المرأة العمانية والشورى: سنوات العودة للخلف

د. سيف بن ناصر المعمري

saifn@squ.edu.om

كانت المرأة العمانية الأوفر حظا في المنطقة الخليجية حيث نالت حق المشاركة السياسية في وقت مبكر مقارنة بنظيراتها الخليجيات، بل كانت في المقدمة من حيث التمكين في تقلد مسؤولية الوظائف الحكومية العليا، مما ولد تفاؤل كبير لدى الأوساط النسائية بمزيد من المكاسب والتواجد سواء في المجالس المنتخبة أو في السلطة التنفيذية، ولكن انتخابات الشورى في الدورة السابعة دقت ناقوس الخطر للمرأة ومدى قدرتها على المنافسة على مقاعد هذه المجالس حين لم تتمكن إلا امرأة واحدة من الوصول إلى المجلس في وقت اعتقدت فيه كثير من المرشحات أن واقع المجتمع قد تغير تجاه تمثيل المرأة، ولكن ربما كان ذلك الاعتقاد مبالغ فيه رغم ارتفاع نسبة مشاركة المرأة في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية والمدنية.

إن تاريخ الشورى العمانية يثبت أن المجتمع ربما يضع ثقته في المرأة في مختلف القطاعات إلا في المجالس المنتخبة التي تتطلب تمثيل لا يمكن أن يقوم به إلا الرجال، فابستثناء الدورة الأولى للمجلس والتي لم تنل فيها المرأة حق التصويت أو الترشح، لم تتمكن المرأة خلال الدورات الست من تاريخ المجلس إلا بالفوز بتسعة مقاعد في محافظة مسقط، مما يشير إلى أن مشاركة المرأة السياسية تكتنفها العديد من التحديات التي لا يمكن التغلب عليها إلا بنضح الوعي الوطني بالممارسات الديمقراطية من ناحية، وأيضا بنضج المرأة سياسيا سيما في محافظة مسقط التي يثبت تاريخ المجلس أنها المحافظة التي يمكن أن تصل فيها المرأة إلى المجلس أما المرأة في بقية المحافظات فربما تحتاج إلى عشرين عاما حتى تتمكن من الوصول إلى المجلس إلا إذا حصلت تحولات كبيرة في نظرة المجتمع لتمثل المرأة.

إن النساء العمانيات في مطلع التسعينات عندما بدأ المجلس كان أكثر تفاءل وثقة من اليوم، حيث كان لديهن رهان كبير على تغير المجتمع، وارتفاع مستوى تنظيم المرأة مدنيا وسياسيا مما يتيح لهن التكتل من أجل إيصال عدد أكبر من المرشحات للشورى، ولكن السنوات الأخيرة بثتأحباط كبير في أوساط النساء العمانيات، وشهدت تراجع كبير للمكاسب التي أحرزتها المرأة، على الرغم من أن النساء يشكلن ثلث السكان في المرحلة العمرية من (21-60)، وأن النساء يسيطرن على النسبة الأكبر من جمعيات المجتمع المدني،كما تشير الإحصاءات الحديثة إلى ارتفاع نسبة مشاركة المرأة بقطاع الخدمة المدنية، حيث وصلت إلى (44.3%) من الإجمالي في عام 2013م، وتشير الإحصاءات إلى أن غالبية الموظفات في الخدمة المدنية (89.8%) يحملن شهادة الدبلوم ما بعد التعليم العام والشهادة الجامعية، إلا أن وعي النساء العمانيات بالقوة التي يشكلنها في البلد لا يزال ضعيفاًويؤثر على قدرتهن في تنظيم أنفسهن في الانتخابات المختلفة، وربما يمكن فهم هذا التراجع في سياق أوسع وهو ضعف البنى المدنية الحديثة المتمثلة في الجمعيات مقارنة بالبنى التقليدية المتمثلة في القبيلة، وهذا قد لا ينطبق فقط على جمعيات المرأة بل أيضا على عدد من تشكيلات المجتمع المدني في البلد الذي يبدو أنه أمام تحدي كبير للبرهنة على وجوده وقدرته في إعادة رسم خريطة اتخاذ القرار في البلد، هل تتمكن جمعيات المجتمع المدني على البرهنة على قدرتها في المنافسة في التأثير في الانتخابات؟ هذا سؤال لا تصعب الإجابة عليه "بلا" في اللحظة الراهنة خاصة إذا كان الحديث عن جمعيات المرأة العمانية أو المجالس الثقافية والاقتصادية التي تتواجد فيها المرأة.

المرأة العمانية اليوم تقف أمام تحد كبير يتطلب مساندتها في التغلب عليها، لأن تكرار الفشل في الوصول إلى المجلس سوف يبث اليأس لدى النساء، وسيظل المجلس ذكوريا ربما لا يلتفت إلى قضايا المرأة والأطفال وهي القضايا الرئيسية في الحفاظ على صحة المجتمع وتماسكه، ومن ثم يبدو أن الأمر تتطلب مشروع طويل الأمد لبناء قدرات المرأة للمنافسة في انتخابات المجالس البرلمانية، ومن الضروري البدء في هذا التدريب لدى شرائح مختلفة من النساء وفي مختلف المحافظات العمانية، مما يعزز من خبرة المرأة في العمل السياسي، ويتيح لها تأهيل نفسها قبل الانتخابات بفترة طويلة، كما أن هذا التحدي يتطلب إعادة تقييم جمعيات المرأة ودورها في دعم المرأة لخوض الانتخابات.

لا شك أنه يسود تفاؤل ضعيف جدا بشأن نجاح المرأة في الوصول إلى أكثر من مقعد في انتخابات الدورة الثامنة، وربما تدرك المترشحات ذلك ولكن مواصلة المشوار ما هو إلا رغبة في تسجيل حضور في هذه الانتخابات التي لا تمثل المرأة فيها أي ثقل سوى ثقلها في ترجيح كفة مرشح على آخر من خلالها صوتها الانتخابي، فمتى سيكون صوت المرأة للمرأة؟ هذا سؤال ربما تكون له إجابة واضحة في السنوات القادمة لكن ليس في هذه الانتخابات.

تعليق عبر الفيس بوك