مختصون: غياب المرجعية وعدم التنظيم والتأثر بالنمو الاقتصادي.. تحديات تهدد نمو قطاع الإنشاءات

مخاوف من "هجرة جماعية" للعمانيين مع بوادر "تعثر" للشركات

< البلوشي: شركات الإنشاءات توظف 48% من العاملين في القطاع الخاص

< كرم: تأخر مدفوعات المشروعات يؤرِّق الشركات.. والغرامات لا تطبق على الحكومة

< السليماني: قطاع الإنشاءات مؤشر على نمو أو ركود النظام الاقتصادي للسلطنة

حذَّر مُختصون وخبراء بقطاع الإنشاءات والمقاولات من التحديات التي تُهدِّد نموَّ القطاع، والتي تتمثل في غياب مرجعية واضحة للقطاع، وعدم التنظيم في المشروعات وعلاقة المقاول بصاحب المشروع، فضلا عن التأثر الكبير بالأوضاع الاقتصادية.. وقالوا -في برنامج "المنتدى الاقتصادي" على إذاعة البرنامج العام- إنَّ القطاع من المحتمل أن يخسر من 20 إلى 30 ألف وظيفة خلال العامين المقبلين، إذا تراجعت المشاريع الحكومية المسندة للشركات العاملة في القطاع. مؤكدين أهمية القطاع باعتباره من أكثر القطاعات توظيفا للباحثين عن عمل في القطاع الخاص بنسبة تصل إلى 48%، وهو ما يستوجب الاهتمام به.

وطالب الخبراء -في البرنامج الذي يُقدِّمه الخبير الاقتصادي أحمد كشوب- بوضع نظرة مستقبلية لنمو القطاع؛ تشمل إجراء تعديلات على القوانين والآليات المنظِّمة للقطاع، بما يضمن خلق مناخ يُحسِّن من عملية الاستثمار، واستقطاب رؤوس الأموال من الداخل والخارج على السواء، خاصة في ظل تراجع أسعار النفط وحاجة النظام الاقتصادي إلى تنويع مصادر الدخل.

واستضاف البرنامج المهندس عامر بن حمد السليماني رئيس اللجنة القطاعية (قطاع الانشاءات)، والمهندس سيمون كرم عضو مجلس إدارة جمعية المقاولين العمانية، وشهسوار بن جمدوست البلوشي الرئيس التنفيذي لجمعية المقاولين، وحملت الحلقة عنوان "قطاع الإنشاءات بين الاحتكار والتنظيم".

الرُّؤية - أحمد الجهوري

وقال شهسوار بن جمدوست البلوشي الرئيس التنفيذي لجمعية المقاولين: إنَّ هناك 100 ألف شركة مسجلة في القطاع؛ سواء كانت نشطة أو غير نشطة؛ منها حوالي 18 ألف شركة نشطة، و6 آلاف شركة من الدرجة الاولى فما فوق، ويعمل فيها 52 ألف عامل عماني، و440 ألف عامل وافد. وأضاف بأنَّ شركات الدرجة الثانية وما دونها، توظف 3 آلاف عامل عماني، كما تضم 300 ألف عامل وافد. مشيرا إلى أنَّ حجم العمالة الإجمالية في القطاع تبلغ تقريبا 740 ألف عامل، ويمثلون 48% من إجمالي العمالة في القطاع الخاص العماني، ويعد قطاع الإنشاءات أكبر القطاعات من حيث التوظيف، وكذلك توظيف العمالة الوطنية التي تصل نسبتها إلى 26 في المئة من العمالة العاملة في القطاع الخاص.

غياب التنظيم

وقال المهندس عامر بن حمد السليماني رئيس اللجنة القطاعية (قطاع الإنشاءات): إنَّ القطاع لا يزال غير منظم، ولا نستطيع أن ندَّعي أنه منظم وأصبح مكتملا، وهو ما ترتب عليه ترهل القطاع وعدم قدرته على الاستدامة لعدة عوامل؛ أولها: غياب المرجعية لهذا القطاع بخلاف الأنشطة الاقتصادية الأخرى إذا ما قُورنت بالصناعة والزراعة والسياحة والنفط والغاز، والتي تتبع مديريات تقف على سير عمل القطاع، في حين أن قطاع الإنشاءات -ورغم أهميته في تقديم خدمات البناء- إلا أنه لا يزال دون مرجعية. وأشار إلى ضرورة إيجاد مرجعية للقطاع، وهو مطلب تم طرحه من قبل الجمعية منذ عدة سنوات. ومن جانب آخر، هناك من يقول إنَّ القطاع يعاني من الاحتكار، لكن هذا الحديث غير دقيق، ويؤكد ذلك وجود أكثر من 100 ألف شركة مقاولات وإنشاءات عاملة، ومن يدعي بذلك الاحتكار لا يدرك إشكالية هذا القطاع. ولفت السليماني إلى أنَّ تنظيم القطاع يمثل أكبر التحديات التي تواجه العاملين فيه، كما أنَّ عقود التعاقد وشروطها لا تزال ضعيفة وهي بنود قديمة ولا تتناسب مع الوقت الحالي وتطوراته. وشدد السليماني على أهمية إعادة تنظيم التعاقد بحيث تكون هناك شراكة بين صاحب المشروع ومنفذ المشروع (المقاول). مشيرا إلى أن الجمعية تنادي بهذا المطلب منذ أكثر من 10 سنوات، وتم تقديم عدة مسودات إلى الجهات المعنية؛ سواء من قبل الجمعية أو من قبل المقاولين انفسهم، لكن الأمر لم يتغيَّر حتى الآن، وهذا ما يؤكد غياب المرجعية.

وتابع بأنَّ هناك تحديًا آخر وهو قطاع العمل، والذي ينعكس سلبا على القطاع بشكل كبير؛ مما يترتب عليه تعطل تنفيذ المشاريع، علاوة على أن عدم اكتمال المناقصة والتصاميم الفنية والمهنية المطروحة، يمثل تحديا أخر، وتأتي في الكثير من الاحوال ناقصة، وبالتالي يضطر المقاول إلى المخاطرة، فضلا عن معوقات تنفيذ المشروع لاحقا.

تأخر المدفوعات

وقال المهندس سيمون كرم عضو مجلس إدارة جمعية المقاولين: إنَّ أهم التحديات التي يعاني منها المقاولون تأخر المدفوعات، لاسيما في الفترة الأخيرة، لكنه أشار إلى أنَّ هذه المشكلة تتجلى في الاحتساب النهائي للدفعات، وليس الدفعات العادية الشهرية والتي لا تتأخر، مبينا أن الاستشاري لا يرتبط بفترة زمينة محددة، فيما يمثل الاحتساب النهائي 10 إلى 20% من قيمة العقد؛ لذلك فإن تحمل المقاول لتأخر 20% من تكلفة مشروع ما يمثل عبئا كبيرا، لاسيما كلما زادت تكلفة المشروع.

وأضاف كرم بأنَّ القطاع يواجه تحديا آخر يتمثل في غياب آلية واضحة لإصدار الأوامر التغييرية، والتي من المفترض أنها لا تصدر إلا بعد التأكد من تكلفتها، وأن يتم اعتمادها على نحو سليم، وإلا سوف تتسبب في تأخر الدفعات المالية. وبيَّن أنَّ الجمعية أجرت دراسة في هذا الشأن ووجدت احتسابات نهائية لبعض اعضائها يصل عمرها إلى 5 وأكثر، وبعض الشركات الكبرى تصل فيها المدة إلى 7 سنوات. وتابع كرم بأنَّ هناك تحديا آخر يتمثل في تفسير شروط العقد، والتي تحتاج إلى الكثير من التعديل، ضاربا المثال بأن مقاولا تأخر في تنفيذ المشروع، وترتب على ذلك غرامة مالية تصل إلى 10% من قيمة المشروع، في حين أن الحكومة إذا لم تطبق العقد لمدة سنتين لا يفرض عليها غرامة، ولا تستطيع الشركات التقدم بشكوى ضد الجهات الحكومية؛ نظرا لحاجتها إلى مشاريعها، وهو ما يضع شركات المقاولات تحت الضغط.

