رائحة الغاز الطبيعي تنبعث من فوَّهات بنادق صراعات الشرق الأوسط

عبيدلي العبيدلي

على امتداد السنوات الأربع الأخيرة عرفت المنطقة العربية فترة من أطول فترات عدم الاستقرار في تاريخها المعاصر. وربما تكبَّدت البلدان العربية مجتمعة خسائر فادحة فاقت في أحجامها المالية، وتأثيراتها الاجتماعية والسياسية، أيًّا من الحروب التي عرفتها هذه المنطقة، بما فيها تلك التي خاضتها هذه البلدان ضد العدو الصهيوني، إذا ما أضيف إلى الأبعاد الاقتصادية والسياسية والعسكرية البعد الاجتماعي.

وغالبا ما تستأثر القضايا الإنسانية من ضحايا قتل وتهجير، إضافة إلى الدمار، والأمراض التي تفرزها مثل هذه الحروب باهتمام وسائل الإعلام التي تدفعها عناصر الإثارة، بوعي أو دون وعي، إلى إغفال قضايا أكثر أهمية؛ سواء تلك التي تتعلق بالأسباب الكامنة وراء اندلاع تلك الحروب، أو الإفرازات التي ستتركها وراءها. لهذا يجد المتابع للمشاهد اليومية لمسارح القتال، تواري القضايا الجوهرية الكامنة وراء اشتعال نيران تلك الحروب، واختباء القوى التي لا تكف عن سكب الزيت فوق عناصر تصعيد معاركها واستمرارها، حفاظا على مصالح تلك القوى السياسية والاقتصادية، التي لا يمكن نيلها، من وجهة نظر تلك الدول، إلا من خلال تغذية عناصر الاقتتال بين شعوب المنطقة، سواء بين دولها، أو حتى بين مواطني الدولة الواحدة.

واليوم.. تُجمع الدراسات المتابعة لمستقبل الطاقة أن الغاز الطبيعي سوف يشكل "مادة الطاقة الرئيسة في القرن الواحد والعشرين حيث سيكون البديل الطاقي لتراجع احتياطي النفط عالمياً". ولهذا، باتت السيطرة على مناطق الاحتياطي (الغازي) في العالم أحدالمحركات الرئيسة للصراع الدولي في تجلياته الإقليمية".

وكما يبدو، فإنَّ منطقة الشرق الأوسط، وعلى وجه التحديد تلك الأراضي المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط، حبلى بكميات ضخمة من الغاز الطبيعي. هذا ما كشف عن موقع "أسواق العرب" الإلكتروني الذي أكد أن مجموعة من شركات الطاقة "قد اكتشفت كميات ضخمة من الغاز الطبيعي في مياه البحر المتوسط".

ونقل الموقع على لسان متحدث باسم "ديليك غروب الشركة الأم لأفنر ولديليك دريلينج"، إنَّ المجموعة التي "تقودها شركة نوبل إنرجي الأمريكية دخلت بالفعل مراحل متقدمة من المحادثات مع شركات في تركيا والأردن ومصر والسلطة الفلسطينية، بشأن شراء الغاز الإسرائيلي ومد خطوط أنابيب. وأفادت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) أن الغاز القابل للاستخراج في منطقة حوض بلاد الشام يبلغ حجمه نحو 3.5 تريليونات متر مكعب، ويلبي ذلك الطلب الأوروبي على الغاز بالكامل لمدة سبع سنوات، وقد يعني تصدير ما يصل إلى تريليوني متر مكعب من قبرص وإسرائيل بقيمة نحو ثمانمائة مليار دولار بأسعار الغاز الراهنة في أوروبا".

على نحو مواز، يؤكد موقع "المصري اليوم" الإلكتروني، أنه وفقا لتقديرات "هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية(USGS) "، يبلغ حجم " النفط والغاز غير المكتشف في منطقة مياه دلتا النيل بنحو 223 تريليون قدم مكعب.. مؤكدة أن هذا التقدير اعتمد على المعلومات الجيولوجية وبيانات تجارية من آبار النفط والغاز والحقول في هذه المنطقة، (إضافة إلى) حوالى 1763 مليون برميل من النفط ومتوسط يقدر بـ223 تريليون قدم مكعب من الغاز، فيما قدر احتياطيات الغاز في السواحل التي تطل عليها إسرائيل ولبنان بما لا يقل عن 120 تريليون قدم مكعب من الغاز".

ويُؤكد هذا الموضوع بشأن اكتشافات كميات تجارية من الغاز الطبيعي في المنطقة الخبير في الصناعة النفطية ومستشار لجنة الطاقة في مجلس النواب اللبناني ربيع ياغي.. قائلا: "إنَّ الأمر بدأ بالفعل عند أول اكتشاف للغاز الطبيعي في بحر غزة عن طريق شركة بريطانية، وهو ما حرّك وثبت التقارير التي كانت تقول إن شرق البحر المتوسط يعوم على كميات هائلة من الغاز والنفط الخام.. (مضيفا)أن المناطق الاقتصادية الخالصة للدول تمتد لحدود مائتي ميل بحري، يبدأ من الشاطئ، وهو ما يوازي 350 كيلومترا، وأشار إلى أن المنطقة المذكورة تحتوي على أكثر من 120 تريليون قدم مكعبة تقريبا من الغاز، وهي كميات تكفي احتياجات الدول (لبنان وقبرص وإسرائيل وسوريا وغزة) لمدة تتراوح بين أربعين وخمسين سنة مقبلة".

إذا ربطنا بين هذه الاكتشافات، وما تشهده أسواق الغاز العالمية، كما يقول موقع "قناة الجزيرة الإلكتروني" من "تحولات مهمة على أثر الأزمة الأوكرانية، وما تشهده مفاوضات الغاز بين موسكو وكييف من عوائق مع صعود احتمالية قطع موسكو للغاز كما حدث في عامي 2006 و2009، (نكتشف أن) أمن الطاقة الأوروبي مهددأكثر من ذي قبل، مع تراجع إنتاج الغاز التقليدي في القارة الخضراء وزيادة اعتمادها على واردات الغاز"، وإذا ما أضفنا إلى كل ذلك ما كشف عنه وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك في حديث صحفي له في يوم 3 أكتوبر "عن اتفاق موسكو وأنقرة على الانتهاء من إعداد اتفاقية مشروع (السيل التركي الذي سيشمل) في المرحلة الأولى منه خطين بسعة ضخ إجمالية تصل إلى 31.5مليار متر مكعب من الغاز سنويا"؛ فليست هناك من حاجة إلى ذكاء خارق يفسر هذا التحول النوعي في المشاركة الروسية في الأزمة السورية، ولا إلى تفجر الصراعات الشرق أوسطية، وعلىنحو أوسع، كلما اقتربت الأطراف الوطنية المتنازعة أكثر من بعضها البعض. إذ إنَّ هناك من يرى في الاستقرار تهديدا مباشرا لسد حاجاته من مصادر الطاقة، وفي المقدمة منها الغاز الطبيعي الذي باتت رائحته تفوح فوهات بنادق صراعات الشرق الأوسط، وتزكم أنوف من يحاولون وضع حد للاقتتال المتصاعد فوق أراضيها؛ ففي ذلك تهديد لأمن الطاقة الأوروبي، وربما الغربي برمته، بما فيه الولايات المتحدة.

تعليق عبر الفيس بوك