متاحف جيولوجيّة مخبأة في باطن الأرض.. وكنز طبيعي ينبغي استغلاله سياحيًا
الرؤية - يوسف علي البلوشي
بفضل ما تزخر به السلطنة من نحو 2000 كهف في مختلف الولايات، فقد باتت سياحة الكهوف واحدة من أنواع السياحة التي يعشقها المغامرون، إذ يخرجون في رحلة مليئة بالمغامرة ممزوجة بالغموض، إلى أن ينصبوا الخيام، لقضاء أمتع الأوقات.
والمتتبع لخارطة الكهوف العمانية، رغم غياب الترويج السياحي لها، يجد أنّها تتمتع بشهرة كبيرة بين محبي المغامرة، حيث يستمتع المغامرون بالطبيعة الجيولوجية الفريدة التي ترسم لوحة فنية بالغة الجمال.
وقال خالد المعشري أحد محبي زيارة الكهوف إن للكهوف أهمية كبيرة نظراً إلى كثرة مرتاديها واستقطابها شرائح وأعدادا كبيرة من السياح الذين تتنوع هواياتهم بين المغامرة والترفيه والرياضة. وأضاف أن تاريخ قصة الكهوف العمانية- التي تبلغ أكثر من 2000 كهف- يتوجب دراستها ومعرفة تفاصيلها وكيفية تجاوز هامات بعض هذه الكهوف لتكون أشهر وأكبر الكهوف في العالم، مثل كهف "شوفيه" الذي يعتبر أقدم كهف في العالم واكتشفه الفرنسي جان ماري شوفيه جنوب شرق فرنسا عام 1994، ويتألف من تشكيلات ورسومات تعود إلى حوالي 30 ألف سنة، وكذلك كهف بوستجونيا الذي يقع في سلوفينيا وهو أكبر الكهوف في أوروبا ويمتد 51 ميلاً وجرى اكتشافه عام 1852، وكهف أسود البحر كأكبر كهف بحري تضمه أمريكا يبلغ ارتفاعه ما يعادل مبنى مكوناً من 12 طابقاً.
وقال عبدالله صالح بيريه من ولاية صور: "زرت كهف مجلس الجن عدة مرات، وهو من أهم الكهوف العمانية وتحيط به مغارات عدة، ويقع في هضبة سلمى في جبل بني جابر بسلسلة الحجر الشرقي، وكذلك كهف "العراقي" في ولاية عبري، وكهف "الهوتة" بولاية الحمراء بتشكيلاته المثيرة للدهشة، خصوصاً بحيرته المائية التي يبلغ طولها 950 متراً وأسماكها النادرة ومنها أسماك بلا عيون، ايضا كهف "جرنان" بولاية إزكي، والذي يعد الأكثر غموضاً نظرا لصعوبة الوصول إليه في ضوء الأساطير التي تنسج حواله".
وأضاف بيريه: "من خلال متابعتي تسعى عدة جهات عامة وخاصة بالسلطنة إلى خلق أنماط سياحية جديدة واستغلال الأماكن السياحية المتنوعة بهدف تعزيز برامج التدفق السياحي وتشجيع السياحة الداخلية وتأسيس مشاريع سياحية بيئية تسهم في تنمية وتطوير القطاع السياحي في السلطنة؛ حيث تقوم بإعداد دراسة لتنفيذ مشاريع مشابهة لتطوير وتأهيل بعض الكهوف الرئيسية في محافظات السلطنة المختلفة لتهيئتها للاستغلال السياحي المنظم مثل كهفي طوي اعتير وطيق في محافظة ظفار".
أما غانم سعيد الحمر من صلالة: فقال: "في محافظة ظفار تشكل الكهوف لغزاً محيرا، خصوصاً كهف طيق، كما تتناثر مجموعة من الكهوف حول مدينة صلالة مثل كهف المرنيف الذي يطل على شاطئ المغسيل، وتتفجر فيه العيون المائية من تلقاء نفسها في صورة جمالية تستقطب الزائرين الذين يحلو لهم التقاط الصور عند تلك العيون التي في أطرافها سحر وبهجة وتشكيلات جمالية يستثمرها المتخصصون للترويج السياحي، ولا ننسى كهف "سحر" الذي يبعد 12 كيلومتراً عن صلالة، وكهف "عين حمران" الواقع على بعد 23 كيلومتراً من صلالة، وتعشش فيه آلاف الخفافيش، وكهف "وادي دربات" الذي تصل اليه بعد 40 كيلومتراً من صلالة، وكهف "اعتير" أو "بئر الطيور" ويقع شرق صلالة في جبل سمحان".
وأوضح الحمر أن تلك الكهوف تشكل أحد أبرز مقومات السياحة البيئية التي تتمتع بها السلطنة ومحافظة ظفار بشكل خاص، إذ تعد مصدر جذب سياحي، ويزورها العديد من السياح الذين يفدون إلى السلطنة لمشاهدتها من مختلف أنحاء العالم؛ حيث تساعد بشكل كبير في جذب السياحة داخليا وخارجيا، مثل كهف المرنيف في المغسيل، لكن يبدو أنها خارج أجندة التطوير والاستغلال سياحيا حتى الآن، رغم أن الكثير منها يصلح أن يكون استراحات ومطاعم من خلال إضافات بسيطة واستغلال الطبيعة الموجودة وإشراك القطاع الخاص في هذا الموضوع خاصة أن هناك إقبالا كبيرا على هذا النوع من المشاريع.
وتابع الحمر: تعتبر تلك الكهوف أحد المكونات الطبيعية التي تجتذب كل من يعشق اكتشاف المجهول ويهوى المغامرة، نظرا للغموض الذي يكتنف عوالمها والجمال الأخاذ الذي وضعه فيها الخالق جلت قدرته، ليمعن الإنسان النظر في آية صنع الله ويتفكر في مغزى الحياة منذ كانت هذه الكهوف في عصور سحيقة من عمر البشر وحياتهم على الأرض، الملجأ والمأوى الذي يعيشون فيه ويحتمون به من خطر الأعداء والوحوش والضواري.
وأكد أن هذه المتاحف الجيولوجية المخبأة في باطن الأرض، تنفرد بخصائص وتكوينات نادرة استغرق تكوينها وتزيينها آلاف السنين وهي كنوز طبيعية وتراث وطني يتطلب ضرورة صونه ورعايته باعتباره جزءًا مهما من تراث السلطنة الطبيعي والبيئي. وتوجد معظم الكهوف في السلطنة في جبال محافظتي شمال الشرقية وجنوبها ومحافظات الداخلية والظاهرة ومحافظة ظفار ومن أشهر كهوف محافظة ظفار كهف طيق وصحور وحفرة الإذابة بطوي أعتير وكهف عين حمران (كهف الخفافيش) وكهوف وادي دربات وكهف المرنيف بالمغسيل وكهف عين أرزات.
كهوف ظفار
ويعد كهف طيق في محافظة ظفار من أكبر الكهوف المكتشفة على مستوى العالم حيث تبلغ مساحته حوالي 300 مليون متر مكعب، وهو بهذا الحجم يعد أكبر بحوالي 75 مرة من كهف مجلس الجن في شمال السلطنة وأكبر بحوالي 57 مرة من كهف سيرواك في ماليزيا الذي يعتبر اكبر كهف في العالم قبل اكتشاف كهف طيق. وقد أتاح هذا الكشف التعرف بالكهف مما يساعد في زيادة الدراسات الجيولوجية، ويرجع الجهد الذي كان الفضل فيه للسكان المحليين الذين أرشدوا فريق المغامرين السلوفانيين في عام 1997 إلى موقع الكهف.
وتكون هذا الكهف في صخور الحجر الجيري الفني بمستحثات المرجان والحيوانات الصدفية والرخويات ومتحجرات المستحثات المجهرية. مدخل الكهف يمتد على مساحة (40 مترا طول و45 مترا عرض) به نفق لا يعلو ارتفاعه عن (2/1 متر) يؤدي إلى غرفة جوفية مقاس (30 مترا طول و30 مترا عرض) يرتفع سقفها إلى (5 امتار).
ويقع هذا الكهف على ارتفاع (4) أمتار من مستوى الطريق. له مدخل منبسط وبه قناة عرضها متر واحد تمتد حوالي (30) مترا وتنتهي في غرفة جوفية مقاس (10 أمتار طولا في 10 أمتار عرضا) تسكن هذا الكهف مئات من الخفافيش وهذه الخفافيش أساسية للتوازن البيئي في المنطقة. لزيارة هذا الكهف ينصح باصطحاب مرافق من سكان المنطقة وعدم البقاء فيه لأكثر من (30) دقيقة لأن الهواء لا يصله بالكميات الكافية. كما أن نسبة الرطوبة به عالية وروائح الخفافيش قد تكون مضرة لصحة الزائرين.