وزاد بأنَّ بعض الشركات لديها عقود من الباطن مع بعض الشركات، ولا تنظر إلى الإشكاليات التي تحدث في تنفيذ المشاريع، وتظل ملحة في طلب حقوقها، كما لا يوجد في العقود بند يحمي الشركات الانشائية في حالة ارتفاع الأسعار، وإذا اتخذت الحكومة قرارا برفع الأجور أو رفع الدعم عن المحروقات لا يوجد نص يعوض الشركات.

الانتعاش الاقتصادي

وقال السليماني إنه ينبغي إدراك أن قطاع المقاولات ينتعش مع النمو الاقتصادي للبلد، وينكمش عندما ينكمش الأداء، وبالتالي ينعكس بصورة مباشرة على العاملين في القطاع، مشيرا إلى اعتقاده بأن المرحلة المقبلة ستشهد تراجعا في تدفق المشاريع من الجهات الحكومية وكذلك كبار المستثمرين، لافتا إلى أنَّ السوق لا يشهد في الوقت الحالي أية مشاريع ضخمة؛ وبالتالي ليس من المستبعد أن تحدث "هجرة جماعية" من القطاع، لاسيما من قبل العمانيين العاملين بالقطاع. وشدد السليماني على أهمية إدراك أنَّ القطاع يوظف ذوي المهارات المتدنية، وبالتالي سوف نفقد ميزة كانت تميز القطاع، وفي حالة هجرتهم لا يعرف أحد إلى أين سيذهبون، متوقعا أن يفقد القطاع نحو 20 إلى 30 ألف عماني خلال العامين المقبلين.

وأشار إلى أنه عندما تنكمش الاقتصادات في العالم، تبدأ الحكومات في ضخ أموال في مشروعات البنية الأساسية، حتى إنها تواصل المشاريع وتحافظ على ديمومة القطاعات الرئيسية، لضمان استمرارية التحفيز الاقتصادي الذي ينعكس بشكل مباشر على التوظيف. وقال إن القطاع الإنشائي -على النقيض من الأنشطة الصناعية التي تحتاج إلى 4 أو 5 سنوات لبدأ الإنتاج- يتأثر سريعا بتذبذبات السوق، وعلى ذلك يجب أن يدرك أصحاب القرار أنَّ بطء نمو المشاريع سوف ينعكس بالسلب على قطاع واسع من المجتمع، وتحديدا العاملين العمانيين في هذا القطاع والشركات والعقارات ومشروعات البناء وكل ما يرتبط بها، معربا عن أمله في تشهد الخطة الخمسية المقبلة برنامج عمل واضح يسعى للابقاء بهذا القطاع.

شراكة واستثمار

فيما انتقد سيمون كرم عدم استشارة الجهات الحكومية للجميعة في كثير من الأمور والقرارات، ومثال ذلك أنها لم تُستَشر في قانون العمل، رغم أن القطاع يوظف تقريبا 50% من العمالة الوطنية في القطاع الخاص. وأوضح أنَّ القطاع الإنشائي مرتبط في علاقة شراكة مع 3 قطاعات و3 أطراف للإنتاج، لكن في المقابل هناك أزمة ثقة أكثر تهدد هذه الشراكة؛ حيث إن هناك ثقة مفقودة بين الشركات والحكومة في عدد من الجوانب.

وحث شهسوار بن جمدوست على أهمية وضع نظرة مستفيضة لجميع الأنظمة والقوانين والآليات، بما يضمن خلق مناخ يساعد على نمو الاستثمارات، سواء من الداخل أو الخارج، كما يجب البدء الفوري لتقليص الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل، ووضع رؤية تصورية للمستقبل من خلال زيادة الإيرادات من القطاعات الأخرى، مشيرا إلى أنَّه ينبغي عدم التعويل على النفط؛ إذ إنَّ التقديرات تشير إلى عدم تعافي الأسعار إلى سابق عهدها، وينبغي البحث عن موارد تجارية أو صناعية أو سياحية.

تعليق عبر الفيس بوك