عُمان بلا أميَّة

خلفان العاصمي

الحديثُ عن محو الأمية في السلطنة قديم متجدد؛ فمنذ بدايات النهضة المباركة كان الاهتمام بالتعليم بشكل عام من أهم أولويات التنمية؛ حيث سارعت الحكومة في نشر مظلة التعليم لتشمل عُمان بأسرها، كما سارعت في السنة الثالثة من عمر النهضة بإطلاق برامج محو الأمية، ليتمكَّن من فاتهم قطار التعليم من الالتحاق به، خاصة من الشباب الذين لم يحصلوا على فرص التعليم قبل النهضة، والذي كان محصورا في ثلاث مدارس فقط كما نعلم. ولقد حققت برامج محو الأمية في تلك الحقبة من حقب النهضة الكثير من النتائج الجميلة؛ إذ أهَّلت الكثير من الشباب بعد أن اجتازوا مرحلة محو الأمية ليلتحقوا بصفوف تعليم الكبار والتي تقدم برامج تعليمية نظامية أهَّلتهم للالتحاق بالعمل في الكثير من الوحدات الحكومية، وأصبح الكثير منهم في مراكز مرموقة خاصة ممن شغفوا بالتعليم وواصلو الدراسة الجامعية بالانتساب أو الانتظام.

ومع مناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية -والذي صادف الأسبوع الماضي، واحتفل به العالم استجابة لقرار المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم الصادر في العام 1966م، والذي نص على اعتبار يوم الثامن من سبتمبر من كل عام يومًا عالميًّا لمحو الأمية، ولتذكير العالم بمشكلة الأمية وما تمثله من عامل معوق للتقدم الاجتماعي والثقافي والاقتصادي لكثير من الدول- فإنَّ قضية التحرر من الأمية لا تزال مطروحة من ضمن القضايا التي تواجه التقدم في التنمية بالكثير من الدول خاصة الدول النامية، ولعل التحديات التي تواجه الكثير منها مرتبط بعوامل أخرى كالفقر والجهل بأهمية التعليم وعدم الإدراك بوجوب أن يكون الفرد مهما كان عمره ومهما كان مستواه قادرًا ولو على أبسط مفاتيح القراءة والكتابة؛ حيث إنَّ تحرير الإنسان من أميته الأبجدية والحضارية يظل هدفا إستراتيجيًّا من أجل الوصول به إلى مستوى تعليمي وثقافي يمكنه من الإسهام في تنمية مجتمعه وتقوية قدراته وتعزيز وتوفير المناخ الحضاري والاجتماعي الذي يحفزه على الاستمرارية في التعليم والذي هو مبدأ أساسي من مبادئ الدين الإسلامي والذي حثَّ على التعليم من المهد إلى اللحد، ليكون بعد ذلك مبدأ "التعليم للجميع" أحد مبادئ اليونسكو، واسترشادًا بهذا المبدأ أدركت السلطنة منذ بداية النهضة المباركة أهمية القضاء على الأمية وبتحقيق التكامل بين نظامي التعليم العام وتعليم الكبار تحقيقا لمبدأ التعليم المستمر؛ وذلك من أجل الارتقاء بالإنسان العماني ليكون أكثر قدرة على البذل والعطاء من خلال تسلحه بسلاح العلم والمعرفة. وتلبية لذلك، كان لابد من اتخاذ خطوات أكثر إيجابية لتعزيز ودعم تلك التوجهات؛ حيث ظلَّ المختصون بالوزارة يحرصون على اتخاذ كافة السبل الداعمة لتطوير المشروعات الرائدة في مجال محو الأمية؛ مثل: تجربة الاستعانة بمخرجات شهادة دبلوم التعليم العام للقيام بالتدريس في فصول محو الأمية وهي من التجارب الناجحة إذا ما حققت حالة التراضي والقبول بين الطرفين وهما الكوادر العاملة من مخرجات الدبلوم ووزارة التربية؛ حيث إنَّ التعاون معهم يتم وفق مكافأة مالية يطمح لأن تكون أفضل مما هي عليه الآن، إضافة لتلقيهم نوعية من التدريب أيضًا يحتاج لمراجعة ولزيادة جرعاته؛ حيث إنَّ العملية التي يقومون بها هي عملية تعليم وتعلم، وتحتاج للكثير من الطرائق العلمية لتحقيقها. ومن البرامج التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم أيضًا للقضاء على الأمية مشروع القرى المتعلمة بعدد من المحافظات؛ حيث يُعدُّ هذا المشروع من المشاريع المجتمعية التي تتسم بالتكاملية بين أفراد المجتمع للسعي نحو تحقيق أهدافه، وهي تحرير المنتسبين للمشروع من الأمية بعد اجتيازهم للسنوات الثلاث والتي هي فترة المشروع. وفي تجربة رائدة نفذت الوزارة في فترة سابقة برامج نوعية استهدفت فئات معينة من المجتمع لتحريرهم من الأمية وهم العاملين بالوزارة من حراس وسواق وعمال النظافة، وكذلك تعاونت مع شرطة عمان السلطانية في محو أمية عدد من نزلاء السجون، إضافة إلى مشاريع أخرى تخدم برامج محو الأمية وتحقق أهدافها والتي تسعى من خلالها السلطنة لتكون بلا أمية في العام 2030م، كما صرَّح لي أحد المعنيين في إطار جلسة حوارية عُقدت الأسبوع الماضي كجانب من جوانب الاحتفاء بالمناسبة. ومع هذا الهدف، فإنَّ أهمية التوعية بضرورة التحرر من الأمية هي مهمة مجتمعية تتشارك فيها مختلف مؤسسات المجتمع وأفراده.

تعليق عبر الفيس بوك