أما كهف وادي دربات فيعتبر من الكهوف الفريدة من نوعها وهي تتميز بتنوع الترسبات المعلقة في أسقفها وهي تختلف عن غيرها من الكهوف حيث إن الوادي شطرها، ولم يبق منها سوى أنصافها أو تجاويفها وأقواسها. ويرجح أن وادي دربات كانت به سلسلة من الكهوف تكون أقدمها أعلى الوادي وتكون أحدثها أسفلة. زيارة كهوف وادي دربات توفر فرصة للاطلاع على فن النقش على الصخور الذي تركة لنا الإنسان البدائي الذي سكن هذه الكهوف.. كما يستمتع زوار الوادي بالمناظر الجميلة الخلابة لشلالات وادي دربات الذي تنساب مياهه الكثيفة من ارتفاع (100 متر) بعد هطول الأمطار الغزيرة وكذلك بمناظر بحيرات الوادي والحياة البرية فيه والى الآن ورغم أهمية هذه المنطقة سياحيا في مختلف فصول السنة وخاصة في فصل الخريف لم نر هناك أي استغلال لهذه الشلالات ولا للبحيرات ولا للكهوف وهذه المنطقة غنية جدا في إقامة المشاريع السياحية وفي الواقع نسمع أن هناك مشاريع تتعلق بهذه المنطقة وأن هناك دراسات حول هذا الموضوع لكننا لا نسمع إلا قولا من سنين عديدة ولم نر شيئا على ارض الواقع ولا اعتقد أن هناك أية مشاريع خلال السنوات القادمة لكن يظل الأمل موجودا.
ويعد كهف المغسيل أو كما يسمى لدى البعض بكهف "المرنيف" من أجمل الكهوف في السلطنة والذي حظي باهتمام كبير من قبل وزارة السياحة من خلال الاستراحات والمطعم وتطويره وتجميله وتسهيل الطريق للسياح فمن هذا الكهف يستطيع السائح مشاهدة جمال سواحل ظفار وجبالها في نفس الوقت والتمتع بالنوافير الطبيعية التي تميز منطقة المغسيل.
وللكهوف العمانية أهمية سياحية تكمن في كونها برنامجاً دائماً لمحبي المغامرات والاثارة الرياضية غير التقليدية، وهنا تتجلى القيمة الجمالية للكهوف بما فيها من عذرية لم تصل إليها أيادي العصرنة ولا تزال بكراً في عطاءاتها. وتقدر أعمار بعض الكهوف في السلطنة بأكثر من 25 ألف سنة ما يفتح آفاقاً أكثر رحابة للراغبين بدراسة الكهوف في واحدة من افضل المناطق الجيولوجية في العالم.
كما أن هناك أهمية اقتصادية إذ تسعى الجهات المعنية بالسلطنة إلى استغلال المياه الموجودة في هذه الكهوف، خصوصاً أن المخزون المائي يحتفظ بدرجات عالية من البرودة ما يشكل فرصة للسياح للتجوال بالقوارب المطاطية للمرور من تحت تكوينات الكهوف الجيولوجية. أما الأهمية العلمية فتتجلى في مجسماتها الجيولوجية وكتلها الصخرية وفتحاتها الغريبة وعمقها وظلامها التي تحتاج كلها لتقنيات تمكن من رؤية معالمها وشواهدها ومنظومة من الأسرار تتكشف رويداً رويداً على أيدي الباحثين والعلماء لتكشف حلقة مفقودة في سلسلة تاريخ المنطقة وجغرافيتها.
ومن شأن مشاريع تطويرها أن تساهم في تنشيط السياحة البيئية لتلك المواقع المتميزة ببيئتها الطبيعية البكر والمتمثلة في الغطاء النباتي الكثيف ووجود الأحياء البرية والطيور واعتدال المناخ، وستعمل على تدفق السياح طوال العام إلى تلك الأماكن الخلابة، وتعتبر الكهوف في السلطنة ضمن المناطق الجيولوجية المخبأة في باطن الأرض وهي كنوز طبيعية استغرق تكوينها آلاف السنين وتنفرد بخصائص وتكوينات نادرة وهي تراث وطني يتطلب ضرورة صونها ورعايتها كجزء مهم من التراث العماني الطبيعي والبيئي والسياحي.