شذرات

أمل السعيدية

شاهدت مقاطع من الفيلم الوثائقي (the true cost) عن إنتاج الأزياء والمصانع الموجودة في الهند وبنغلاديش. واحدة من النساء العاملات في المصانع تدعى شيمة وتبلغ من العمر ٢٣ عاماً، ظروفها صعبة للغاية، اجرها اليومي يبلغ ٣ دولارات، أي ما يقارب ريالا ونصف الريال، هذا يعني أن راتبها الشهري لا يتجاوز ٤٥ ريالاً، هذا كله من أجل العمل على قمصان ماركة عالمية معروفة. كل العلامات التجارية المسجلة تقريبًا تسلك هذا المسلك، تصنع الملابس بأقل تكلفة وتبيعها بتكلفة عالية جداً. أمام هذا الموضوع ما هو التصرف الأخلاقي الذي يجب أن اتبناه؟ لأننا فعلياً عندما نبتاع من هذه الملابس نتواطأ مع الرأسمالية الجشعة التي تستغل هؤلاء البسطاء وتقتلهم. شيمة تقول (أشعر بأنّ هذه الملابس مصنوعة من دمنا، هذا مؤلم جداً، لا أريد أن يلبس أحد أي من هذه الملابس).

...

في الكتاب الذي أقرؤه الآن، يتعجب طفل صغير من طقس ديني يحدث سنوياً في مدينته. تمر أفواج من الناس بجانب مدخل بيته، وينشدون لحن إنشاد باكٍ، أعجبتني قراءته للموقف بعد وقت لاحق، "إن هذا ما هو إلا نواح ظاهر للتزواج بالغ الفجاجة بين الإنسان والأبدية، والذي لا يمكن أن يكتمل، إلا من خلال فجور ديني من هذا النوع."

...

المرء يحتاج لسبب حتى يُقدم على الزواج. أجدني متفقة مع هذا تماماً. على خلاف مجتمعنا الذي يذهب إلى ضرورة الزواج كما لو أنّه "تقليد". علينا أن نمتلك أسباباً، لعل الحب سبباً، والرغبة في قضاء بقية العمر بحلوه ومره مع إنسان واحد، يفهمك، وتفهمه، تحبان بعضكما، تهتمان ببعضكما، ترينه الأجمل على الإطلاق ويراك الأجمل على الإطلاق. تحفظان لحظات الود، تكونان أوفياء، صادقين. تكونين مخلصة لنفسك قبل أي شيء ويكون هو كذلك. إن لم يحقق الحب هذا كله فهل يكون حباً؟ لأن الملاحظة التي يشاركنا بها الكثيرون حول تجاربهم الفاشلة بعد مضي فترة على الزواج على الرغم من الحب قبل الزواج. أعتقد أن الحب لا يفتر، الأهم أن يفهم كلا الطرفين رغبتهما الحقيقية وأسبابهما، وألا يتقدمان لصالح أي شيء يجرح إخلاصهما لأنفسهما قبل إخلاصهما للآخر.

...

عرفت شابة اليوم تُعاني من مشاكل كثيرة في علاقتها مع هذا العالم. كانت تهذي في أحيان كثيرة عن مواقف صغيرة تسببت في تشويهها وتشويشها. حدث مرة حين خرجت أمها من المستشفى وقد كانت تستعد هي لاستقبالها في البيت، في عمر السابعة قضت الصبية يومها وهي ترتب البيت، تضع قطع الأثاث في أماكنها، تسند المزهرية باتجاه الباب، تضع المفرش على الطاولات وتمسح الغبار هنا وهناك، وعندما تسمع الطفلة محرك سيارة والدها تختبئ خلف الباب. تتأمل أمها التي جاءت الآن من الخارج، تحاول اقتناص فرحة أمها بها، ملاحظة أمها لكل هذه التفاصيل الصغيرة، لكنها ما أن تفعل حتى تقول الأم لابد وأن الأخت الصغرى قامت بفعل هذا كله، لا أتوقع من الكبرى هذا الاهتمام. إنها الحاجة لترى قيمة نفسك في الآخرين الذين تثق بهم، هذا الخذلان في سن مبكرة، أثر على هذه الصديقة جداً. التفاصيل التي تعلق بذاكرتنا بهذه الصورة، تحدد لنا مستقبلنا أكثر مما نعرف عن هذا.

...

كثيرة هي تلك المواقف التي تجمعنا بأناس يحبون افتعال المشكلات. أكتب عن الذي يصنع رواية من لا شيء ويعيشها لوحده. رواية تعبر عن سوء ظنه بالآخرين، فيتبناها ويعتبرها حقيقة ويطوف بين الناس ليقول: فعل بي فلان هذا وهذا. وما فعل به فلان ما ذكر. لكنه في الحقيقة يعبر عن عقدة النقص لديه، وعن حاجته ليكون موضوعاً مركزياً يقصده طرف آخر بشروره. في الوقت الذي لا يبدو هذا الذي يلعب دور الضحية محاطاً بأيّ ملاحظة أو اهتمام. ولعل واحداً من أهم الأسباب التي تؤدي للعب دور الضحية هذا: عدم وجود شاغل وجداني حقيقي يشغل هذا الإنسان عن غيره من الناس، فيكف أذاه عنهم، بل ولعله لم يجد وسيلة تكسبه معناه غير هذا التشفي من الآخرين ومن ذاته عبر إقحام نفسه في مشكلة لا أصل لها.

لو أنك انصرفت إلى روحك، إلى ذاتك التي تريد لنفسها التحقق كما هو مشروع لها، لكنت بعيداً عن القيل والقال. لكنه عجزك وفقرك وسوء حيلتك.

تعليق عبر الفيس بوك