مجلس أعلى للمرأة لتمكينها وطنيًّا

عائشة العلويَّة

في يَوْم المرأة العُمانية الذي يُصادف السابع عشر من أكتوبر من كلِّ عام، نعتزُّ ونفتخرُ بالاهتمام الذي منحه جلالة السلطان الوالد والقائد -حفظه الله وأبقاه- للمرأة العُمانية،خاصة في الخطب السياسية لجلالته التي يُؤكد من خلالها أنَّ دور المرأة العُمانية في مسيرة التنمية دورلا غِنَى عنه مطلقا، وفي خطابه في مجلس عُمان2009 شبَّه جلالته دور المرأة بجناح الطائر؛ فقال:

"قد أولينا، منذ بداية هذا العهد اهتمامنا الكامل لمشاركة المرأة العُمانية، في مسيرة النهضة المباركة؛ فوفرنا لها فرصَ التعليم والتدريب والتوظيف، ودعمنا دورها ومكانتها في المجتمع، وأكدنا على ضرورة إسهامها في شتى مجالات التنمية، ويسَّرنا ذلك من خلال النظم والقوانين التي تضمن حقوقها وتبيِّن واجباتها، وتجعلها قادرة على تحقيق الارتقاء بذاتها وخبراتها ومهاراتها من أجل بناء وطنها، وإعلاء شأنه.ونحن ماضون في هذا النهج، إن شاء الله، لقناعتنا بأن الوطن في مسيرته المباركة، يحتاج إلى كل من الرجل والمرأة فهو بلا ريب، كالطائر الذي يعتمد على جناحيه في التحليق إلى آفاق السماوات". فكيف تكون حاله إذا كان أحد هذين الجناحين مهيضًا منكسرًا؟ هل يقوى على هذا التحليق؟!".

اللمحة الأخرى لهذا التقدير السامي أنَّ جلالة السلطان شهد عام 2011 عشية الاحتفال بالثامن عشر من نوفمبر يوم النهضة المجيد شهد عرضا عسكريا نسائيا، وأدى جلالته التحية العسكرية عند مرور طابور العرض من أمام المنصة، ولهذا دلالته العصرية بأنَّعُمان ماضية في تمكين المرأة وفي احترام عطائها وقدراتها.

في يوم المرأة العُمانية.. هل سنتكلم عن الإنجازات أم عن الاخفاقات؟ عن التقدم أم عن التراحع الذي حدث لتمكين المرأة الاجتماعي والسياسي؟ لن نعطي انطباعات ولن نعكس أيَّ انفعال بل سنرجع للارقام فهي عين الحقيقة ويصدقها العقل والمنطق ثم نحكم فيما بعد هل نالت المرأة الحقوق والميزات التي نالها شقيقها الرجل؟ وعندها فقط يمكننا أن نحكم على الحكومة التي تحولالأقوال السامية للوالد القائدإلى سياسات على الواقع، أم أنها حكومةتُطبق الآذان عن منطوق الخطب السامية التي يجب أن تمثل أجندة عمل لها.

هنا سنحتكم إلى التقرير الصادر مؤخرا عن وزارة الخدمة المدنية، والذي أوضح بجلاء عن وجود بَوْن شاسع بين الرجل والمرأة في تقلد المناصب الإدارية العليا، على الرغم من أن عددَ حملة البكارريوس من الرجال أقل بكثير من عدد النساء؛ فمقابل 42 ألف امرأة تحمل البكالوريوس يوجد 26 ألف رجل فقط يحملون ذات المؤهل، غير أنَّ الطامة الكبرى أو ما يوحي بوجود تمييز ضد المرأة أن عدد الذكور الشاغلين لوظائف في مراكر الادارة العليا يبلغ 8240 يقابلها 1433 مديرة أو نائبة مدير تتركز معظمها في حقل التربية والتعليم وبالخصوص المدارس.

وبلغة النسب المئوية، فإنَّ المرأة تمثل 47% من القوى البشرية العاملة بالخدمة المدنية، إلا أنَّ نصيبهامن المناصب القيادية لا يجاوز 8.6% و9% كمديرة دائرة، هذا طبعا بحسب التقرير الصادر عن وزارة الخدمة المدنية. كما يشير التقرير ذاته إلى أنَّ المرأة العاملة لا تترأس أي مكتب أو دائرة، انعكس ذلك على التصنيف الدولي لمركز السلطنةبالنسبة للنساء على مستوى مدير؛ حيث احتلت المركز 101 من بين 108 دول، وهو ما يدعونا إلى الاعتراف بوجود تقصير بحقالمرأة حتى وإن حاولت المؤسسات الحكومية إنكار ذلك؛ لأنَّ الأرقام والإحصائيات التي أشرناإليها صادرة عن وزارة مشرفة على معظم الوحدات والهيئات الحكومية.

