مشـاهد وتساؤلات (28)

 

د. مُحمَّد العريمي

(1)

"قام مجلس المناقصات في العام 2009 بطرح مناقصة رقم 299/2009، والخاصة بمشروع تطوير الواجهة البحرية لشاطئ الأشخرة، وتمَّإلغاء المناقصة قانونيًّا بسبب ظهور مشكلة الحيازات".

"في فبراير من العام 2014، قامت وزارة السياحة مرة ثانية بإعادة طرح مناقصة مشروع تطوير الواجهة البحرية بشاطئ الأشخرة ورقمها 3/2014؛ وذلك بعد تسوية موضوع الأرض المخصصة للمشروع نهائيا العام الماضي وإنهاء المسح واستخراج الملكية واستكمال الإجراءات ذات الصلة، إلا أنه تمَّإلغاء المناقصة لمخالفتها المادة 37 من قانون المناقصات الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم 36/2008؛ حيث تقتضي المادة بإعادة طرح المناقصة إذا ورد عطاء وحيد فقط ولو كان مستوفيا الشروط".

"قال مختصون بوزارة السياحة إنَّالوزارة بصدد إعداد مستند جديد لمناقصة مشروع تطوير الواجهة البحريّة بشاطئ الأشخرة، وإعادة طرح المناقصة في نهاية العام الجاري 2014(حينها)، وذلك بعد تأخر تنفيذ المشروع لعدة سنوات لأسباب متعلقة بالحيازات في بعض أجزاء الأرض المخصصة للمشروع" (بحسب جريدة "عُمان").

"في تصريح لجريدة "عُمان"، توقَّعت وزارة السّياحة أن يبدأ المشروع خلال النصف الثاني من العام الجاري 2015، حيث ستتولَّى تنفيذه الشركة العمانيّة للتنمية السياحيّة (عمران)".

الرفاق حائرون، قلقون، متشكّكون، يتهامسون، يتساءلون: هل سيرى هذا المشروع النّور، أم أنّ هناك لعنة أو تعويذة ما تحول دون تنفيذه؟! وما هو آخر كلام في الموضوع؟!

 

(2)

تعطّلت ثلاجة المنزل، فقضيتُساعتين بأكملهما أبحث عن محل لتصليح الأجهزة الكهربائيّة في العامرات حتّى عثرت على محل وحيد منزوٍبين محلات تصليح المركبات، وبعد أن استجديته للذهاب معي كي يرى العطل الحاصل، قال لي: إذا كان (الكمبريسر) هو العطلان فستدفع ستين ريالاً، وإذا كان العطل يتعلَّق بأسباب أخرى بسيطة فستدفع ثلاثين ريالاً. حاولت أن أفتح فمي كي أقول شيئاً، فقاطعني بقوله: إذا لم يعجبك السعر فاذهب لغيري.

كنت أعرف يقيناً أنّي لن أذهب لغيره لأنّ (عمبر أخو بلال) كما يقول المثل العماني، وكنت أعرف كذلك أنّني سأدفع الستّين ريالاّ صاغراّ؛ لأن العطل غالباّ سيكون في (الكمبريسر) حتى لو كان هذا الأخير سليماّ ولا يعاني من أيّة مشكلات، ولكنّه الردّ الخالد الذي نسمعه من قبل أصحاب هذه المحلات، وإذا كنت شاطراً فأثبت العكس! وكنت أعلم أيضاً أنّها ستعمل لبضعة أيّام ثم ستعطل مرّة أخرى؛ لأنّه هكذا ينبغي أن يكون المشهد بالنسبة لهؤلاء، ومرّة أخرى إذا كان لديك حلّ آخر فافعله!!

ويظلّ السؤال الخالد الذي يُطرح للمرة المليون: هل أتى هذا العامل وأمثاله من بلدانهم مؤهّلين فنيًّا للعمل بمثل هذه المهن أم أنّهم تعلموا (الحسانة) هنا؟! وهل تحتاج مثل هذه المهن إلى خبرات وإمكانات لا يستطيع غيرهم العمل بها؟! وأين هي الكوادر المتنوعة التي تخرّجها معاهد التدريب المهني وكليّات التقنية سنويًّا عن أعمال وأنشطة كهذه خاصة وأنها أنشطة تدرّ ربحاً وفيراً في الغالب؟! وكم عدد الحلاقين أو النجَّارين أو الحدادين أو الخياطين الذين استطعنا خلال خمسة وأربعين عاماً من عمر النهضة أن نؤهلهم لسوق العمل؟!

أين المشكلة بالضبط؟! في الإعلام والمناهج التي لم تستطع إقناع شريحة من الشباب بأهمية أعمال كهذه كمصدر رزق مناسب يمكن تطويره والتوسع فيه مستقبلاً؟ في الدعم الذي يذهب جزء منه لأعمال وأنشطة أراها ثانوية كمحلات التجميل وتنسيق الزهور وإعداد البخور؟ أم في التشريعات التي يمكن أن تحمي الحرفي والعامل العماني من منافسة هؤلاء؟!

وإلى متى سنظل رهن تحكم هؤلاء واستغلالهم لنا، وإساءتهم لنا من خلال أساليبهم الاستفزازية الاحتكارية؟!!

 

(3)

في ظلِّما أقرأه وأتابعه من أخبار وقرارات حول رفع رسوم بعض الخدمات الحكومية والتي يرى فيها (البعض) وسيلة للحد من عجز الميزانية في ظل انخفاض أسعار المصدر (الأول) الذي نعتمد عليه في دخلنا القومي وهو النفط، فبرأيي أنه من المهم إعادة النظر في الملف الاقتصادي للسلطنة، فإذا كان القائمون عليه لم يستطيعوا خلال الفترة الماضية أن يُوجدوا حلولا بديلة لتنويع مصادر الدخل، ولم يستفيدوا من الأزمات السابقة، ولم يقدموا مقترحات اقتصادية مناسبة قائمة على الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي قد تكون ظروف بعضها وإمكانياتها أسوأ من ظروفنا، فهل سيستطيعون اليوم إيجاد هذه الحلول والبدائل؟!

... إنَّزيادة الرسوم، أو وقف العلاوات، أو إيقاف التوظيف، أو تخفيض ميزانيات الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية، أو التقشف في بند التغذية الخاص بالتدريب...أو غيرها من الإجراءات المشابهة، ليست بالحل المثالي أو الناجع للأزمة الاقتصادية وعجز الموازنة، بل هي حلول مؤقتة وغير عملية، وجزء من الحل يأتي من خلال مراجعة ملفات مهمة كملف التعليم ومدى توازي جودة المخرجات مع المبالغ الكبيرة المخصصة لهذا القطاع في الميزانية العامة للدولة، ومراجعة ملف اختيارات الأشخاص الذي يشغلون المناصب العليا في بعض المؤسسات والشركات الحكومية والصناديق، وهل أتى (بعض) هؤلاء بالكفاءة أم بالباراشوت من منطلق (القريب من العين..)! والاستفادة من الإرث الحضاري للسلطنة، والموقع الجغرافي، وتنوع البيئة التضاريسية والجغرافية في إيجاد مصادر دخل بديلة؛ فبلد تتنوع فيها مفردات الطبيعة من جبال وسهول ووديان وصحاري، وتتباين فيها الأقاليم المناخية من مناخ متوسطي وصحراوي وموسمي، وتتنوع فيها شواهد التراث المادي من حارات وقلاع وحصون وبيوت أثرية وحرف متنوعة، عدا مفردات التراث الثقافي من فنون وفلكلور وأنماط أكل ومعيشة. كل هذه الأمور تشكل في بعض البلدان مصادر دخل مهمة، بينما غالبية هذه الأشياء مهملة لدينا عدا بعض الأمور الشكلية التي تنم عن لا مبالاة رهيبة بها.

من يُعيد قراءة التاريخ العماني، سيجد أنَّالموقع الحضاري والجغرافي للسلطنة، إضافة إلى العامل البشري المتمثل في حب العماني للمغامرة، وتحمله للصعاب، وتآلفه مع ابن جلدته الآخر كانت من أهم العوامل التي ساعدت على قيام حضارة عمانية تشهد لها الآفاق، فمتى سيحين الأوان لمراجعة هذا الإرث ومحاولة الاستفادة منه مع مزجه بقدرات وإمكانيات الشباب العماني الذي يجب أن يؤهل تعليميًّا عصريًّا بشكل حقيقي، ولا نريد في كل مرة أن نذكر بنماذج لدول نجحت في ذلك من مثل اليابان وكوريا وماليزيا وسنغافورة...وغيرها.

كم من قرية كانت مُنتجة تعطل إنتاجها! وكم من حرفي ترك مهنة أهله وأجداده وذهب إلى مسقط يبحث عن وظيفة حكومية! وكم من امرأة كانت يوماً ما تساهم في الإنتاج المحلي ولو بمهن بسيطة، تحولت الآن إلى من يبحث عمن يعيلها لأن الدعم أخطأ طريقها! كم من أمثال هؤلاء في مجتمعنا كان يمكن بشيء من التخطيط الجيد أن يصبحوا رافداً للاقتصاد فأصبحوا عبئاً عليه؟!

تعليق عبر الفيس بوك