نظرات في الاقتصاد الإسلامي


عمار الغزالي

حضرت الأسبوع الماضي بعون الله وتوفيقه المؤتمرالسنوي العاشر للصيرفة الإسلامية بجامعة درم بالمملكة المتحدة، وتقع الجامعة في قرية جميلة ساحرة شمال شرق إنجلترا وتعد مكاناً للعلم والبحث منذ أكثر من ألف سنة، يشق القرية نهر هادئ يشرف عليه قلعة عتيقة شاهقة الارتفاع اختيرت كموقع تراثي عالمي من قبل اليونسكو، وتعد جامعة درم - حسب موقعها الإلكتروني الرسمي- ثالث أقدم جامعة بإنجلترا وتشتهر بعالمية مستواها التعليمي وبأبحاثها المبتكرة وطالما حصلت على مراكز متقدمة على مستوى العالم في تقييم وتصنيف جودة التعليم الجامعي، وبالجامعة مركز للاقتصاد والصيرفة الإسلامية وهو أول مركزأكاديمي متخصص في هذا المجال في المملكة المتحدة وأوربا ومن الأوائل عالمياً حيث تم إنشاؤه قبل ثلاثين عاما تقريبا، والمتابع لهذا الشأن يجد أن اهتمام الغرب بالاقتصاد الإسلامي أصبح ملفتا للنظر، فقد صرح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن خطط إستراتيجية للحكومة لتكون لندن المركز العالمي للتمويل الإسلامي، ودعا شوبيله وزير المالية الألماني في قمة العشرين مطلع سبتمبرالجاري إلى فهم أفضل للمخاطر ودورأكبر للنظام المالي الإسلامي ودمجه بالنظام المالي العالمي . لقد أصبح حجم التمويل والصيرفة الإسلامية أكبر من أن يتجاهل أو يتغافل عنه، فمن حوالي عشر مؤسسات مصرفية إسلامية تدير أصول تبلغ قيمتها حوالي 10مليارات دولار عام 1985 إلى أكثر من 500 مؤسسة منتشرة حول العالم تدير أكثر من 2.5 تريليون دولار عام 2015، وقد يرجع هذا إلى مميزات وسمات عديدة للنظام الاقتصادي الإسلامي المتكاملالذي تتفرع منه أسس التمويل والصيرفة الإسلامية ومنها :

· المذهب الاقتصادي الإسلامي ينفرد بعدم ارتكازه أساساً على الفرد شأن المذهب الرأسمالي والأنظمة المتفرعة منه والتي سببت الكثير من الأزمات الاقتصادية والمالية، ولا على المجتمع شأن المذهب الاشتراكي والذي قتل الإبداع والحرية الشخصية وأضاع حقوق الأفراد، وإنما يوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، وأساس ذلك هو أن كلاً من المصلحتين الخاصة والعامة يكمل كلاهما الآخر، وفي حماية أحدهما حماية للآخر، ويخطئ من يظن أن النظام الاقتصادي الإسلامي إنما هو خليط من النظامين، إنّ النظام الاقتصادي الإسلامي هو نظام مستقل متكامل ينظم الفرد وينظم المجتمع ويقوم على تحقيق مقاصد الشريعة الغراء في إسعاد الإنسان ولذلك ارتبط المال والاقتصاد ارتباطًا وثيقًا بالإيمان وبالمعاني الربانية.

· البعد الأخلاقي والاجتماعي للاقتصاد الإسلامي : الاقتصاد الإسلامي اقتصاد أخلاقي، ولا يفصل بينهما بخلاف الأنظمة الاقتصادية الأخرى فمن أخلاق التاجر المسلم السماحة، الصدق، الأمانة، والنصح، والقناعة، والتواضع والرحمة، والابتسامة، وغض البصر، عدم رفع الصوت، وترشيد الاستهلاك وحرمة التبذير. ولا دين لمن لا أمانة له.

· من أسس الصيرفة الإسلامية المشاركة في المخاطر: وهي الصفة المميزة له عن غيره من النظم، فالمشاركة في الربح والخسارة، هي قاعدة توزيع الثروة بين رأس المال والعمل، وهي الأساس الذي يحقق العدالة في التوزيع.

· التوازن بين المصلحة الفردية والجماعية: والأخذ بهما وعدم إغفال إحداهما لأنّ الفرد والجماعة ليسا خصمين، وعند تعذر التوفيق بينهما نغلب مصلحة الجماعة، كالنهي الصريح في السنة النبوية المطهرة عن الاحتكار، ورغم حرية الملكية الخاصة في الإسلام إلا أنّها ليست مطلقة، بل مقيدة من حيث اكتسابها ومن حيث استعمالها، إذ المالك الحقيقي للمال في الإسلام هو الله تعالى والبشر مستخلفون فيه وفقاً لمراد وتوجيهات المالك الحقيقي. والإسلام يقر الملكية الخاصة والعامة ويصونهما في وقت واحد وهما مكملان لبعضهما وكلاهما ليس مطلقاً بل مقيدان بالصالح العام.

إن عدم اطمئنان البعض لتطبيقات الاقتصاد الإسلامي أو الصيرفة الإسلامية بسبب بعض الظواهر مثل تقارب بعض التطبيقات بين البنوك التقليدية والبنوك الإسلامية لا يعني بأيّ حال من الأحوال ضعف الإطارالفكري للاقتصاد الإسلامي وإنما قد يكون له أسبابه - والتي سنذكرها بشيء من التفصيل في المقالات القادمة - تماماً مثل الفرق بين الإطار النظري لمبادئ الإسلام والواقع العملي للمسلمين.

 

 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك