في المختلِف ..

سلمى اللواتية

قد تتبادر إلى الذهن مفردات عدة حين نطرح عنوان (المختلف)، وشخصيًا تتبادر إلى ذهني كلمات كالتميز والإبداع، أو كلمات كالظهور والشهرة على نمط المثل القائل: خالِف تُعرف!!

ومع كل ما تحمله المفردات السابقة من إيحاءات إيجابية أو غيرها، يبقى المصطلح بحاجة إلى تعريف لدى مستخدمه قولاً أو فعلاً، ومما لاشك فيه أنّ الخلفية الثقافية للإنسان وغرضه من الحديث ونوع الحديث وسياقه وعوامل أخرى متعددة تحكم المفهوم الذي يرتئيه الإنسان ومع هذا يبقى المعنى الأبرز جلياً،ألا وهو المغايرة وعدم التشابه وربما من جمال المتناقض هنا أنّه ومع المغايرة فإنّ الاختلاف يعد دوماً إثراءً إذا ما نظرنا له من زاوية المتعدد في وحدة هدفٍ يخدم الفكرة - أياً كانت مادية أو معنوية،ويُعدّإبهارا إذا ما خرج عن المألوف خروجا صارخا ! أو ربما يعتبر ضربا من الجنون؛ ليبقى رغم بعض الوصف السابق مندوباً في بعض الحالات كحالات الإبداع والإلهام الفكري الذي ينتج حلولاً لمعضلات خارجة عن المألوف هي الأخرى،وفي هذا الصدد فإنّه جدير وجود أشخاص مهيئين قادرين على تغيير بعض الخرط المحتمة لأجل الأهداف الأكثر نفعاً وهو أرفع معايير تقييم الإبداع في وجهة نظري، ومقولة قلتها وأسجلها (إنما الإبداع المنفعة) إنّ الإبداع الذي يضيف للإنسانية بُعدا يرتقي بفكرها ووجدانها هو الذي يحرز الدرّجة الأعلى في سلّم النجاح وعلى هذا الأساس فكلما اتسعت دائرة المنفعة ليشمل قطرها مساحات إنسانية أكبر وكلما امتدّ عمقها ليتجاوز الزمكان، وكلما استطاع هذا الإبداع أن ينفذ إلى أعماق الروح حيث العالم الأكثر غموضًا، استطاع الإبداع أن يستظهر تلك المناطق الخفية، ويستشرف الآفاق القادمة؛ وكان في مرتبة أعلى من مراتب التفوق. وهي نظرة توجهنا نحو إعادة الحسابات؛ ومهما كانت النتائج فإنها الركيزة التي يجب أن تتضح كي تتجه لها البوصلة، والتي لا يجوز إخفاؤها احتراماً لإنسانياتنا وجهودنا، والذي يثيرهذا الموضوع بقوة أحياناًهوذلك الشعور الغريب الذي ينتاب بعض المبدعين بالعبثية تجاه نتائج إبداعاتهم، هذا أولاً، وثانيًا ما نراه من عبثية في ما يطلق عليه إبداع، والموضوع في هذه النقطة بالذات سيتجه نحو ما قد يجلب ضيق النفوس وحينها السكوت عنه أحجى في هذا الموضع، وقد تكون لنا معه جولة أخرى.

عودًا على المختلف الذي يخرج عن المألوف خروجًا صارخًا، والذي قد يُقدم لنا نفسه وليفا للتمرد في بعض الأحيان، ذلك التمرد الذي يضرب بالموجود عرض الحائط لينسج منظومة جديدة كلياً تتلاءم مع غاياته، هذا التمرد يبدو لي مقبولاًخاصة إذا أدرجناه كأهم أداةٍ من أدوات النهوض البشري على مر التاريخ،ومع كل الجلبة التي يُحدثها عادة على أرض حدوثه فإنّه سيظل سلم ارتقاء طالما لم يكن تمردًا على أصل الفطرة،ولم يتعدَ على هدوء القيم الإنسانية، وثورات المصلحين عبر صفحات الأيام تسجل هذه التحولات الجذرية التي أحدثها تمردهم والصخب العارم الذي حلّ حيث حلّت ثوراتهم؛ ولكنهم ولأنهم كانوا أكثر قربا من أهداف الخلق وغايات الوجود؛استجابت لهم النفوس طوعاً أو كرهاً بحكم الأغلبية الصالحة، وليست رسالات السماء وحركة الأنبياء إلا قمة الهرم في هذا الباب، إذ إنّها أتت لتستبدل منظومات فكرية كاملة بأخرى، وتقلب الطاولة على مفاهيم وعادات وممارسات اجتماعية لصالح مفاهيمها، ولتنسف من الجذور مبادئ اقتصادية وسياسية ارتكزت عليها الأمم طويلاً قبل مجيئهم. إنّ هذا الحِراك الإنساني الضخم ينبغي أن يكون درسًا نافعًا لأولئك الذين حين يفلسون فإن حب الظهور يقودهم نحو ارتياد بحر المختلف ليتبين للعاقل إفلاس الفاعل!.

إنّ أخطر ما يواجهه العالماليوم هو هذا التغريب عن منابع فطرته الأصيلة المتناغمة مع متطلبات عيشه وبقائه على هذه الحياة مع كل ما يعتريها من تقلبات،ومع محاولات الصّدّ التي تغالب هذا الاعتداء السافر على الإنسانية يبرز لنا ومنّا مَن يروّج للمختلف تحت غطاء الأسماء والإبداع والروعة والجمال في محاولة متعمدّة أو ربما على محامل حسن الظن، محاولات جاهلة لتنظير المتخلف المتهالك، وتأصيل المستورد المائع الذي إن كان يخدم شيئاً فلن يكون إلا اقتصاد الرأسمالية الجاثم على صدر العالم يخنق عليه أنفاسه!في تجرد من كل الأيديولوجيات، وكل المعتقدات والأفكار والأديان، وفي ولاء خالص للإنسانية ومع رجاء حار لكل أولئك الذين يبحثون عن مساحات تحت دائرة الضوء أقول لاتعبثوا بالقيم ولا تلووا عنقها لتعرّفونا بقيم الحب والخير والجمال والسلام، فوالله إنّها لأسمى من أن تظهر في انفعال لحظي أو تفاعل مؤقت، إنّ القيم حين تبنى تحتاج إلى نماذج أصيلة ترجلت عن بساط البرجوازية ونزلت حيث ساحات العطاء والفناء تصلح وتصحح وتقوّم وترشد في عناء وجهد كبيرين لا يجوز لنا مصادرته لأجل حب الخروج عن المألوف والخوض في المختلف، فللمجد دروبٌ ومسالك وأهلها بشعابها أدرى .

s.allawati@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك