أحبك

خالد بن علي الخوالدي

Khalid1330@hotmail.com

احتفل العالم يوم أمس الأول بيوم الحب أو عيد الحب ومهما اختلف بعضنا أو اتّفق مع هذه المناسبة إلا أن ما يهمني في هذا المقال هو الحديث عن (الحب) الذي يُعتبر القيمة الأكبر في الحياة التي عن طريقها نعيش ونتنفس وننعم بنعم الله الوافرة، فالحب أنشودة عذبة تخرج من قلوب الصادقين، وبالحب تسمو الحياة إلى مراتب العلا والرفعة، وعندما خلت بيوتنا من (الحب) ضاع حالنا وتفككت أسرنا وأصبحنا مشتتين وتكالبت علينا الهموم والغموم، فالحياة لا تستقيم إلا بالحب رضي من رضي وأبى من أبى.

بالحب انتشرت رسالة الإسلام الخالدة وبالحب استظل الصحابة الكرام وقدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله تحت قيادة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال له رب العزة (﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) وبالحب نستيقظ لصلاة الفجر ونترك الفراش البارد، ويوم ينتهي الحب تتبلد المشاعر وتجف ينابيع الرحمة وتنتشر القطيعة وسوء الظن وتعبس الوجوه وتكفهر، وعندما ارتبط عندنا الحب بالعيب تبلدت مشاعرنا وأحاسيسنا وتهنا فلا ندري عن ماذا نبحث وأصبح الحب سلعةً رخيصة مهانة وموضة قديمة أكل عليها الدهر وشرب.

نعم لقد أصبح الحب سلعة رخيصة وكلمة (أحبك) موضة قديمة حسب كلام أحدهم عندما طلبت منه زوجته أن يقولها لها وبأنّه أكبر من أن يقولها بعد أن مضى قطار الحياة الزوجية بهما سنوات عديدة وإنها تقال وتكثر فقط في نظرهم عند الخطبة (عندما تكون الألسنة رطبة) وفي الأفلام وقد قرأت لإحداهن وهي تقول بكل أسف (أنا لم أسمع هذه الكلمة من زوجي على مدار سبع وعشرين سنة إلا مرات تُعد على الأصابع! مع العلم بأن زوجي رجل من أطيب ما يكون) وزدت أسفًا حينما عَلّقَتْ أخرى عليها فقالت (أختي: قد تحمدين الله أن زوجك قال لك (أحبك) ولو مرات تُعد على الأصابع ـ أو حتى في لحظات حميمية ـ عندما تعلمين أنني زوجة منذ ثماني عشرة سنة ولم أسمع كلمة (أحبك) من زوجي إلا مرة واحدة.. وعندما طلبتها منه بإلحاح !!)، ومنا وفينا من إذا عطفت ورحمت ولنت في الكلام لزوجتك أو أختك أو بنتك يتحدثون عنك بأقبح الألفاظ ويتهمونك في شخصيتك وبأنّك نصير للمرأة وكأن المرأة وحش وكائن لا يمت إلى كوننا وحياتنا وعلى الرجل أن يكون شديداً غليظاً مع النساء حتى لا يكون خاتماً في يدها حسبما يفكرون لأنّهم يتصورن أننا نعيش في غابة لابد فيها من منتصر والبقاء للأقوى، وتبعاً لهذا تطبعت بعض النساء وأصبحن يشاركن الرجال تبلد المشاعر وقساوة القلب فلا يسمع الزوج منهن إلا قالت فلانة وقالت علانة وهات وهات.

وللأسف أصبحت بعض البيوت كأنّها ثكنة عسكرية فلا تسمع فيها إلا الأوامر والنواهي وتخلو من حياة محمدية راقية تشع فيها معاني الحب والرحمة، وأصبحت كلمة مثل (أحبك) مبتذلة ومهانة وتفتقدها الأسر، ولم يعلموا أنّ الحبيب المصطفى يقولها حتى لأصحابه حيث ثبت أنّ النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم قد قال مرة لمعاذ رضي الله عنه : " إنّي أحبك " فقال معاذ رضي الله عنه : " وأنا أحبك " وكان عليه السلام يحرص كل الحرص أن يتبادل الأحباب في بينهم هذه الكلمة الشفافة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَأعْلَمْتَهُ ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: اعْلِمْهُ، قَالَ: فَلَحِقَهُ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ) وكان يصرح بحبه لزوجاته ولا يستحي مثلنا فعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: بعَثَني رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على جيشِ ذاتِ السلاسل، قال: فأتيتُه قال: قلتُ: يا رسولَ الله، أيُّ النّاس أحبُّ إليك؟ قال: (عائشة) ، قال: قلت: فمِن الرِّجال؟ قال: (أبوها)، قال: قلت: ثُمَّ مَن؟ قال: (عمر) ، قال: فعدَّ رِجالاً(.

أحبتي كل كلمات الأنس والإعجاب والتصرفات المُعبرة عن حبنا لها أثر لكنها تظل عبارات غير صريحة فمهما بالغنا في اختيار الكلمات الرائعة أو قدمنا من الهدايا الغالية، إلا أن حبيبك من زوجة أو زوج أو ولد أو صديق لن تملأ جوانحه أو تسكن نفسه إلا حينما تقول له (أحبك).

هي (كلمة) واحدة لكنها تشكل فارقًا كبيراً فاحرصوا على انتقاء كلماتكم فالإنسان الأنيق في تعامله وحديثه يقتحم أعماق من يُقابله ويحظى باحترام الجميع فلا تبخلوا بمشاعركم وأحاسيسكم واعلموا أن سقوط بعض الأزواج أو الزوجات في التعاسة والكآبة والهم والنكد والأخطاء قد تكون نتيجة تبلد المشاعر، ودعوة مني أن يُرسل كل من يقرأ المقال لمن يحب (أحبك) ، ودمتم ودامت عُمان بخير.

تعليق عبر الفيس بوك