عقول مشرّفة

سلطان سالم السعدي

تتوالى الابتكارات العلمية والدراسات البحثية وتتنوع مجالاتها على كافة الصعد باختلاف الفكر والتوجه بين (اجتماعي واقتصادي وثقافي وتكنولوجي وصحي.... إلخ) والتي يُقدمها المبدعون والباحثون العمانيون على أشكال عدة وفق تميز حقق نتائج وجوائز ونال منها ما نال على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية نظير جهده الباهر والذي أطلق عليه النجاح المشرّف الذي يبين مدى التقدم والتطور العلمي الذي وصل له أبناء هذا الوطن ومدى شعورهم وإحساسهم بالمسؤولية وطموحاتهم اللامحدودة والتي أكد عليها قائد هذا الوطن -حفظه الله ورعاه-.

لكن على الرغم من كل ذلك النجاح الواضح والمتحقق إلا أنه لا تزال هناك الكثير من التحديات التي تقف حائلاً دون إبراز تلك الإبداعات وتنفيذها على أرض الواقع فنجد منها ما يدور وفق حيز مغلق نوعاً ما. وأخرى لم تجد المساحة الطبيعية لها بل ولم يحظ بعضها بالقيمة الحقيقية ولم تنل الاهتمام والدعم المطلوب والعناية الكافية والمرضية.

فقد نرى الكثير من تلك الابتكارات والأبحاث أصبحت نهايتها مؤسفة حتى غدت أوراقها تئن لتجد ما خط بها مرئياً على أرض الواقع يُستفاد منه ويعود بالنفع على ذلك المبتكر والباحث الذي بذل جهده ووقته وماله والذي بلا شك تسعى وراءه الكثير من المؤسسات والشركات العالمية المدركة لقيمته الحقيقية وقيمة ما يُقدمه.

بينما يجد آخرون تثبيطاً من بعض الجهات المعنية بهذا الشأن وتمارس ضدهم محاولات عدة لقتل تلك الإبداعات أو تهميشها لم نعلم أسبابها ودوافعها. ورغم القيود والإجراءات الشائكة التي يتعرض لها بعض المبدعين والباحثين إلا أنهم غير يائسين من تحقيق أهدافهم وغاياتهم وإبراز أعمالهم ويجابهون كل ذلك التحدي من أجل اقتناء ما يلزمهم من أدوات لشق الطريق هادفين من ذلك لتوصيل رسالتهم العلمية والمضيُّ قدمًا نحو إظهار ابتكاراتهم أو نشر أبحاثهم الرصينة ذات القيمة العالية وأنهم يسعون دائمًا لتحقيق تلك الرغبات التي قد تعود بالنفع الكبير على مجتمعهم إذا ما أحسن التعامل معها وإنصافها.

فلا عجب أن نرى تلك الكفاءات تستعد وتربط احزمتها لتهاجر إلى من يأخذ بيدها ويوليها العناية والتشجيع أو يقدم لها العرض اللائق بما يتناسب مع مشروعها. وهناك الكثير من (الأسماء الوطنية) التي حققت إنجازات على الصعيدين المحلي والعالمي متّصفة سيرها الذاتية بالكفاءة العلمية والعملية تزاول أنشطتها وأعمالها خارج بلدها وتشهد لها المؤسسات العالمية بإنجازاتها وقدراتها الفنية.

فهل جُعل استقطاب تلك الكفاءات الوطنية وإعادتها إلى موطنها الأصلي ضمن أجندة الخطط والبرامج القادمة؟ وهل هناك توجه لخلق مساحة جيدة وأرضية صلبة يحسن كل هؤلاء الوقوف عليها ويجدون ما يبحثون عنه من دعم وغيره بين أيديهم. ولا يلجؤون للبحث عنه في الخارج؟

لماذا غُيّب دور القطاع الخاص ومؤسساته عن هذا الجانب؟ وأين دور المستثمرين في البلد من احتواء هذه الفئة المنتجة؟ لماذا حجبت الكثير من الابتكارات بل تم وأدها؟ أين نتائج الأبحاث الممولة وما توصلت إليه من آليات تنفيذ؟ هل تحققت نتائجها على الواقع الملموس وهل انعكست رؤيتها في صالح القطاعات التنموية؟ أم أصبحت مجرد (حبر على ورق)؟ لماذا نقبل دائمًا أن نكون مستهلكين لإنجازات وابتكارات غيرنا ولم نسع إلى تصدير أفكارنا وابتكاراتنا؟ إنّ تقدم الأمم والشعوب يُقاس بمدى العناية بالعنصر البشري وتوفير كل السبل التي من خلالها يقدم إبداعاته وأعماله. وإنّ دعمه يعمل على النهوض بالاقتصاد ويعتبر استثماراً في حد ذاته. علينا أن نفعل دور المؤسسات المعنية بهذا الشأن تفعيلا حقيقيا ومنطقياً والأخذ بأيدي أولئك المبدعين والباحثين ودعمهم وتقييم إنتاجهم وترجمته بالصورة المبتغاة والمرجوة للدّفع بعجلة التنمية بأيادي وطنية. وإيجاد رؤية وإستراتيجية واضحة في هذا الخصوص والحرص على معرفة الجدوى الاقتصادية والعلمية من دعم أيّ بحث أو نشاط وما هو العائد المتحقق من دعمه؟ وفي الإطار ذاته يجب علينا غرس ثقافة الإبداع والابتكار والبحث والريادة الاجتماعية بين كافة شرائح المجتمع من أجل الاعتماد على القوى البشرية الوطنية المنتجة والحد من الاستيراد أو التقليل منه والوصول تدريجياً إلى ما يعنى بالاكتفاء الذاتي.

sultansalim2@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك