجلس الشورى، غير أنه من الأهمية بمكان البناء على نتائج اللقاء، على اعتبار أنه كان خطوة استكشافية أو تمهيدية لم ترض نتائجها أغلبية الأعضاء، كما لا تلزم حتى أعضاء اللقاء ما دامت الأغلبية الآن مع الاستجواب، ويرون القضية عامة وليست مناطقية، وهى فعلا كذلك بحمولتها المتعددة، وكذلك وراءهم رأي عام ضاغط يريد نتائج أكثر فاعلية وشمولية وسرعة وضمانة، عموما، القضية أصبحت الآن من ضمن أولويات مجلس الشورى بدليل تلك الأغلبية التي وافقت على وسيلة من أهم وسائل المساءلة والمحاسبة، وهى الاستجواب، فهى التي ستكشف الحقائق، ومن ثم ستجعل المسؤول أكثر التزاما في إفاداته وتعهداته، وأي خلاف بين الجانبين سيرفع مباشرة إلى المقام السامي. وهذا لا يمكن أن توفره اللقاءات المكتبية؛ لذلك من الإيجابية التي تخدم القضية البناء على نتائج اللقاء المكتبي على اعتبار أنه استكشاف ينبغي أن يخدم الاستجواب، ومن الإيجابية كذلك أن ننظر لطلب الاستجواب على أنه يندرج ضمن الممارسات الدستورية الصحيحة، وهو يعكس تفاعلية وحيوية الأعضاء، وتلكم الرؤى الإيجابية سوف تنضج الممارسة الشورية في بلادنا، فكرا وممارسة، وتحصن الفعل الشوري، وستجعله دائما محكومًا بمنظومة الوسائل والأدوات الرقابية، والأفعال الموازية التي يمكن اللجوء إليها لتحرير الوسيلة أو الأداة الرقابية من قيود البطء أو تمطيط الآجال الزمنية؛ لأنَّ القانون لا يلزم الجهات الحكومية بأجل زمني محدد، وقد استشهدنا في مقالنا السابق بواقعة الطالب في إحدى في مدارس صلالة، نؤمن بأنَّ هناك هامشا كبيرا للفعل الموازي في إطار ما تشيعه المناخات الدستورية لأعضاء مجلس الشورى من تصرفات وسلوكيات تخدم المصلحة الوطنية التي من أجلها يحملون تفويضا مفتوحا من المجتمع للدفاع عنها؛ وبالتالي فإن الفعل الموازي لا يمكن تقييده ولن يخرج صاحبه عن جوهر الممارسة الشورية، ولا أعتقد أنَّ الأعضاء سوف يلجأوون إليه في هذه القضية بعد أن عبَّروا بصريح العبارة عن ثقلهم الكبير وعن رؤيتهم الإيجابية لمشروع ازدواجية طريق أدم-ثمريت، وكذلك الطريق المتفرع عنه فهود-عبري، فقد اعتبروهما شأنين وطنيين بامتياز؛ لذلك حظيا بتلك الأغلبية وبسهولة، وكيف لا يحظيان بتلك الأغلبية الفارقة، وهما يشغلان اهتمامات وهواجس كل مواطن مهما كان مسقط رأسه بما فيه الطريق الفرعي، فطريق أدم-ثمريت يربط شمال البلاد بجنوبها، ويسهل على المواطنين عملية التواصل الاجتماعي والإنساني والترابي والحركة السياحية، ويعزز الحركة الاقتصادية في بلادنا، ويفتح السفر البري للخارج.. فكيف إذن لا يحظي بتلك الأغلبية؟ وهذه الأغلبية ترمي الكرة في ملعبين أساسيين الآن؛ أولهما: ملعب رئاسة مكتب مجلس الشورى، حيث يقع عليها أن تدفع بطلب الاستجواب فورا إلى الحكومة، وثانيهما: ملعب الحكومة؛ فلا مجال للبطء في هذه القضية؛ فوراء هذا الطلب غالبية، وقبل ذلك، وهو الأهم: أن الأوضاع المؤدية لمثل كارثة فهود-عبري لا تزال قائمة على نفس الطريق، والطريق الرئيسي أدم-ثمريت، وبالتالي كل شيء وارد -لا قدر الله- لو وقع مجددا -نسأل الله السلامة للكل- من سيكون المسؤول؟

إذن، كيف سيكون استجواب الوزير؟ القضية تستوجب فتح ملف السفر البري والجوي من مسقط إلى صلالة والعكس، ومن منظورين مهمين؛ هما: الأمن على الطرقات التي بعضها أصبحت توصف بطرق الموت خاصة بعد صدور قانون النقل البري مؤخرا، وكذلك سفرنا الجوي وفاتورته المالية المرتفعة، من هنا نتساءل: هل ينبغي استجواب كذلك المسؤولين عن الطيران العماني وآخرين معنيين بهذه القضية من كل جوانبها؟ فالبحث في المنظورين سوف يكشف لنا عدم الرضا عن السفر البري والجوي. والتساؤل الملح هنا: كيف لم يكن مشروع ازدواجية طريق أدم-ثمريت من بين أولويات الحكومة حتى الآن رغم المطالبات الاجتماعية منذ عدة عقود؟ وبعد حالة انتظار طويلة، يقسم مشروع الازدواجية إلى مجموعة حزم أول وثانية وثالثة. وأخرى لن تعرف النور لأنها غير مبرمجة زمنيا، قصة الحزم غريبة عجيبة، فوق عقلنا الاجتماعي وربما فوق فهم جغرافيتنا الإقليمية. وقصة العقود الزمنية التي ينتظرها هذا الطريق أغرب وأعجب؛ فالأموال كانت متاحة (منحة خارجية) منذ عقود، لكنها رحلت لمشاريع أخرى، والآن يدخل المشروع في قصة الحزم. كل هذا يعكس أن هذا الطريق لا يندرج ضمن الأولويات، فكيف سيتمكن المجلس من إقناع الوزير بأنه أولوية ذات شمولية بامتياز؟ ومن ثم لابد من خطة عاجلة تسرع بالازدواجية في الآجال الزمنية المعقولة دون الحزم الغارقة في الزمن، كما لابد من العمل السريع على تأهيل طريق فهود-عبري مهما كانت حجة أنه يخدم قرى، لكنه فعليًّا لم يكن كذلك، فهو قد أصبح مقصد كل العربات على مختلف أنواعها المتجهة للإمارات.. فهل يترك من منطق تلك الحجة؟! كما أن المصلحة العامة تقتضي فتح ملف الأسعار الداخلية لناقلنا الوطني المدعوم سنويًّا بالملايين من خزانة الدولة، وهل ينبغي أن يظل احتكاره الداخلي قائما؟ ونتطلع إلى أن يقوم الطيران الاقتصادي -الذي أُعلن عنه مؤخرا-بدور كبير على خط مسقط صلالة مسقط، مراعاة لمصالح المجتمع.

تعليق عبر الفيس بوك