إنَّ كاتبة هذه السطور قبل أن تُعيَّن مؤخرا في منصب مدير عام، مرَّت بتجربة استُبعدتْ فيها، وكانت الأقرب بحكم المسؤوليات والأقدمية الزمنيةلذات المنصب، وعُيِّن رجل لا يمت بعلاقة لمهام العمل، ولكن مُتخذ القرار أوكل مهام المنصب إلى شخص آخر لأنه رجل فقط.

إذن، وفي اعتقادنافإنَّ ثمة فجوة كبيرة بين الإرادة السامية التيأكدت وشجعت وأثنت على دور المرأة وعطائها، وما يجب أن تضطلع به في مسيرة التنمية المستمرة؛ فجوةلغياب المرأة عن خارطة المراكز القيادية؛ وبالتالي تراجع وجودها في مراكز شتى ومنها مجلس الوزراء أو مجلس الشورىوالدولة، وكان يجب أن يواكب الاهتمام السامي الذي شجع المرأة على المبادرة والانطلاق في نطقه السامي؛ حين قال جلالته -أبقاه الله:"هنا نود أن نوجه كلمة إلى المرأة العُمانية، ندعوها من خلالها إلى الاستفادة من كافة الفرص التي منحت لها لإثبات جدارتها، وإظهار قدرتها في التغلب على ما يعترض طريقها من عقبات" (2009).

قلنا كان يجب أن يُواكبه زخم من الحكومة لتقليد المرأة مراكزَ في اتخاذ القرار لتأهيلها بطبيعة الحال لنيل الثقة لما بعد ذلك من مناصب سياسية.

الفجوة الأخرى أو التَّحدي الكبير -وهو جزء لا يتجزأمما ذكرناه أعلاه؛ ألاوهو أن إرادة المجتمع لا تزال ترجح كفة الرجل على المرأة على صعيد الاختيار الديمقراطيوالتمثيل السياسي من خلال انتخاباتلأعضاء مجلس الشورى، الذي لا تتدخل فيه الحكومةً حيث أعلنت عشرون امرأة عنالترشح لمجلس الشورى، وهن يخضن الآن غمار منافسة غير عادية -لا ترحم- مع شقيقها الرجل الذي يبذل الغالي رخيصا في سبيل أن يحظى بكرسي تحت قبة المجلس، ويدفعه في ذلك أن الدورة الحالية وما قبلها حيث يكتسح الرجال بأغلبية ساحقة للمقاعد، ولا يمثل كرسي واحد أو اثنان تظفر به أو بهما المرأة سوى عنوانا لغيابها عن المشاركة السياسية؛ فمنذ انطلاق مسيرة الشورى بلغ إجمالي المقاعد التي حظيت بها المرأة تسعة فقط.ويلقي هذا الغياب بظلاله على تشكيلة المجلس اللامتوازنة؛ نظراً لغياب نصف المجتمع،فما الذي ساهم في ذلك؟ وعلى من تقع مسؤولية تهميش المرأة؟ هل الإعلام الذي لم يقم بدوره على صعيد بلورة الوعي السياسي وتثقيف الرجل خاصة -سواء مسؤولا عادياًصغيراً أو كبيراً- في منصبه، فتُرك الحبل على الغارب له ليضع النطق السامي بمضامينه العميقة ودلالاته الوطنية والسياسية على الرف؟ فالتقارير تصدمنا بحقائق ترجعنا إلى الوراء سنوات، ونحن في الألفية الثالثة وفي العقد الخامس من بناء الإنسان وصناعته ليكون قادراً على مواكبة مستجدات القرن الاجتماعية والإنسانية....!

هل يكون أحد الحلول المطروحة لرتق هذه الفجوة هو تشكيل مجلس للمرأة ينهض بمسؤولية متابعة تنفيذ الأوامر والتوجيهات السامية فيما يخص المرأة وتمكينها سياسيًّا ووطنيًّا، ويضع خطة عمل ورؤية لتحقيق نسب لوجود المرأة في مراكز صناعة واتخاذ القرار الحكومية وغير الحكوميةلأن ما يطبق في القطاع الحكومي يكون نموذجاً حريًّا بالتطبيق في القطاع الخاص بمايليق بمكانتها التي وصلت إليها بفضل العناية والاهتمام السامي من لدن جلالة السلطان -أبقاه الله.

تعليق عبر الفيس بوك