قدرك أنك عربي!

ليلى البلوشي

قرأت خبرا نشر حديثا في إحدى الصحف عن منع مُسافِريْن من الصعود إلى طائرة لرحلة بين شيكاغو وفيلادلفيا؛ لأنّهما كانا يتحدثان اللغة العربية، وتبين أنهما أمريكيان من أصول فلسطينية، ما جعل الموظف في شركة الطيران يمنعهما معتذرا عن صعود الطائرة؛ لأنّ مسافرا آخر سمعهما يتحدثان باللغة العربية ويشعر نتيجة ذلك بالهلع من السفر معهما على خلفية ما جرى في تفجيرات باريس!.

شئنا أم أبينا بمجرد أن تكون عربيا في أي دولة أوروبية فأنت مشكوك بأمرك ومستهدف، شئنا أم أبينا هذا العربي هو أول من ستوّجه له أصابع الاتهام حين يقع تفجير انتحاري، شئنا أم أبينا صار العرب هم أول وأهم أسباب العنف في أنحاء العالم كما ذهب أصحاب القوى!.

وفي هذا السبيل نفسه أذكر أن الكاتب الصحفي سمير عطا الله ذكر مرة في مقالة له أنه اضطر أثناء تواجده في إحدى الدول الأوروبية للسفر عبر حافلة، ولم يرغب أن يجلس أحد ما إلى جانبه فيزعج سكينته؛ لذا أخرج من حقيبته كتاباً باللغة العربية رافعًا غلافه في وجه كل من يستقل الحافلة، لقد تجنب بهذه الحيلة كل عابر كان يوّد أن يشاركه المقعد، فبما أنه يحمل كتاباً عربياً كان ذلك سببًا كافيًا لنفورهم منه وتجنبهم له كأنه وباء خطير!

لذا حين يقوم عربي ومسلم تحديدا في مكان ما في أي دولة أوروبية بعمل صالح، فإنّ فعله يعد إنجازا عظيما وقد يكرّم بجائزة على فعله العظيم، وربما لهذا نشرت عدة صحف منها صحف وول ستريت جورنال تقريرا بعد تفجيرات باريس تعلن فيه للناس أجمع من باب تخفيف حدة الخطاب الشرس تجاه مسلمي فرنسا الذين أصبحوا كلهم في دائرة السوء كما يرى كثير ممن شهدوا تفجيرات باريس ومن خسروا أعزاءهم، الصحيفة نشرت اسم شاب مسلم يدعى زهير يعمل حارس أمن وهو من قام بإنقاذ 80 ألف متفرج في مباراة فرنسا بعد أن شعر بالذي كان يحمل حزاماً ناسفاً، مما دفع هذا الجاني إلى الهروب، وتفجير نفسه بعيدًا عن الملعب، في التقرير نفسه أشادت الصحيفة بالحس الأمني الذي حمله الشاب المسلم زهير.

نعم على العربي دائمًا مهما كان وضعه الاجتماعي أو الاقتصادي في بلد غربي أن يظهر حسن نيّته، فكونه عربي هي وحدها تهمة في حقه، عليه أن يلمّع سيرته، وينفي هذه التهمة عن نفسه، لقد صار هذا قدره كعربي سواء شئنا أم أبينا!

عليه أن يعلن للعالم باستمرار في كل المناسبات أنه كائن مسالم، وأنه لا يضمر شرا لغيره من الناس من أصحاب الديانات الأخرى، عليه أن يعلن ولاءه للإنسانية أبدًا!

ولا يمكن بحال من الأحوال أن نلوم أولئك الغربيين على هذه الرؤية المستهجنة، على سوء الظن هذا ، على هذه الشكوك التي تتراكم يوما بعد يوم في عقولهم لكل ما يمسنا، أولئك الذين لا يعرفون عنّا شيئاً ولا يسمعون عنَّا سوى في أثناء وقوع تفجيرات أو أثناء بثّ عمليات إرهابية، أي كل ما له صلة بالعنف، أولئك الغربيون الذين تغذوا على فكرة أننا كائنات عنيفة، ولقد ضخمت هوليوود التي يملك بعض مؤسساتها جهات صهيونية هذه النظرة المجحفة، لقد استطاعت خلال عقود طويلة تشويه صورة العرب والمسلمين على حدٍ سواء!

رغم أنّ الأجيال الحديثة في الغرب حتى في إسرائيل ما عادوا يقتنعون بالأوهام التي ملِئت رؤوسهم بها مذ كانوا صغارا، فقد استطاعت وسائل التقنية الحديثة خلق نوع من التواصل بينهم وبين كل ما هو مجهول عنهم، الأجيال نفسها التي ترى اليوم أن أمريكا هي أرض الله المختارة وليست القدس كما يذهب حاخاماتهم!

ولا يمكن الإنكار أن كثيرا من المسلمين مهما كانت انتماءاتهم، هم من كانوا مبعث نظرات التحقير والتشفي في بقاع العالم الآخر، إذا كان المسلمون أنفسهم في البلاد العربية تبرؤوا من فعالهم الشنيعة على رأس هؤلاء "داعش" العصابة التي اشتهرت بجز الرؤوس بضمير إنساني معدم، يجزونها وأصواتهم النتنة بالعنف تتعالى الله أكبر فكيف يمكن أن نلوم الأقوام الغربية على الرؤية العنصرية؟!

ملايين من المسلمين يعيشون اليوم في الدول الغربية التي فتحت حدودها من أجلهم، فما ذنب هؤلاء فيما يقترفه جوقة ضئيلة منهم؟

سيدرك الجيل الحديث، تحديدًا من شباب الغرب في زمن ما وفي عصر ما أن الإسلام لا يعني العنف وأن السلوك العنيف لا علاقة له بديانة الإنسان بل له صلة بالإنسان نفسه وتربيته في محيطه، سيدرك هذا الغربي أنّ العربي هو كائن مسالم، وأن أقصى ما يريده في غربته بعد أن خذلته بلاده بأن يحيا هو وأبناؤه في معتكف آمن، فـزهير الشاب المسلم هو نموذج من مئات النماذج التي ستكفكف سوء الظن عن المسلم وديانة الإسلام بفعالهم الإنسانية النبيلة.

وقدر هذا العربي -شاء أم أبى- أن ينتظر تصحيح مسار هذه الرؤية نحو كيانه الإنساني مهما طالت المدة!.

Ghima333@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك