فشل الحرب العالمية على "الإرهاب"

عبيدلي العبيدلي

عجّت مواد قنوات الاتصالات، التقليدية منها، وما يُمكن تصنيفه في فئات شبكات التواصل الاجتماعي، بنقل خطب قادة دول العالم وزعمائها، التي ألقيت من فوق منبر الأمم المتحدة، في الاجتماع السنوي الأخير لجمعيتها العمومية. وتفاوتت تلك التغطيات في التفاصيل، لكنها أجمعت على إبراز ما ورد في تلك الخطب من مقاطع بشأن "خطورة الإرهاب"، وضرورة "التصدي له". تشيع مثل هذه التغطيات المكثفة، التي يتوقع لها أن تكون صادرة عن اهتمام دولي متزايد، الكثير من الارتياح في نفس من يتابعها الذي يكاد أن يؤمن بأنّ ساعة "الإرهاب" قد دنت، وأن أولئك القادة على أبواب التوصل، كما تقول كلماتهم، إلى إجماع على وضع "الإرهاب" في خانة العدو الرئيس على المستوى الدولي، وهو ما يحمل دعوة واضحة أحياناً، ومبطنة أحيانًا أخرى إلى قطع دابر "الإرهاب" من أجل تحقيق الاستقرار العالمي المنشود. وبخلاف ما يتوقعه البعض فإنّ الحرب الدولية على الإرهاب قديمة، فقد "أدرج الإرهاب في جدول أعمال دورة الجمعية العامة الأربعين عام 1985". لكن رغم كل ذلك يواصل "الإرهاب" النمو، فعملياته في تصاعد، غير مسبوق في تاريخ الإنسانية، على المستويين الكمي والكيفي.

مثل هذه الدعوات متوقعة ومنطقية، لكون الإرهاب كما يقول الباحث كريم مزعل شبي، في دراسته المعنونة "مفهوم الإرهاب (دراسة في القانون الدولي والداخلي)" محط أنظار العالم، فهو "يحتل حيزاً كبيراً من اهتمام فقهاء القانون الدولي والقانون الجنائي لما تشكله هذه الظاهرة من خطر جسيم على المجتمع... (ولذلك) أعدَّ المجتمع الدولي الكثير من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالإرهاب منها ما تم إبرامه في عهد عصبة الأمم ولعل اتفاقية جنيف لمنع، ومقاومة الإرهاب عام 1937 كانت أول محاولة على المستوى الدولي".

لكن شبي يثير قضية في غاية الأهمية وهي أنه "بالرغم من كثرة وتشعب الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالإرهاب، بقيت مهمة تحديد المقصود بالإرهاب في القانون الدولي محلاً لاختلاف الآراء بين القانونيين". ولربما يفسر هذا الاختلاف في تحديد "ما هو الإرهاب" فشل "الإجماع الدولي" في القضاء على ما يفترض أن يكون عدوا دولياً مشتركاً. فطالما اختلف قادة العالم على تعريف موحد للإرهاب، يصبح من الطبيعي جداً أن يفشلوا في مكافحة ذلك العدو، الذي لا يكفون عن وصفه بـ "المشترك". وهذا بدوره يفسر قدرة الإرهاب على الاستمرار في النمو والانتشار، ليس في دول العالم النامية بل حتى في تلك التي وصلت إلى أرقى مستويات التقدم، بما فيها روسيا والولايات المُتحدة.

هذا ما يتّفق فيه المحامي التونسي حازم القصوري مع شبي، حيث يؤكد الأول على أن "ليس لمصطلح الإرهاب محتوى قانوني محدد، فقد تعرض مدلوله للتطور منذ جرى استخدامه في أواخر القرن الثامن عشر، فقد تغير ذلك المدلول من وقت لآخر، فبينما كان يقصد به في البداية تلك الأعمال والسياسات الحكومية التي تهدف إلى نشر الرعب بين المواطنين، من أجل إخضاعهم لرغبات الحكومة، فقد أصبح يستخدم الآن لوصف أعمال يقوم بها أفراد أو مجموعات تتسم بالعنف وخلق جو من عدم الأمن لتحقيق هدف سياسي".

هناك بعض الإعلاميين من أمثال صبري عبد الحفيظ، ممن يتابعون "الأنشطة الإرهابية"، يرجعون استمرار هذه الظاهرة، متخذين من أحداث سيناء نموذجاً لها، إلى أسباب متعددة أولها الدعم الخارجي وتدفق المال والسلاح على المجموعات التكفيرية، وثانيها: وجود حاضنة شعبية في بعض المناطق للعناصر الإرهابية، وثالثها: غياب التنمية في سيناء، ورابعها: انضمام عسكريين سابقين إلى العناصر الإرهابية، فضلًا عن أن الحرب على الإرهاب تتكلف نفسًا طويلًا، ولا يمكن أن تنتهي بين ليلة وضحاها".

لكن مثل تلك الأسباب وغيرها لا تفسر على نحو شمولي متكامل استمرار الظاهرة وفشل المجتمع الدولي في وضع حد لها. وليس هناك ما هو أكثر صدقاً في الكشف عن فشل "التحالف الدولي" في حربه على الإرهاب من نتائج ذلك الاستطلاع الذي قامت به شبكة "إن. بي. سي" الأمريكية لسؤال المواطن الأمريكي عن رأيه في نتائج الحروب الأمريكية منذ أحداث 11 سبتمبر وحتى الآن. فقد أكد "الاستطلاع أن 47% من الأمريكيين يرون أن البلاد أصبحت أقل أماناً منذ أحداث 11 سبتمبر".

ويتفق "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" مع نتائج ذلك الاستطلاع، حين يؤكد على "أن فشل المجتمع الدولي المتواصل والممتد لعدة عقود في مواجهة الإرهاب ذي الجذور الدينية، يفترض بالبديهة التخلي عن الإستراتيجية الفاشلة الحالية، والتي لم تؤد سوى إلى التوسع السرطاني للإرهاب في شتى أرجاء العالم".

ولعل أهم من تلك الشواهد والاعترافات جميعًا في فشل المجتمع الدولي في القضاء على الإرهاب، ما جاء على لسان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عندما قال "إنّ العجز الدبلوماسي لمجلس الأمن الدولي وغيره على مدى 4 سنوات أدى إلى خروج الأزمة السورية من السيطرة". وليست سوريا أو كما ذكرنا سابقًا سيناء، سوى نماذج حيّة لحالة الانتعاش التي يتمتع بها الإرهاب في مختلف أرجاء العالم.

كل ذلك يدفع العالم للبحث عن إجابة لما يُعرف بـ "سؤال المليون دولار". كيف في وسع المجتمع الدولي خلق التحالف الصحيح المجدي الذي بوسعه مواجهة الإرهاب؟ لكن ربما يسبق هذا السؤال سؤال آخر مفاده: هل هناك اتفاق عالمي على تعريف الإرهاب، بعيدًا عن ذلك الذي لا نكف عن سماعه؟.

إذا كان الفشل مؤشرا قويا على الخطأ، فقد آن الأوان كي يُعيد قادة العالم النظر في أسباب الخطأ الذي ارتكبوه، ولا يكفون عن ارتكابه.

تعليق عبر الفيس بوك