لماذا تأخر كثيرا .. تطور التعليم في بلادنا؟

العين .. الثالثة

د. عبد الله عبد الرزاق باحجاج

 

كان يُفترض أن نلمس هذا التطوير الآن، فهناك توجيهات سامية منذ عام 2011 بتقييم وتطوير التعليم، ومن ثمّ بُذلت جهود كبيرة، صرفت عليها بالتأكيد مبالغ مالية كثيرة، فأين نتائجها؟ ربما يكون التطوير قد حدث في مجالات مُحددة (ربما) لكنه بالتأكيد ليس هو المأمول، كما أنّه (إن وجد) فهو لم يلامس الاختلالات البنيوية لقطاع التعليم، فمتى سترى نتائج تلك الجهود النور؟ ولماذا يتم التحفظ عليها حتى الآن؟

· دواعي التطوير العاجل:

قد أصبحت معلومة بالضرورة، والمثير فيها، تصنيف بلادنا من الدول الخمس الأسوأ عالمياً في مجال التعليم، فهل هذا التصنيف تجنٍ على بلادنا؟ بمعنى هل وراءه استهداف خارجي؟ واقع الحال المطلع عليه كل عُماني، يحمل في طياته اختلالات بنيوية في منظومة التعليم في بلادنا وفي نُظمها المختلفة، مما يترتب عليها مجموعة تداعيات في الآلاف من المخرجات السنوية، وبالتالي، فإنّ الإحراج الناجم عن التصنيف ينبغي ألا يُشكل شغلنا الشاغل بقدر ما يشغلنا الواقع نفسه، فنحن لا يهمنا هنا الإحراج أو مدى مصداقية هذا التصنيف وخلفياته، وإنما الفعل وفارقه الزمني،، المغيب،، وهو الذي يثير التساؤل، ويستفز الوعي.

التساؤل يدور حول مدى رضانا عن التعليم في بلادنا؟ فليطرح هذا التساؤل كل واحد منّا على نفسه، لن نبحث عنها في التراكمات، فهي معلومة للكل، ولن نُحدد ماهيتها، فهي معلومة كذلك للكل، وإنما سأركز على آخر مشهدين سجلناهما مؤخرًا، الأول، استمرار بعض المُعلمين وأغلبية الطلبة في بعض المدارس، ونحسبها كلها بما فيها المدارس الخاصة - الحالة الظفارية أنموذجاً - في تعطيل النظام التعليمي عبر مواصلتهم عطلة نهاية الفصل الأول لمدة أسبوع إضافي، دون أن يُقدم النظام التعليمي على محاسبتهم أو العمل مسبقاً على تفادي هذه الظاهرة المتكررة سنويًا، فهذا الشلل الإداري يعكس نموذجاً للأزمة التعليمية في بلادنا، والثاني، انتهاء الفصل الأول دون أن تتمكن العديد من إدارات المدارس من الانتهاء من مقرراته، والسبب، الإفراط في الأنشطة على حساب المقرر، واستنزاف الوقت الناجم عن تعطيل المدارس،، فعلياً،، أسبوع قبل أية عطلة وأسبوع آخر بعد الانتهاء ... فهل هذان النموذجان يساهمان في صناعة مخرجات تعليمية منتجة ومبدعة وملتزمة ووطنية؟ فكيف لو أضفنا إليها بقية العوامل الأخرى المعروفة بالضرورة؟

*تساؤلات .. الرؤية الإستراتيجية 2040.

س: هل النظام التعليمي الحالي في بلادنا يتلاءم مع الرؤية المستقبلية للبلاد 2040؟ وهي رؤية مستقبلية شاملة لتطوير السلطنة من كل النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، إذا، الحاجة إلى تطوير التعليم ضرورة لا تؤجل، وهي عاجلة إذا ما أردنا لعملية التطوير الشاملة أن تؤتي ثمارها، ودون الإسراع بتطوير التعليم، فإنّ الرؤية الإستراتيجية ستفقد أحد أهم مفاعليها النووية لإحداث التطوير الشامل، فالتعليم الحالي لا يتناغم مع مقتضيات الرؤية، كيف؟ فالرؤية الشاملة لتطوير البلاد، تهدف على وجه الخصوص لتحقيق معدلات مشاركة أكبر للقوى العاملة الوطنية بدلاً من الاعتماد على القوى الأجنبية التي تشغل ما نسبته (75%) من القوى العاملة، فهل التعليم في بلادنا ينتج لنا مخرجات للإحلال من حيث الكم والنوع؟ وتهدف الرؤية كذلك الانتقال من الاقتصاد المعتمد على النفط والغاز إلى الاقتصاد المعرفي، فهل هذا التعليم يؤهل البلاد لهذا النوع من الاقتصاد ؟

*إيجابيات .. محل تقدير

الحديث عن ضرورات التطوير الشامل والمتكامل، وعن قضية تأخيره، لا تعني أبدًا أننا نقفز فوق الإيجابيات الكثيرة التي تحققت طوال العقود الماضية، سواء من حيث توفير التعليم أو نشره أو وضع البنية الأساسية، والتكافؤ بين الجنسين .. إلخ أو نتجاهل الجهود الكبيرة التي تبذل من قبل منظومة التعليم الثلاثية في بلادنا، وتلكم الإيجابيات هي الأساس الذي بدونه لا يمكن الحديث عن التطوير، لكن، هل ينبغي أن نترك الاختلالات البنيوية العميقة دول حل؟ لا يمكن أبداً، فرهان بلادنا التاريخي والمعاصر لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.. سيظل قائمًا على التعليم الجيد .. إلخ فاعطونا تعليماً ينتج عقلاً وفكراً .. ويرسخ ديمومة الولاء والانتماء .. فسنقول لكم شكراً جزيلاً.

الخاتمة :

تقلقنا كثيراً، نسبة ما تحت العشرين سنة من مجموع ديموغرافيتنا، فقد حددتها إحدى الإحصائيات (48%)، وهذا في حد ذاته يفتح قضية تطوير التعليم الشامل والعاجل، ويقلقنا كثيرا وقف التوظيف بسبب الأزمة النفطية، وعدم قدرة شبابنا على منافسة الأجانب في العمل في القطاع الخاص لأسباب عديدة منها ما يتعلق بالتعليم نفسه ومنها ما يخص الوافدين أنفسهم الذين يضعون العراقيل أمام شبابنا، ومنها ما يتعلّق بأصحاب الشركات العمانية الذين يفضلون الأجنبي على المواطن .. إذًا ما الحل؟ هل سنترك التعليم ينتج لنا قوى عاطلة ومعطلة أم نسارع في تطويره من أجل اقتصادنا الجديد ومن أجل الحفاظ على الواقع الاجتماعي الذي تستمد منه بلادنا قوتها الداخلية؟.

تعليق عبر الفيس بوك