إفريقيا القارة المنهوبة والمسروقة!

د. يحيى أبوزكريا

ما زالت الشركات الصهيونية والأمريكية والغربية تواصل نهب ثروة الألماس الإفريقية، وهي واحدة من أكبر السرقات الممنهجة والمدروسة في التاريخ البشري، وتُحقق هذه الشركات السارقة أرباحًا بمليارات الدولارات، والتي هي في الواقع رزق الأفارقة المنهوب ..!

وتعتبر القارة الإفريقية واحدة من أهم القارات التي حباها الله بثرواتٍ وموارد طبيعية لم تنضب بعد، رغم سياسة السرقة الغربية الممنهجة لخيرات إفريقيا، فقد قامت العديد من الدول الغربية التي احتلت إفريقيا بسرقة اليورانيوم والذهب والنفط والموارد الطبيعية الأخرى وهو الأمر الذي أكدّه عشرات الخبراء الغربيين. ومن الثروات التي وضع الصهاينة والغربيون أيديهم عليها في القارة السمراء الألماس الطبيعي وهو أغلى الأحجار الكريمة في العالم، وللإشارة فإنّ الألماس ينشأ من حادث عرضي تحت الأرض، فهو عبارة عن نوع من الكربون الطبيعي يسمى «الجرافيت» ويتميز بليونته. ولابد من العودة إلى نهاية القرن التَّاسع عشر وإلى تلك الأرض التي بدأت فيها المُغامرات وهي جنوب أفريقيا. ففي الثاني عشر من شهر مارس 1888م، أسس «سيسيل رود» شركة «دي بيرز» للتنقيب عن أول مناجم الألماس في البلاد، وقد تطورت الشركة على يدي «إرنست أوبنهايمر» وهو ابن تاجر يهودي ألماني كان قد قدم إلى إفريقيا لتكوين ثروة. وفي غضون بضع عشرات السنين تحولت «دي بيرز» إلى شركة عالمية تسيطر على سوق الألماس من دون منازع. وكي يفرض هيمنته على السوق، أسس «أوبنهايمر» مجموعة تجارية أطلق عليها اسم «منظمة البيع المركزية» وكان كل الألماس الخام تقريبًا يمر عبرها ومن خلال هذه الشركات وضع اليهود والغربيون أيديهم على أثمن بضاعة في عالم اليوم.
ومن أهم الشركات المُسيطرة على تجارة الألماس مجموعة شركات «دي بيرز» ثم دخلت شركات صهيونية وغربية أخرى على خط استخراج الألماس والاتجار به في جنوب إفريقيا وفي السوق العالمية وهو الأمر الذي جعل مجموعة دي بيرز تسيطر على 55٪ من مصادر الألماس الخام.
كما دخل على خط امتصاص خيرات إفريقيا تاجران يهوديان من الكيان الإسرائيلي أحدهما «ليفي لوفياف» وهو رجل أعمال من أصل روسي يتربع على ثروة مقدارها مليار يورو، والثاني شاب لم يتجاوز الثلاثين من العمر وهو حفيد «موشي شينيتزر» الذي أسس بورصة الألماس في الكيان الإسرائيلي وقد هاجما شركات «دي بيرز» في إفريقيا. ومع مرور الوقت أصبح الأمريكيون والصهاينة أهم المتحكمين في تجارة الألماس واستخراجه، ووضعوا اليد على أرض المناجم، ولجأوا إلى إقامة مصانع صقل وقطع الألماس في مكان اكتشافه.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الكيان الإسرائيلي يضم مدينة «رامات جان» أكبر مخابئ للألماس في العالم، التي يمكن وصفها بـ«مركز تجارة عالمي في استيراد وتصدير الألماس». و«رامات جان» مدينة داخل أخرى، وهي تخفي خلف مبانيها الزجاجية البسيطة كنوزًا من الحجارة الثمينة التي يصدر منها سنويًا عشرون في المئة من مخزون إسرائيل من الألماس. وقد بلغ ثمن ما باعته المحلات في «رامات جان» عام 2004م حوالي 6.5 مليار دولار.
ووصل النفود الأمريكي الصهيوني إلى ليبيريا، وسيراليون، والكونغو، وأنغولا. فأنغولا وحدها تنتج سنويًا ستة ملايين قيراط من الألماس تخسر فيها يوميًا حوالي مليون دولار بسبب التجارة غير الشرعية والتكالب الغربي الصهيوني على خيرات إفريقيا اللامعة.

ولم يتمكن الاتحّاد الإفريقي من وضع حدٍ للسرقة الممنهجة لخيرات إفريقيا وتجدر الإشارة إلى أنّه لم يكن سهلاً على الإطلاق تدشين لبنة الاتحّاد الإفريقي خصوصًا في ظلّ التنافس الأمريكي -الفرنسي المتأجّج حول القارة الإفريقيّة التي تعتبرها دوائر القرار والإستراتيجيا في الغرب القارة البكر أو القارة العذراء المزدحمة بالثروات الطبيعيّة والموارد الأوليّة غير المستنفذة وغير المستفاد منها. وكان الإعلان عن ميلاد الاتحّاد الإفريقي في قمّة ديربان في جنوب إفريقيّا بمثابة الانتقال من الفكرة إلى الفعل، من دائرة النظريّة إلى دائرة التطبيق، وقد أعلن القادة الأفارقة في هذه القمّة عن ميلاد الاتحّاد الإفريقي على أنقاض منظمة الوحدة الإفريقيّة التي تأسّست قبل حواليّ نصف قرن وترهلت وعجزت عن حلّ المشاكل السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعيّة والعرقيّة العالقة في إفريقيّا. وكانت منظمة الوحدة الإفريقيّة خليطاً من الرؤى والتوجهّات السياسية وأصبحت في فترة من الفترات مطيّة بيد الإرادات الدوليّة. وفي قمّة ديربان التي جمعت الزعماء الأفارقة جرى التأكيد على ضرورة تغيير النهج السياسي الذي كانت تنهجه منظمة الوحدة الإفريقيّة، بالإضافة إلى النهج السياسي، حيث قدمّ بعض القادة الأفارقة تصوراتهم لكيفيّة النهوض باقتصاديّات إفريقيا المُنهارة، من خلال آلية لدمقرطة الحيّاة السياسية في القارة الإفريقيّة. ورغم الطموحات التي واكبت انطلاقة الاتحاد الإفريقي إلاّ أنّ المراقبين لا يتوقعّون أن يختلف هذا الأخير عن منظمة الوحدة الإفريقيّة، والاختلاف الوحيد بين الاتحاد الإفريقي الراهن ومنظمة الوحدة الإفريقيّة الماضيّة هو في تراجع مراكز إفريقيّة إقليميّة نافذة في منظمة الوحدة الإفريقيّة وصعود مراكز إقليميّة ودول إفريقيّة أخرى ستلعب دورا في الاتحّاد الإفريقي المقبل.

ورغم تراجع التنميّة في القارة الإفريقيّة وانتشار الفقر بشكل مدقع وحالة التخلّف العارمة، إلاّ أنّ الإستراتيجية الغربيّة تعتبر إفريقيّا قارة المستقبل كما يسميّها بعض المفكرين الغربيين. والكلّ يعرف أنّ القارة السمراء تستحوذ على ثروات باطنيّة وظاهريّة لم يستغّل منها سوى 10 بالمائة. ولعلّ حرص المحاور المتكالبة على عالمنا العربي والإسلامي والثالث على إبقاء إفريقيا على ماهيّ عليه يعود إلى النيّة المبيتّة لوضع اليد على هذه الخيرات بدل أن تكون عوناً للإنسان الإفريقي المستضعف على تحقيق نهضته. وفي هذا السيّاق لا يجب أن ننسى أنّ الإشكالات الكبرى التي تعيشها إفريقيّا هي من مخلفّات الحركة الاستعماريّة التي بدأت في هذه القارة قبل خمس قرون، وكلما كانت حركة استعماريّة تنتهي كانت حركة استعماريّة أخرى تتولّى استرقاق إفريقيا وتسخير الناس فيها وسرقتهم من بيوتهم وبيعهم في أسواق النخاسة الغربيّة. ويمكن القول إنّ إفريقيا مرّت بثلاث مراحل، لكل مرحلة خصائصها ومميزاتها وهي على التوالي المرحلة الاستعماريّة، حيث جردّت الدول الاستعماريّة الإنسان الإفريقي من كل مقومّاته وحولتّه إلى مجرّد عبد مستعبد ماديّا وحضاريّا للغرب.

والمرحلة الثانيّة هي مرحلة الاستقلال الوطني الناقص حيث خرجت الحركة الاستعمارية بآلياتها الحربيّة لكنّها ظلّت بمفرداتها التغريبيّة من خلال الأقليّة التي أعدتها لخلافتها في حال وقوع الانسحاب التكتيكي. وهذه النخب التي تولّت الحكم لم تتمكّن من الارتقاء بالإنسان الإفريقي إلى المستويات الوسطى من النهوض، بل إنّ هذه النخب كرسّت التبعيّة ومكنّت الآخرين وأقصد هنا الغربيين من الاسترسال في ممارسة النهب المقننّ والمنظّم . وفي يوم من الأيّام قال مستشار الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتيران إنّ كل فرنك تدفعه فرنسا لإفريقيا كمساعدة تسترجع بدله 10 فرنكات.

والمرحلة الثالثة هي المرحلة الراهنة مرحلة الاتحّاد الإفريقي الذي يحاول أن يرسم لإفريقيّا رؤية جديدة ومنهجا جديدا يتمّ بموجبه خروج الإنسان الإفريقي من دائرة المغلوبيّة الحضاريّة إلى دائرة الغالبيّة الحضاريّة.

وقد جربّت إفريقيا ما فيه الكفاية مبدأ الاعتماد على المحاور الدوليّة لمساعدتها على الخروج من دائرة الانهيارات الكبرى في كل المجالات، وبدأ بعض القادة الأفارقة يعتقدون أنّه آن الآوان لتصحيح الأخطاء والرجوع إلى مبدأ الاعتماد على النفس والانطلاق من قدرات إفريقيا الذاتيّة لبناء إفريقيا الجديدة.

وقد تأكدّ هذا النهج الإفريقي بعد فشل مشاريع الحوار بين الشمال والجنوب والتي انتهت كلها إلى طريق مسدود، والتي أفضت إلى انتصار محور الشمال الذي تخندق تحت الإدراة الأمريكية والذي بموجبه أصبح عشرون بالمائة - من المستكبرين - يتحكمّون في مصير ثمانين بالمائة - من المستضعفين - . وقد بدأ قادة بعض الدول الإفريقية يعتقدون أنّ التعويل على الكبار الذين تسببوا في نكسة إفريقيا ماضيّا وراهنًا من شأنه أن يُديم الأزمات ويُعمقّها ومن شأنه أن يسببّ الكساد لإفريقيا، وهذه القناعات برمتها هي التي أملت تأسيس الاتحّاد الإفريقي الباحث عن دور في زمن العولمة الأمريكية!.

تعليق عبر الفيس بوك