ضرورة الخروج من السبيتا أو الشميطا العربية

عبيدلي العبيدلي

ضجّت مواقع الشبكة العنكبوتية، واكتظت معها قنوات التواصل الاجتماعي بشريط فيديو يعرض مقابلة مع جيف بيرويك. وبيرويك هو رجل أعمال كندي، حقق ثروة خيالية في مطلع القرن الـ 21، قدرت حينها بما يربو على ربع مليار دولار. لكنه كان أيضًا من بين أكثر المتضررين من انفجار فقاعة الإنترنت في مطلع العام 2008. يحذر بيرويك في تلك المقابلة من كساد مدمر يتربص بالأسواق العالمية، وعلى وجه التحديد الأمريكية منها. ويحدد 15 سبتمبر 2015 موعدًا لهذا الإعصار المدمر، الذي وصفه آخرون بمجزرة مالية. الملفت للنظر في تلك المقابلة أنه يعتمد في تحليله الاستقرائي على ما يعرف في الديانة اليهودية باسم "السنة السبتية"، أو "الشميطا".

والشميطا، في الديانة اليهودية، كما يعرفها الباحث الموسوعي عبد الوهاب المسيري في موسوعته عن اليهودية "هي السنة التي يجب أن تُراح فيها الأرض". لكن مع مرور الزمن، بدأت بعض الطروحات تتحلق حول تلك السنة، كي تعتبرها السنة التي تتحقق فيها مكاسب خيالية لليهود، ويحاول اليهود إثبات ذلك بتسليط الأضواء على بعض التواريخ "ففي عام 1917 كان وعد بلفور، وبعد 49 عاماً 1967 دخلوا القدس وفي هذه الأعوام حسب قول المهتمين أنها تصادف عام الشميطا... وهو عام مقدس يتكرر كل سبع سنوات. ما هو أخطر من ذلك أن هذه السنة يعتبرها اليهود سنة اليوبيل التي تتكرر بعد مرور سبع دورات، فتبلغ 49 سنة".

لكن بيرويك يرصد الدورة السباعية، ويقف عند محطات رئيسة في طريقها، كي يروج لنظرية تقول إنه في نهاية كل دورة "شيميطائية"، تتعرض منطقة جغرافية معينة لكارثة سياسية أو اقتصادية تهز كيانها من الداخل. ويمضي بيرويك في محاولته لإثبات نظريته كي يحذر العالم من كارثة اقتصادية سوف تجتاح أسواق العالم المالية، وبدأت طلائعها تلوح في الأفق، ومن المتوقع أن تهب رياحها على تلك الأسواق، كما سبق أن أشرنا في 15 سبتمبر.

وإذا كانت السنة السبتية تعود كل ست سنوات، فيبدو أننا نحن العرب نعيش حالة كارثية "شيميطائية" شبه مستمرة قريبة من تلك التي يحذر منها بيرويك، وعلى أكثر من صعيد، ليس الاقتصاد سوى الحالة الأبرز بينها.

فعلى المستوى الاقتصادي، وإذا تجاوزنا السيولة النقدية التي لا تكف الدوائر الغربية عن تضخيم أحجامها، "لحاجة في نفس يعقوب"، فسوف نكتشف أن الاقتصاد العربي بشكل عام، وعلى صعيد كل دولة على حدة، يعاني من تشوهين أساسيين: الأول منهما بنيوي يحول دون ارتقائه إلى مكانة تؤهله لاكتساب مواصفات المنافسة في الأسواق العالمية، وخاصة على صعيد نوعية المنتجات والخدمات التي باتت تحتاجها الأسواق العالمية، والثاني نمطي، حيث ما تزال الاقتصادات العربية رهينة الاقتصادات التقليدية، وهذا ما يوسع من الهوة التي تفصلها عن الاقتصادات الديناميكية التي بدأت تأخذ بمكونات الاقتصاد المعرفي. كل ذلك أدى إلى محاصرتها (الأسواق العربية) في خانة الدول المستوردة المستقبلة، وحرمها من مكانة الدول المصدرة المرسلة.

يضاف إلى ذلك، تراجع التجارة البينية العربية نسبيًا، رغم تضخم أرقامها شكليًا. وتتضاءل أرقام تلك التجارة، وبالتالي أهميتها الاقتصادية، عندما تقارن بتلك التي تعرفها أسواق كتل سياسية أخرى قريبة من الحالة العربية.

الأمر يزداد سوءًا عندما ننتقل من الدائرة الاقتصادية، إلى نظيرتها السياسية، حينها سوى تصدمنا صورة الاحتراب العربي القميئة التي أصبحت تشكل حالة سلبية غير مسبوقة في التاريخ العربي المعاصر. ولم تعد الجيوش العربية والمليشيات الممولة عربيا تخوض معاركها الخاصة ضد بعضها البعض فحسب، وهو أمر سيئ بكل المقاييس، بل تجاوزت ذلك، بشكل سلبي، وارتضت لنفسها أن تخوض معارك الآخرين بالوكالة. وتحولت الجيوش العربية إلى مليشيات تدافع عن مشروعات دول أخرى إقليمية وعالمية. ولعل الساحة السورية هي أسطع دليل يؤكد ما نذهب له. فخلال السنوات الخمس الماضية تعاركت الجيوش العربية في حروب بالوكالة عن طهران وتل أبيب، وفي أحيان أخرى بين موسكو وواشنطن.

وتزداد الصورة العربية كآبة عندما نمعن النظر في تفاصيلها الاجتماعية، فحالة التشظي الاجتماعي الطائفي، بل وحتى الفئوي والمناطقي، العربي التي تفرزها الصدامات العسكرية أصبحت سمة ثابتة في المشهد الاجتماعي العربي منذ ما يزيد على العقد من الزمان. وحلت مكونات، وقيم ذلك التشظي محل مفاهيم المواطنة المعاصرة، بمفهومها المتحضر. وعاد العرب إلى مرحلة دول الطوائف، لكن في حلل جديدة. وما يضاعف من سلبيات التشظي تلك النكهة الإقصائية التي تسيطر عليه في أي اتجاه يسلكه، وتقوده على نحو عمياي نحو مصير مجهول يهدد بتفتت الأمة، وتمزيق أنسجتها الاجتماعية.

تتسلل الحالة "الشيمطائية" العربية بشكل شيطاني متخفٍ إلى المؤسسات التعليمية، كي تضمن مخرجات تعليم بالية، تقذف بعشرات الآلاف من حملة الشهادات التي لا تتجاوز وظائفها التعليق على جدران منازل حملتها.

هذه الصورة القاتمة تضع القيادات العربية أمام منعطفات حادة، وتحديات قدرية، وخيارات مصيرية غير مسبوقة. فإما أن تمتلك تلك القيادات العربية الشجاعة الكافية التي تمكنهم من تجاوز حواجز تلك المنعطفات والتحديات، من أجل الوصول إلى الخيارات الصحيحة، وإما أنهم سيجدون أنفسهم يقفون في طوابير الأمم والشعوب المهددة بالانقراض.

ويحلو للبعض أن يشير بأصابع الاتهام إلى الدوائر الحاكمة، ملقيا بالمسؤولية على كاهلها، لكن واقع الحال يشير إلى أن حال المعارضات العربية ليس أفضل، ومن ثمّ فالمسؤولية تقع على عاتق الجميع دون أي استثناء، ولم يعد مناص من العمل الجاد من أجل الخروج من هذه الحالة السبيتية أو الشيمطائية.

تعليق عبر الفيس بوك