قراءة في إحصائيات هيئة حماية المستهلك 2015م

د. محمد بن حمد العريمي

أوضحت المؤشّرات الإحصائيّة السنويّة الخاصّة بالهيئة العامّة لحماية المستهلك للعام 2015 جملة من النتائج والإحصائيات والمؤشّرات التي ينبغي الوقوف عندها بتمعّن ومحاولة استقراء النتائج المُتعلّقة بها، فقد بلغ إجمالي الشكاوى والبلاغات المسجلة في كافة إدارات الهيئة العامة لحماية المستهلك بالسلطنة خلال العام حوالي 19000 شكوى وبلاغ، مقارنة مع حوالي 22800 شكوى وبلاغ في عام 2014، و37408 في عام 2013.

وأتت قطاعات السيارات وخدماتها، ثم قطاع الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، ثم قطاع الهواتف وخدماتها على رأس القطاعات الأكثر عدداً من حيث الشّكاوى المقدّمة، وهي نفس القطاعات التي حازت على النسبة الأكبر في إحصائيّات عاميّ 2013 و2014.

أمّا بالنسبة لوسائل تقديم الشّكاوى والبلاغات، فقد تمّ تقديم حوالي سبعة آلاف شكوى وبلاغ عن طريق صالة الخدمات، بينما لجأ 2431 مستهلكاً إلى مركز الاتصالات، بينما بلغ عدد البلاغات التي قدّمت عن طريق تطبيق المستهلك الإلكتروني 251 شكوى وبلاغا، و546 عن طريق البوّابة الإلكترونيّة، و251 عن طريق المكتب المتنقّل.

وتضمن التقرير كذلك ضبط6141 مخالفة مقارنة بــ 6388 في عام 2014، و6009 مخالفات في عام 2013م، كان على رأسها المخالفات التي تتعلق بعدم وضع الأسعار الخاصة بالسلع والخدمات، وبيع سلع منتهية الصلاحيّة، ورفع الأسعار بدون موافقة الهيئة.

كما بلغ إجمالي السلع المضبوطة على مستوى السلطنة حوالي نصف مليون سلعة، جاءت المواد الغذائيّة على رأس قائمة هذه السّلع، يليها التبغ الممضوغ وغير المدخن بأنواعه، ثم السجائر المخالفة للمواصفات والمقاييس، مقارنة بمليون ونصف المليون سلعة خلال عام 2014، ومليونين و690 ألفًا و387 سلعة عام 2013.

وأشار التّقرير إلى أنّ الهيئة استطاعت حل 15014 شكوى وبلاغاً مقارنة بـ 18764 في عام 2014، وأحالت 1282 إلى الادعاء العام، وجارٍ بحث 2719 شكوى وبلاغا.

أما على مستوى القضايا والأوامر الجزائيّة والغرامات الماليّة، فقد حكم القضاء لصالح المستهلك في 621 حكماً مقارنة بـ562 حكماً في عام 2014، كما بلغ إجمالي الأوامر الجزائيّة 546، مقارنة بـ1442 في عام 2014، وبلغت قيمة الغرامات الماليّة حوالي 380 ألف ريال عماني مقارنة بـحوالي 337 ألف ريال في عام 2014، بينما بلغت قيمة المبالغ المسترجعة لصالح المستهلكين حوالي مليونيّ ريال عماني.

كما بلغ عدد الدورات التدريبيّة والبرامج التأهيليّة التي نفّذتها الهيئة لرفع كفاءة موظّفيها 486 دورة استفاد منها حوالي 1644 موظّفاً، مقارنة بـ341 دورة تدريبيّة في عام 2014، و248 دورة في عام 2013.

من خلال الإحصائيّات والمؤشّرات السّابقة يمكن أن نستقرئ عدداً من النّتائج والدّلالات لعلّ من بينها: انخفاض عدد الشّكاوى والبلاغات المقدّمة للهيئة عن الأعوام السّابقة، ولعلّ ذلك يعود إلى عاملين مُهمّين، الأوّل يتعلّق بازدياد وعي المستهلك وثقافته الاستهلاكيّة الإيجابيّة نتيجة حملات التوعية والتثقيف المستمرّة التي تقوم بها الهيئة، ولاطّلاعه اليوميّ على أخبار الضبطيّات التي تنفّذها الهيئة والتي تحوي جوانب مفزعة من التجاوزات التي تضرّ بصحّة وسلامة المستهلك، وقد يعود السّبب الآخر إلى حذر (بعض) المزوّدين ومقدّمي الخدمات من القيام بعمليّات التلاعب والغشّ والتدليس والتقليد والتزوير نتيجة ازدياد وعي المستهلكين، وخوفاً من العقوبات التي يتعرضون لها جرّاء الرّقابة والمتابعة الشديدة لكوادر الهيئة لهذه الحالات، وأخذ العبرة والعظة من قضايا سابقة مشابهة تم ضبطها وتسليط الضّوء عليها في الفترة السّابقة.

كما نلاحظ كذلك أنّ قطاعات السيارات وخدماتها،و قطاع الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، وقطاع الهواتف هي أكثر القطاعات التي تمّ تقديم الشّكوى تجاهها، ولعلّ ذلك يعود إلى عدّة أسباب لعلّ من بينها: الممارسات الاحتكارية التي تعمد بعض المؤسّسات والشّركات إلى تنفيذها جرّاء سيطرتها على قطاع بعينه، وهو الأمر الذي يحاربه قانون "حماية المنافسة ومنع الاحتكار" الذي صدر في نوفمبر 2014، وكذلك ضعف الثّقافة الاستهلاكيّة لدى بعض المستهلكين من حيث عدم اهتمامهم بأخذ الفواتير والضمانات المتعلّقة بالسّلع والخدمات التي حصلوا عليها، إضافة إلى أنّها تكشف عن جانب (بذخي) واضح لدى شريحة من المستهلكين نتيجة اهتمامهم بامتلاك الكماليّات وتغييرها من فترة لأخرى كالهواتف الذّكيّة وغيرها.

نلاحظ كذلك قيام الهيئة بحلّ حوالي 79% من الشكاوى والبلاغات المقدّمة لها خلال عام، وهي نسبة مرتفعة جداً في ظلّ قلّة عدد الكوادر الوظيفيّة بالهيئة مقارنة بحجم العمل الموكل إليها، كما أنّها تدلّ على استيعاب هذه الكوادر للرسالة السامية التي من أجلها أنشئت الهيئة، بدليل مواصلتهم للعمل في ساعات متأخّرة من أجل إنجاز كل ما يتعلّق بهذا الكمّ الهائل من الشكاوى والبلاغات.

وقد يدلّ ضعف تفاعل المستهلكين مع وسائل التّواصل الحديثة كتطبيق المستهلك الإلكتروني، والبوّابة الإلكترونيّة عند قيامهم بتقديم الشكاوى والبلاغات، وحرصهم على الوسائل التقليديّة كالاتّصال بمركز الاتّصالات التّابع للهيئة، أو الحضور الشّخصي لقاعات تقديم الشّكاوى بالهيئة وإداراتها المختلفة، على عدم ثقة شريحة من المستهلكين بهذه الوسائل الحديثة في تقديم الشكوى ووصولها للمختصّين، أو قّلة معرفتهم بها على الرغم من حصول هذه التطبيقات على جوائز عالميّة رفيعة، وهي مشكلة مجتمعيّة عامّة قد لا تقتصر على جهة دون الأخرى، وهذا يعني أنّ على الهيئة تكثيف جهود التّوعية بأهميّة هذه التطبيقات ووسائل التّواصل في تقريب المسافة، وتوفير الوقت والجهد للطرفين، والحدّ من اكتظاظ قاعات الشكاوى بالمراجعين.

ويدلّ ارتفاع عدد البرامج والدورات التدريبيّة مقارنة بالأعوام السابقة على الرغم من الأوضاع الماليّة التي تمرّ بها المؤسّسة بسبب انخفاض أسعار النفط وتأثير ذلك على الموازنات السنويّة للهيئة وغيرها من المؤسسات الحكوميّة، على حرص الهيئة تجاه صقل قدرات وإمكانات كوادرها في الجوانب الإداريّة والقانونيّة والفنّيّة بما يتواكب وتحدّيات المرحلة المستقبليّة في ظلّ ظهور تشريعات جديدة، وفي ظلّ الثقة الكبيرة التي نالتها الهيئة بقياداتها وكوادرها المختلفة من قبل المجتمع، وبالتالي المطالبات المجتمعيّة بالتصدّي لكافّة الظّواهر الاقتصاديّة والاجتماعيّة السلبيّة التي يُمكن أن تؤثّر على قيم المجتمع، وعلى صحّة وسلامة أفراده.

وعلى الرّغم من كافّة الجهود التي تبذلها الهيئة إلا أنّها تحتاج في المرحلة القادمة إلى أشياء يمكن أن تعزّز وتدعم الدّور الكبير الذي تقوم به حاليّاً، وهي مطالبات تمّ تكرارها في مقالات سابقة، وقدّمها المستهلكون أنفسهم من خلال استطلاعات رأي أجريت بهذا الخصوص، ولعل من بين هذه المطالبات: تمرير اللوائح التنفيذيّة للقوانين الجديدة، وإعطاء صلاحيات أوسع للهيئة من الناحية الهيكلية، وتوسيع قاعدتها الوظيفية، بحيث تتبعها مراكز أو قطاعات متخصصة في مجال مراقبة الغذاء والدواء والخدمات والتأمين والاتصالات وبورصة الأسعار، وكل ما من شأنه سلامة المستهلك في صحته وغذائه وفكره كذلك، وتوفير الموارد المالية المناسبة كي تتمكن الهيئة من ممارسة أدوار أكبر في مجال الرقابة والتوعية، وإنشاء المختبرات والمعامل المناسبة للقيام بعمليات الفحص والتحليل وهو أمر تفتقده الهيئة في الوقت الرّاهن، وتعزيز قدراتها البشريّة من خلال زيادة عدد المفتّشين وأخصائي ضبط جودة السّلع والخدمات، والقانونيّين، والباحثين.

Mh.oraimi@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك