تطورات الساحة السورية تنذر بتفجيرات أخرى في المنطقة

عبيدلي العبيدلي

دخلت ساحة الصراع في سوريا مرحلة معقدة تنذر باستمرار الصراع واتساع نطاقه، وانتقاله إلى مناطق عربية أخرى، بفضل التطورات التي عرفتها موازين الصراع بين مختلف الأطراف من جانب، ودخول لاعبين جدد من جانب آخر.

فعلى مستوى موازين القوى لا شك أن التدخل الروسي العسكري في الحرب، وعلى النحو المكثف الذي قام به سلاح الجو الروسي، حقق الكثير من المكاسب الميدانية لصالح نظام بشار الأسد الذي وجد نفسه أنه لم يعد هناك ما يحفزه على القبول بمشاريع سياسية لا تحقق استمرار تشبثه بالسلطة، خاصة في حال رفض المعارضة خفض سقف شروطها التي تمسكت بها في محادثات جنيف3، وكانت من الأسباب الرئيسة في إفشال تلك المحادثات وتعليقها.

ترافق ذلك مع امتعاض أمريكي من تطورات الموقف الروسي عبر عنه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، عندما رفض الروس الاستجابة لمطالبته "بوقف فوري إطلاق النار، وكف الجيش النظامي السوري عن الاستمرار في تقدمه باتجاه حلب".

على نحو مواز كشف رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو عن " قصف الجيش التركي بالمدفعية قوات كردية شمالي سوريا وطالبها بالانسحاب من مناطق سيطرت عليها مؤخرا". وجاء ذلك معارضا لطلب واشنطن من تركيا بالكف "عن قصف الأكراد، والتركيز عوضا عن ذلك على محاربة التنظيم المعروف باسم (الدولة الإسلامية)."

في الوقت ذاته وصلت إلى قاعدة انجرليك، في تركيا، "نحو 20 طائرة حربية سعودية بينها قاذفات ومقاتلات من نوع (إف-15)" وأكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير "إن أي قرار تتخذه المملكة لنشر قوات خاصة في سوريا يرتبط بالقتال الذي يقوم به التحالف بقيادة واشنطن ضد تنظيم داعش، منوها إلى أن "استعداد المملكة لإرسال قوات خاصة لأي عملية برية في سوريا يرتبط بقرار وجود عنصر بري لهذا التحالف ضد تنظيم داعش في سوريا، مشيراً إلى أن توقيت إرسال هذه القوات لا يرجع للسعودية"، وحدها. ولم ينس الجبير أن يرد على الاتهامات الإيرانية للسعودية التي وجهها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في مقابلة تلفزيونية سابقة، واصفا إياها "بالداعمة للإرهاب في المنطقة"، بـ "المضحكة"، وأردفها بتساؤل يحمل في طياته تحميل طهران "مسؤولية دعم الإرهاب في المنطقة، والتدخل في شؤونها الداخلية".

وفي سياق التلاسن السعودي - الإيراني بشأن ما يجري في سوريا من أحداث، أعلن نائب قائد أركان القوات الإيرانية، الجنرال مسعود جزائري، "أن طهران لن تسمح للدول غير المسؤولة بتصعيد الوضع في سوريا، متوقفا في سياق حديثه عند دور المملكة العربية السعودية"، مضيفا أن طهران وموسكو تواصلان تنسيق جهودهما السياسية والعسكرية في سوريا".

وبعيدًا عن المشاركة المباشرة في القتال الدائر في سوريا، لكنه مرتبط به، بادر العراق إلى "إرسال قوات مسلحة كبيرة إلى الحدود مع السعودية لمراقبة التدريبات العسكرية التي تجريها المملكة مع عدد من الدول المختلفة." وأتبع ذلك بتحذير من عضو لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي، ممثل كتلة "ائتلاف دولة القانون" عدنان الأسدي، "للرياض بالرد على أي اختراق للأجواء العراقية من قبل الطائرات السعودية، (مضيفا) أنّه بالتنسيق مع الجهات الأمنية فإنّه تمّ إرسال قوة عسكرية كبيرة لمراقبة تلك التحركات قرب الحدود العراقية - السعودية".

كل هذه التحرّكات الطارئة في الساحة السورية، والتصريحات التي سبقتها أو رافقتها تنذر أنّ الأمور في سوريا سوف تأخذ منحى مختلفا نوعيا عن ذلك الذي سلكته منذ اندلاع الصدامات العسكرية فوقها، وأنّها سوف تمتد كي تشمل دولا أخرى في منطقة الشرق الأوسط. وعليه فإنّ هناك مجموعة من السيناريوهات، لن يكون وقف القتال والوصول إلى حلول سياسية سلمية من بينها. ويمكن رصد الأكثر احتمالا منها في النقاط التالية:

1. اضطرار السعودية إلى الدخول العسكري المباشر في المعارك الدائرة هناك، سيؤدي إلى تشتيت قوى السعودية نظرا للأثقال التي فرضها عليها تدخلها في اليمن. وهذا من شأنه، في حال أمد ذلك التدخل أن ينعكس على الأوضاع الداخليّة السعودية، إلى درجة يصعب تقدير دائرة تأثيراته في هذه المرحلة المبكرة من التدخل، لكنّها بدون شك يحدث تحولا نوعيا في بنيان النظام السعودي.

2. سوف تغتنم طهران فرصة تركيز الرياض على تلبية احتياجات التزاماتها في اليمن وسوريا، كي تعيد التحرّش بالمملكة من جديد، إمّا عن طريق حشد قوات عسكرية على الحدود العراقية - السعودية، أو بإثارة القلاقل الداخليّة في شكل احتجاجات، لكنّها لن تكون سلمية في هذه المرحلة.

3. توتر في العلاقات الأمريكية - السعودية، نظرًا لعدم تطابق مشارعيهما في المنطقة، وخاصة في اليمن وسوريا، حيث يبدو ميلان واشنطن الواضح نحو الكفة الإيرانية على حساب التحالف الاستراتيجي التقليدي مع الرياض. وما يؤجل الإفصاح المباشر عن هذا الميلان، أو انفجار ذلك التوتر، هو التحالف الإيراني- الروسي الذي تخشى واشنطن في حال تحقيق تقدم له على أرض المعارك، أن يبيح لموسكو تثبيت أقدامها في منطقة الشرق الأوسط.

4. محصلة كل ذلك، استمرار نظام الأسد في تعزيز مواقع على أرض المعارك، الأمر الذي يبيح له وضع شروط قاسية جديدة، لا تملك الأطراف الأخرى سوى القبول بها، وهذا من شأنه خلق نوع من الفوضى السياسية التي تنذر بتكرار تفجر الصدامات المسلحة، بين الحين والآخر، إذ يصعب هنا الحديث عن تسوية سياسية راسخة الأركان، قادرة على إعادة الاستقرار لسوريا.

جميع هذه السيناريوهات تقودنا نحو طريق واحد ينذر بتفجير ما يجري في سوريا لصدامات أخرى في المنطقة العربية، تقود نحو مرحلة ليست بالقصيرة، من الفوضى وعدم الاستقرار والصراعات الداخلية الدموية المتكررة، تستنزف القوى الاقتصادية والسياسية العربية، وتفسح في المجال أمام تفوق إيراني من جانب، وقضم إسرائيلي لأراض عربية جديدة من جانب آخر.

تعليق عبر الفيس بوك