من الافتراضي إلى الواقعي

أسماء القطيبي

كانت علاقات الشخص في الماضي لا تتعدى أسرته وزملاء الدراسة والعمل، ومنهم كان ينتقي أصحابه المقربين، وقد يمضي الشخص جل عمره ولم يعثر بعد على ذلك الصديق الذي يتمناه، أمّا اليوم فأعزهم قد يكون أحد أصدقاء الفيس بوك أو تويتر أو أحد المواقع الاجتماعية الأخرى. ونحن في الحقيقة محظوظون لأنّ التقنية اتاحت لنا فرصة التعرّف على أشخاص كثيرون في هذه المواقع. ومنهم نستطيع أن نعثر فيها على من يشاطروننا ذات الاهتمامات، أولئك الذين نستطيع بكل سهولة الالتقاء بهم والتحدث معهم حول مواضيع عدة دون تكلف وضجر.

إنّ الأشخاص الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بكثرة، ليسوا دائمًا أشخاصًا هادئين وانعزاليين كما يروّج عنهم، فكثير من هؤلاء أشخاص اجتماعيون يسعون لتوسيع دائرة معارفهم، ومعرفتهم. والدليل أنهم ينقلون صداقاتهم من العالم الافتراضي إلى الواقعي. ولعلّ أهم الدوافع هنا تكمن في فضول الشخص لمعرفة الآخر عن قرب من أجل إكمال تلك الصورة الناقصة عنه. أما إذا كان هذا الشخص يبدو غريبا، أو انه كان يملك أفكارا غير مألوفة فإن الفضول يتضاعف، وكأننا سنرى آراء الشخص على وجهه.

يحدث أحيانا أن يتجنب البعض اللقاءات الواقعية بالأشخاص الذين يلتقي بهم في مواقع التواصل، خوفا من خيبة الأمل التي من المحتمل أن يتعرض لها، وهو أمر وارد الحدوث كون الأشخاص في الفيسبوك وتويتر يملكون خلفيات اجتماعية مختلفة، وأسبابًا مختلفة للتواجد في هذه المواقع، وغالبًا من مناطق متباعدة تختلف فيها أنماط الحياة إلى حد ما، لذا على الشخص أن يضع كل هذا في الحسبان، فهو لن يلقى بالطبع شخصًا آخر، ولكنّه سيكمل صورة هذا الشخص في ذهنه من خلال مظهره وسلوكه وأمور أخرى سيتعرّف عليها في الواقع. هل يمكنني القول هنا أنّ هذا التخوف من التعرّف على الآخرين يبرهن لنا كم أننا أشخاص تهمنا المظاهر، وإن ادعينا أن ما يهمنا فقط هو شخص الآخر وروحه؟

من خلال متابعتي لبرامج التواصل الاجتماعي، يبدو الشباب في بلدي يميلون إلى نقل علاقاتهم الافتراضية إلى الواقع بكل سهولة، ويسعون لتنظيم اجتماعات ورحلات مستمرة، بينما تبدو الفتيات أكثر حذرًا في هذا الأمر، فبناء علاقة صداقة مع الفتيات أشبه بمشروع يحتاج لوقت حتى يكتمل بناؤه، كما أنّ عوائق أخرى قد تواجههن مثل ارتياب الأهل من تلك الصداقات، وخوفهنّ من الإحباط نتيجة تجربة تعارف سابقة. لكني شهدت علاقات صداقة افتراضية تحوّلت لصداقات وطيدة في الواقع، وهو أمر أسعدني شخصيًا، فمخاطرة التعرف على آخرين في مجتمع محافظ يقوم فيه الجميع بدور الرقيب تحتاج لشجاعة وجرأة كبيرتين.

يميل البعض إلى متابعة أصدقاء الواقع في العالم الافتراضي دون التعرّف على أشخاص جدد، واعتقد أن هؤلاء الأشخاص يفوتهم الكثير، فهذه المواقع تستطيع أن تقدم لنا معلومات نوعية عن المجتمع، من ذلك النوع الذي لا تقوم به المراكز الاحصائية. وهي نافذة على أحداث المجتمع وتوجهات أصحابه واهتماماتهم. أمّا بالنسبة للخصوصية التي ينشدها الشخص في صفحته الشخصية فبإمكانه التحكّم بها من خلال الخيارات التي تتيحها هذه المواقع.

في آخر موسم من برنامج "خواطر" الشهير، قام أحمد الشقيري بتجربة تمثلت في اختيار أشخاص عشوائيين من مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة نشاطاتهم التي يشاركونها في صفحاتهم لمدة معينة، ثمّ يقوم بالبحث عنهم في الواقع - دون علمهم- ومفاجأتهم من خلال الحوار بأنّه يعرفهم معرفة جيّدة، ويعرف أبرز نشاطاتهم وآراءهم خلال الفترة الأخيرة. وقد بدت الدهشة في وجوه جميع هؤلاء الأشخاص الذين لم يعتقدوا بأنّهم يقدمون حياتهم للآخرين على طبق من ذهب. ورغم أنّ الفكرة من التجربة كانت أن نرى كم أننا نتشارك خصوصيتنا مع الآخرين بكامل إرادتنا، وأننا يجب أن نكون أكثر حذرًا فيما يخص مشاركة حياتنا الشخصية لعدم تعرضنا للاستغلال وغيره، إلا أنّ فيها جانبا ملفتًا وهو أننا ميالون للمشاركة الاجتماعية وإظهار أنفسنا بمظهر اجتماعي مقبول، وإن كان مع أشخاص لم نلتقِ بهم شخصيا. ولعلّها غريزة تجد في المواقع الاجتماعية متنفسا، وبرأيي أنّ ما من داعٍ أن نتساءل دائمًا عن أسباب مشاركتنا في هذه المواقع، فالأمر معقد أكثر مما نظن.

أسماء القطيبي

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك