التحديات المحدقة بالإسلام في الغرب (1- 4)

د. يحي أبوزكريا

وجد عشرات الآلاف من العرب والمسلمين في الغرب أنفسهم في قوافل البطّالين والذين تبددّت أحلامهم التي كانت تدور في مخيّلتهم قبل الهجرة إلى أوروبا، ولم تتمكّن أسواق العمل من استيعاب هذا الكمّ الهائل من البطالة الوافدة من العالم العربي والإسلامي. وقد تشارك في هذه النكبة المتعلمون حملة الشهادات العليّا مع غيرهم من الذين لم تطأ أقدامهم مدرسة ابتدائيّة في بلادهم. ولعلّ محنة حملة الشهادات العليا من العرب والمسلمين أشدّ من محنة غير المتعلمّين باعتبار أنّ الفئة الثانيّة تقبل أيّ عمل يعرض عليها من قبيل التنظيفات وغسل الأواني وتحفيظ العجزة وغير ذلك من الأعمال التي قد لا ينسجم معها حملة الشهادات العليّا العليّا الذين أضطّروا إلى تغيير اختصاصاتهم فأصبح الطبيب بائع ثيّاب والمهندس سائق حافلة الباحث الاجتماعي منظفّا في المحلاّت الكبرى. ومن المهن التي برع فيها المهاجرون مهنة بائع متجوّل وبشكل كبير وملفت للنظر إلى درجة أنّ العديد من الباعة المتجولّين من المهاجرين القادمين من العالم العربي والإسلامي أصبحوا علامات مميزّة في الساحات العموميّة الأوروبيّة وقد تخصصّ هؤلاء الذين منهم المتعلم والأميّ في بيع الزهور والورود وبع المقانق وغيرها وبيع الخضروات والفواكه تحت خيّام تشبه إلى حدّ كبير خيّام الأسواق الشعبيّة في العالم العربي والإسلامي وبيع الثيّاب المستوردة من العالم العربي والإسلامي حيث يتنقّل الرجال أو النساء في المناطق التي تقطن بها أغلبيّة عربيّة وإسلاميّة لبيع بضائعهم وبعض العرب والمسلمين يبيعون شطائر المقانق - المعروف في السويد بالكورف - للمارة والمشاة وهؤلاء يملكون عربة صغيرة يتوفّر فيها طبّاخ صغير جدّا وعدّة بسيطة للعمل والبعض يبيع محفظات النقود المستوردة من سوريا ولبنان وتركيّا والظاهرة الملفتة للنظر هي ازدهار مطاعم الفلافل الصغيرة حيث بات الإنسان الغربي يعرف باتقان ما معنى الفلافل والحمّص إلى درجة أنّ أحدهم قال إنّ محلات الفلافل العربيّة ستكتسح محلات الماكدونالدز الأمريكيّة. وفي تحقيق مع العديد من الباعة العرب والمسلمين في الساحات العموميّة تبينّ أنّ هؤلاء مضطرون للقيّام بهذه الأعمال لأنّها البديل الوحيد المتوفّر لديهم، ومع الأزمة الاقتصاديّة التي باتت تعصف بكل أوروبا حيث أصبحت البطالة شبحًا يهدد الغربيين أنفسهم فما بالك بالوافدين !

وقد تمكّنّ بعض الباعة المتجوليّن من تطوير أعمالهم، وربّ شخص كان يبيع الخضروات تحت خيمة تحولّت خيمته إلى محل كبير، وربّ بائع متجوّل كان يبيع الورود فتح محلات، وقد أصبح شابا عربيا كان يبيع المواد الباليّة والقديمة في ساحة من الساحات في أوروبا إلى صاحب خمس محلاّت. وفي ظلّ عدم قدرة أسواق العمل الغربية على استيعاب هذا الكمّ الهائل من البطّالين العرب والمسلمين الذين يعيشون بفضل المساعدة الاجتماعيّة الشهريّة المقدمة من قبل البلديّات المركزيّة تصبح مهنة البائع المتجوّل أهم بديل وخصوصًا بالنسبة للذين يريدون جمع مبلغ شقّة وسيّارة يشترونها في بلادهم ولا يهمّ كيف تجمعّت الأموال !

