جهود حثيثة لمنع إساءة معاملة الأطفال والحد منها في السلطنة

مسقط- الرؤية

تولي السلطنة اهتماما متزايدا بالأطفال، وتضمن لهم حقوقهم الإنسانية؛ إذ قامت بالتصديق على اتفاقية حقوق الطفل في عام 1996، ويتضمن النظام الأساسي للدولة (الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 101/96)، وكذلك قانون الطفل العُماني الصادر بمرسوم سلطاني رقم (22/2014) الاهتمام بحقوق الطفل، حيث يتكون القانون من 13 فصلا و79 مادة تتطرق إلى حقوق الطفل الصحية، والاجتماعية، والتعليمية، والثقافية متضمنة احتياجات الأطفال ذوي الإعاقة وحقوقهم.

وتغطي الفصول الخمسة الأخيرة المساءلة الجزائية، وتدابير الحماية، وآليات الحماية، العقوبات والاضرار المدنية. وتنص المادة (63) أنّ على الأطباء والمعلمين وغيرهم من الأشخاص الذين يصل إلى علمهم بحكم مهنهم أو وظائفهم أو أعمالهم معلومات بشأن عنف أو إستغلال أو إساءة لأي طفل أو انتهاك لأي حق من حقوقه المنصوص عليها في هذا القانون إبلاغ لجان حماية الطفل.

وأوضحت الدكتورة موزة بنت ناصر الحاتمية رئيسة قسم صحة الطفل بدائرة صحة المرأة والطفل بوزارة الصحة، في تقرير حول هذه القضية أن إساءة معاملة الأطفال تتمثّل في حالات الإيذاء والإهمال التي يتعرّض لها الأطفال دون سن 18 سنة، وتشمل تلك الظاهرة جميع ضروب إساءة المعاملة الجسدية والعاطفية والإيذاء الجنسي والإهمال والاستخفاف والاستغلال التجاري أو غيره من أنواع الاستغلال، التي تتسبّب في إلحاق أضرار فعلية أو محتملة بصحة الطفل وتتهدّد بقاءه على قيد الحياة أو نماءه أو كرامته. ويمكن أن يمارس هذا في البيوت، والمدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى، بالإضافة الى أنظمة الرعاية، ومكان العمل وكذلك في المجتمع.

وإساءة معاملة الأطفال من المشكلات العالمية التي تؤدي إلى عواقب وخيمة مثل الموت، والتعرض لإصابات خطيرة، مصحوبة بعواقب طويلة الأمد تؤثر على حياة الطفل في المراهقة وعائلته، والمجتمع بشكل عام. كما ويرتبط الاعتداء بضعف في التحصيل التعليمي للضحايا وبآثار اقتصادية طويلة الأمد.

وبالرغم من إجراء العديد من المسوحات الوطنية، إلا أنه لا يزال نقص البيانات بخصوص العديد من البلدان قائما، ويرجع ذلك إلى أن إساءة معاملة الأطفال من المسائل المعقدة التي تصعب دراستها أو رصدها. وثمة تباين واسع بين التقديرات الراهنة - وذلك حسب البلد- وأسلوب البحث المنتهج. وكذلك هو الحال في السلطنة؛ حيث يعد المدى الحقيقي لمشكلة سوء معاملة الأطفال مخفي لأسباب عدة، منها الافتقار الى نظام موحد للتبليغ عن حدوث واقعة، وتخوف مقدمي الرعاية الصحية الأولية من تعرضهم للعقاب عند الكشف عن شخص مسيء في عائلة ما، وتخوف الآباء من الشعور بالعار إذا ما وقفوا بمفردهم ضد التقاليد الثقافية الثابتة. كما أنّ حقيقة ترسخ بعض من الممارسات في المجتمع والمقبولة ثقافيا لدرجة عدم اعتبارها سوء معاملة إحدى تلك الأسباب.

ومن هذا المنطلق يمثل التصدي لمشكلة الإساءة للأطفال مسؤولية مشتركة بين عده جهات، ويتحمل القطاع الصحي فيها دورا محوريا في وقاية وحماية الأطفال من الإساءة تتلخص في مسؤولية الكشف المبكر والتبليغ عن حالات الاهمال والإساءة وتقديم الخدمات العلاجية والتأهيلية والوقائية الضرورية للطفل وأسرته. وقطعت وزارة الصحة، ممثلة في دائرة صحة المرأة والطفل، شوطًا في هذا المجال؛ حيث دشنت ومنذ عام 2007 نظام إبلاغ من أجل تحسين توثيق قضايا حالات الإساءة ضد الأطفال من المؤسسات الصحية التابعة لوزارة الصحة، بالإضافة إلى تشكيل فريق عمل وطني لحماية الأطفال من الإساءة يضم في عضويته ممثلين من كل من وزارة الصحة، وأطباء الأطفال من المستشفى السلطاني ومستشفى جامعة السلطان قابوس؛ حيث يعقد الفريق اجتماعات دورية لمراجعة الحالات المبلغ عنها ووضع التوصيات بشأنها وتحليل البيانات ليتم بعدها وضع قاعدة بيانات.

ومن أجل تعزيز الكفاءة المحلية لمقدمي الرعاية الصحية وإبراز دور القطاعات الأخرى في التعامل مع حالات الإساءة بادرت وزارة الصحة وبالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" وبالإستعانة بخبرات خارجية بعمل استراتيجية متعددة القطاعات؛ حيث زار الخبير الدكتور ستيفن ج. اتوود زميل الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال السلطنة من الفترة 30 أبريل إلى 7 مايو 2015، تعرف خلالها على الوضع الصحي في السلطنة والخدمات الصحية المقدمة للأطفال ضحايا الإساءة، كما زار عددا من القطاعات المعنية مثل وزارة التنمية الاجتماعية، وزارة التربية والتعليم، والمجلس العماني للاختصاصات الطبية. كما التقى بالكثير من المختصين في هذا المجال. وتم الانتهاء من إعداد المسودة المبدئية "استراتيجية منع الإساءة ضد الأطفال والحد منها في عمان"، وجار العمل خلال الفترة الحالية على مراجعتها من قبل الجهات المعنية. وتهدف الاستراتيجية بالإجمال إلى تعزيز تنشئة الطفل في بيئة سليمة كليا لا يصاحبها إهمال أو أذى بدني، أو عاطفي، أو جنسي، وليكون بمأمن من آثار الضغوطات المدمرة من قبل أن يولد وحتى نهاية مرحلة المراهقة.

تعليق عبر الفيس بوك