وقد ساهمت التفجيرات التي عرفتها أوروبا وتحديدا في مدريد ولندن في إعادة تشكيل وجهات النظر الغربية تجاه الإسلام والمسلمين والفرائض الإسلامية في مختلف التفاصيل، وقد انعكس ذلك على أسواق العمل التي أصبحت ترفض أصحاب الشعر الأسود، وحتى لو غيرّ هذا الأجنبي اسمه وأصبح يحمل اسمًا غربيًا فعند إجراء مقابلة العمل واكتشاف ربّ العمل أنّ هذا الشخص قدم من العالم الثالث يعتذر إليه بطريقة مهذبة أو غير مهذبة .

ويريد الغرب من المسلمين أن يطلبوا المساعدة الاجتماعيّة من المهد وإلى اللحد، حتى يشعروهم بالذلة والاستعلاء الحضاري، ومنطقة شمال العالم التي كانت بمنأى عن كثير من الإنفعال والتأثر بالدعاية الإعلاميّة المضادة للإسلام والحضارة الإسلامية أصبحت هي الأخرى تتأثر سلبا وإيجابًا بهذه الدعاية، وإلى وقت قريب كانت شعوب شمال العالم - السويد والنرويج وفنلندا وإيسلندا والدانمارك - من أكثر الشعوب إنصافا للإسلام .

وقد أظهر إستطلاع ودراسة أجرتها دائرة الإندماج أنّ السويديين أكثر انفتاحا ولكن ليس إزاء الإسلام والمسلمين. وحسب الدراسة فإنّ السويديين يميلون إلى مواقف إيجابية أكثر وأكثر نحو التعددية وتمازج الثقافات داخل مجتمعهم، ولكنهم في ذات الوقت يبدون ريبة من الإسلام والمسلمين، هذا ما أظهرته دراسة حديثة أجرتها مصلحة الهجرة. وحسب الدراسة فإنّ ثلثي السويديين الذين شملتهم الدراسة يعتقدون أنّ القيم الإسلامية لا تنسجم مع قيم المجتمع السويدي. وفيما قال ستون بالمئة من السويديين الذين شملتهم الدراسة أنّ الشكوك لا تراودهم من معاشرة مسلمين، قالت نسبة مماثلة إنهم لا يفكرون في الانتقال إلى منطقة ذات أغلبية إسلاميّة، وأبدى خمسون بالمئة معارضتهم لارتداء غطاء الرأس من جانب النساء المسلمات في المدارس وأماكن العمل.

حسان موسى رئيس المجلس السويدي للأئمة اعتبر هذه الدراسة والاستطلاع نكبة كبيرة وجرس إنذار خطير في السويد خصوصًا وأنّ السويديين كانوا إلى وقت قريب من المتعاطفين مع كل القضايا العربية والإسلامية، والدراسة كما قال حسان موسى مؤشر خطير وعلينا أن نتحرك قبل فوات الأوان .

هيلينا بن عودة رئيسة المجلس الإسلامي السويدي اعتبرت نتائج الدراسة إنذارًا بانتشار معاداة الإسلام في السويد: ـ لقد أصبح الإسلام عرضة للانتقادات، نوع من العدو الجديد، وهدفا جديدا للإدانة. ربما يشعر المجتمع بأنّ هناك حاجة لإيجاد جهة ما يوجه لومه اليها.

وحول رأيها بهذا التطور قالت هلينا :أخشى أن تتجه الأمور إلى مزيد من السوء بعد الاعتداء الإرهابي في لندن صيف هذا العام. وأرقام الدراسة طبعا من فترة الربيع الماضي وقد نشهد مزيدًا من التردي في العام المقبل، وهذا أمر مقلق، ويتعيّن علينا العمل هذا العام لمعالجة هذه القضايا.

تعليق عبر الفيس بوك